بشائر المجتمع

العباد على عرش البيان يقرأ هجنة الأنواع الأدبية لدى حسن الشيخ

رباب حسين النمر: سيهات

استضاف عرش البيان، منتدى سيهات الأدبي القاص زكريا العباد في أمسية سردية مساء اليوم بعنوان: (مقومات القصة القصيرة تجربة الدكتور حسن الشيخ أنموذجًا)، بإدارة عريف الأمسية الأستاذ إبراهيم الرواغة.

وقد حضر الأمسية مجموعة من أعضاء المنتدى، وبعض الضيوف مثل الناقد عيد الناصر والقاص خليل الفزيع، ودارت رحى الحديث على عدد من المحاور التي تناولها العباد من خلال ورقته: (قراءة في هجنة الأنواع الأدبية، القصة السوريالية عند حسن الشيخ أنموذجا)، ففي المحور الأول تحدث عن دائرة الاغتراب لدى الشيخ في مجموعته (كحل مريم)، التي تعكس اضطرابات الواقع العربي وتجسّد أزمات الاغتراب النفسي والذاتي والجسدي والاجتماعي والسياسي.

وفي المحور الثاني تناول توظيف السريالية في قصة كحل مريم عبر مكحلة سحرية ترى بها البطلة المجهول، لتجاوز الواقع بالخارق والأسطوري، ويقرر العباد أن السريالية هي المنهج الاسلوبي العام والغالب في قصص الشيخ، وليس الواقعية السحرية، مضيفًا:

” إن قصص الشيخ موغلة في الغرابة والسوريالية و الغموض وكثير ما تعاني شخوصها الاضطراب النفسي، ما يجعلها نسبيًا متداخلة مع أجناس أدبية أخرى، مع مخاطرة أن لا يكون تلقيها سهلًا ميسرًا للقارئ العادي”.

وفي المحور الثالث كان الحديث يدور حول التشويق في القصة القصيرة الكلاسيكية لدى الشيخ، وقرر العباد أنه كان معتمدًا على تطور الأحداث (مفاجآت، صراعات، ذروة درامية)، وغموض المَصير (ماذا سيحدث للشخصية؟)، وعلى حُبكة مُحكمة (بداية، وسط، نهاية).

وكان المحور الرابع حول التشويق في النصوص الشبيهة بقصيدة النثر التي تضمنت نوعًا مختلفًا من التشويق يعتمد على عمق المشاعر والصور (كيف تُعبِّر اللغة عن الوجود؟)، والانزياحات اللغوية (مفاجآت فكرية أو جمالية)، والغموض الفلسفي (أسئلة وجودية دون إجابات).

وأوضح وجود تفاوتات من حيث الحبكة (العقدة والتسلسل الزمني للأحداث)، وحول الشخصيات (التطور والعمق)، والصراع والحل، وتوظيف الرمزية لمعالجة قضايا مُعاصرة، ليخلص العباد إلى أن ” الانزياحات السردية في بعض قصص المجموعة (غياب الحبكة، تجريد الشخصيات، الانزياحات اللغوية) تُقرب النصوص من قصيدة النثر، حيث تحل (الكثافة الشعرية) محل (البناء السردي التقليدي). وهذا يُعد خيارًا جماليًا يعكس هجنة الأجناس الأدبية في الكتابة المعاصرة، ولكنه يُبرِز “نقصًا إذا قُورِن بمعايير القصة القصيرة الكلاسيكية”.

وفي المحور الخامس بحث العباد الاسباب التي تجعل القارئ لا يُصاب بالملل أثناء قراءة القصة التي تميل أن تكون قصيدة نثر، وهي: وجود التجربة الجمالية، تقديره للانزياحات اللغوية، واهتمامه بالأسئلة الوجودية (الهوية، الموت، العزلة) أكثر من الأحداث، ثم قدم الحلول الجمالية التي اتبعها الدكتور الشيخ لتعويض غياب التشويق التقليدي، وهي:

التكثيف اللغوي، والقوة اللغوية، والرمزية الثقافية، والإيقاع الداخلي،

وهذه الأدوات إما أن تخلق تشويقًا من نوعٍ آخر(فكري، شعري، وجودي)

– أو تفشل فتجعل النص غامضًا أو مُبهمًا لمن يبحث عن سرد تقليدي.

ومعظم القصص في المجموعة (مثل “كحل مريم”) حققت التوازن عبر: مزج السرد بالرمزية دون التخلي عن العمق النفسي للشخصيات. وفي المحور السادس تناول معايير التمييز التي تجعل النص أقرب إلى القصة القصيرة، وهي: وجود إطار سردي (ولو بسيط)، وتوظيف الشخصيات (حتى لو مجردة)، وتسلسل زمني (ولو غير تقليدي)، وأن تكون النصوص في المنطقة الرمادية بحيث تُحافظ على توازن دقيق بين العنصرين. ثم يخلص إلى أن الانزياحات الحديثة تخلط الأجناس، وبالتالي فالملل ليس حكمًا عامًا، بل نتيجة لـلتناغم بين أسلوب الكاتب وتوقعات القارئ.

ويمكن القول أن القاص الشيخ مقتنص بارع للأفكار ويستهدف نوعًا من القراء يكون شغوفًا بالأفكار العميقة، وهو محترف في جذب القارئ عبر استخدام تقنيات سردية تخلق التشويق وتعالج العسر الناتج عن غموض الفكرة وعمق الرمز وتتسم بعض نهايات قصصه بإحداث الصدمة حتى لو كانت النهاية مفتوحة، وهو يفعل ذلك غالبًا وليس دائمًا.

وقارن في المحور الأخير بين أدب جان بول سارتر وقصص حسن الشيخ، فكلاهما ينطلقان من الإحساس بالاغتراب والقلق، ولكن سارتر يطرح الإنسان ككائن حر بالكامل، مسؤول عن مصيره، يعيش صراعًا فكريًا مع عبثية العالم.

أما الشيخ، فيرسم شخصيات مضطربة تغلفها الغرابة والخيال، وكأنها تبحث عن مخرج روحي أو نفسي وسط عالم غامض.

وأسلوب سارتر فلسفي وتحليلي، بينما يميل الشيخ إلى لغة شاعرية وصور سريالية.وإن كان السؤال الفلسفي الوجودي يتبدى شفافًا في خلفية المشهد القصصي في أحيان كثيرة.

عند سارتر، الحرية قدر لا مفر منه. عند حسن الشيخ، المصير يبدو غامضًا، وربما محكومًا بقوى لا تُفهم.

وكلاهما يبحث عن المعنى وسط العبث، لكن سارتر عقلائي مباشر، والشيخ قاص بنكهة شاعر غامض، قاص بارع شجاع في تجريبه، وهو جدير بأن يطلق عليه تكريمًا لتجربته الغزيرة اسم (سارتر الأحساء). وكانت هناك مداخلات ومشاكسات من الجمهور الحاضر، بعضها مؤيدة أو معارضة أو ربما مضيفة أبعادًا أخرى على ما تفضل به العباد.

وفي ختام الأمسية قدم منتدى عرش البيان -يمثله سيد عدنان الموسوي- شهادة تقدير للقاص العباد والتقطت الصور التذكارية.

جدير بالذكر أن  الدكتور حسن الشيخ من مواليد الأحساء، الهفوف عام 1959م.حاصل على شهادة بكالوريوس في الآداب من جامعة الملك سعود، وشهادة ماجستير في الاتصال الإداري من جامعة مشيجين الحكومية في أمريكا، ودكتوراه في الإدارة العامة من جامعة إمباسدور الأهلية، أمريكا.

– عمل عضوًا في هيئة التدريس بمعهد الإدارة العامة بالدمام، ومنسق قطاع الإدارة العامة في المعهد.

أعد العديد من الدراسات الاستشارية الإدارية للكثير من الأجهزة الحكومية، وصمم العديد من برامج الإدارة والاتصال الإداري، والعديد من الحقائب التدريبية في مجالات الإدارة والإشراف والعلاقات العامة، كما أشرف على العديد من البحوث الأكاديمية في معهد الإدارة العامة.

وفي المجال الإعلامي كان مشرفًا على القسم الثقافي بمجلة (الشرق)، ومحررًا أدبيًّا بجريدة (الرياض)، وعضوًا ومستشار الهيئة التحريرية لجريدة ديوان العرب الإلكترونية،كما عمل محررًا ثقافيًا بجريدة (اليوم). شارك بالكتابة في العديد من الصحف والمجلات المحلية والخليجية، وله كتابات نقدية وقصصية مستمرة في الصحف المحلية. حضر العديد من الندوات والمؤتمرات الإدارية المحلية والدولية.

يعد الدكتور الشيخ غزير الإنتاج الفكري والأدبي، وله مؤلفات كثيرة في الشأن الإسلامي والإداري، إضافة إلى ما صدر له من مؤلفات أدبية: مجموعات قصصية: ولادة فارس قبيلة المطاريد، اختفاء قدوسة، حافلة الأحساء، غيمة البدري، المقبرة، محطة الهفوف، السقوط المشروع، وروايات، هي: الفوارس، المنارة، الكوت. وقصص قصيرة جدًا: رداء الملائكة.

وكتب نقدية وإعلامية أثرت المكتبة العربية. أما زكريا العباد فهو من مواليد الأحساء عام ١٣٩٨، ١٩٧٧م، وهو صحافي ومحرر متعاون في مجموعة من المطبوعات المحلية، حصل على الجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء ١٤٢٧، وهو مؤسس ملتقى آراء وأصداء الإلكتروني، وعضو منتدى القصة القصيرة بسيهات، ومنتدى ابن المقرب الأدبي وجماعة حواف الإبداعية. صدرت له مجموعتان قصصيتان بعنوان: (وجوه) و(الممثل).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى