في مدرج الأرواح: حين يهتف القلب للغائبين وننسى من سجّل أول أهداف حياتنا!

عماد آل عبيدان
(أوديسة عشقٍ لم تُذاع على الشاشات)
“قبل أن تشرع بقراءة هذا النص… أرجوك، اجلس بقلبك كله.
انزع عنك ضجيج هاتفك، عجلتك، سباقك مع الوقت…
لأنك ستغوص هنا في رحلة ليست كسائر الرحلات،
رحلة تخوضها بروحك، تبتسم فيها وأنت تبكي، وتبكي فيها وأنت تبتسم.
هنا، كل كلمة ضوء، وكل سطر نبض… فاستعد لأن ترى بقلبك، لا بعينيك”.
على مقاعد الحياة، كنا وما نزال جماهيرًا
جماهير تهتف، تصرخ، تقفز، تعترض، تحلل، تدافع، تهاجم…
ولكن ـ ويا للسخرية ـ كل ذلك كان من أجل “هدفٍ” صغير تدحرج في ملعبٍ بعيد.
بينما الأهداف الحقيقية كانت تنزف عند عتبات بيوتنا… دون أن يرفع أحدهم الراية!
أتعلمون من هم اللاعبون الحقيقيون الذين خذلناهم؟
هم أولئك الذين كانت أقدامهم أول من درّبنا على المشي،
وصدورهم أول من احتضن انكساراتنا الصغيرة،
وأحضانهم أول من صفّق لانتصارنا حين ربطنا حذاءنا بمفردنا!
إنهم الرحم،
ذاك الدوري الذي لا يهبط أبدًا…ولا يُلغى مهما تفشّت الإصابات في الأرواح.
كنا نتابع بعينين دامعتين مباراة نصف نهائية بين فريقين،
نتجادل على خطأ تحكيمي،
نشتم حكماً مغموراً في قارة بعيدة،
وننسى أن هناك حُكاماً حقيقيين:
جدّة تراقب أداءنا في الحياة وتبتسم رغم هزائمنا،
خالة تمارس التحكيم العاطفي يوميًا بين دمعتها وفرحتها لرؤيتنا،
وعمّة كانت ترفع الراية البيضاء أمام أخطائنا منذ الطفولة… دون بطاقة صفراء واحدة!
يا صاحبي،
الركبة المصابة التي أبكت الملايين،
أصبحت أهم عندنا من قلبٍ مريض في دارٍ تنساه أنفاسنا!
صرنا نعلّق قلوبنا برباط صليبي تمزق،
وننسى خيط الدعاء الذي انقطع بيننا وبين رحمٍ انتظرنا ولم نأتِ.
لو أن الحب كما نفهمه في الملاعب:
صرخة، دمعة، قبلة على القميص…
لربما كنا أقل قسوة مع أرحامنا الذين اكتفوا بدعاءٍ في الخفاء.
أرأيتم لاعبًا يسجد شكرًا بعد تسجيل هدف؟
افعلوا مثلهم
اسجدوا شكرًا بعد كل مكالمة عابرة مع أمٍّ مسنّة، أو جلسة سريعة مع خالٍ أضناه التعب.
هنا، حيث تختلط المشاعر بالذكريات،
وحيث يهتف القلب للغائبين أكثر مما يهتف للفرق الفائزة
دعونا نعيد توزيع مراكز قلوبنا:
• الأم: حارس المرمى، الذي يذود عنك حتى آخر رمق.
• الأب: قلب الدفاع، الذي يتحمل الضربات بصمت.
• الجدّة: صانع الألعاب الخفي الذي يمدّك بالحب دون أن تراه.
• الخالة: الجناح الأيسر الذي يخترق حزنك بضحكتها.
• العمّة: الجناح الأيمن الذي يراوغ تعبك بنكتةٍ خفيفة.
وكلهم… كلهم
يلعبون من أجلك دون عقود احترافية، ولا رواتب، ولا صفقات انتقال.
لا تجعلوا آخر اتصال مع أرحامكم مثل تسديدة ضائعة في الدقائق الأخيرة.
ولا تجعلوا آخر لقاء معهم مثل نهائي خاسر لا يعاد.
الحياة ليست موسمًا ينتهي لنبدأ غيره.
الحياة رحلة قصيرة… لا تمديد فيها، ولا أشواط إضافية، ولا “بلنتيات” رحمة.
نعم، هتفنا كثيرًا في مدرجات الحياة الخاطئة.
صرخنا، تهامسنا، ضحكنا، انفعلنا…
لكننا صمتنا حين كان يجب أن نهتف:
“اشتقنا لكم… سامحونا.”
ووالله، لا شيء يكسر ظهر العمر أكثر من جملة قالها رحمٌ منسي:
“كنتُ أشتاق لكم… وانتظرت… ولم تأتوا.”
وفي اللحظة التي تهمّ فيها بالخروج من هذا النص،
تذكّر:
هناك من ينتظر صفارة حبّك الأخيرة،
ينتظرها دعاءً، نظرة، كلمة دافئة،
يريدك أن تعلنها مدوية:
“يا رحيق أيامي، يا فوزي الحقيقي… أنا هنا، لم أنسك، ولن أنسى.”
فاز الذين انتصروا لأرحامهم قبل أن ينتصروا في مبارياتهم.
فاز الذين اختاروا قلوبًا تفوز بالحب لا بالكؤوس.
وكلما صمتت المدرجات…
علت في السماء هتافات الأرواح الصافية:
“رحم الله قلبًا كان يهتف لنا في صمت، ويحبنا في غيابنا، ويصفح عن تقصيرنا دون أن يطلب شيئًا بالمقابل.”
(نصّ يحلّق بين سماء الضحك وأرض الدموع، ويرفع راية النصر للقلوب الكبيرة التي لا تُهزم).