حماية الأسرة تعزز دور الدولة من خطر المخدرات على الشباب
محمد عبد الله الفريد
مما لا شك فيه أن شبابنا يتعرضون لهجمات عديدة وكبيرة من تجار المخدرات، بل أن عمليات الترويج آخذة في الازدياد، وبشكل متصاعد.
وفي كلمة للواء أحمد الزهراني، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، في حفل تدشين المشروع الوطني للوقاية من المخدرات (نبراس)، قال: “إن المخدرات المهربة للمملكة تُصنع خصيصاً في مصانع سرية، معلوم للمكافحة مواقعها، وتمثل كمياتها المضبوطة داخل الوطن الثلثين من معدل المخدرات في دول العالم”. الثلاثاء – 8 جمادى الأولى 1437 هـ – 16 فبراير 2016 مـ رقم العدد [13594].
وذلك رغم الجهود الكبيرة المبذولة، لمحاربة هذا الخطر على الوطن، من قبل إدارة مكافحة المخدرات في شتى المواقع، يقابلها تطور في عمليات التهريب والترويج.
وهذا الكلام يثبت أن المملكة بلد مستهدف من قبل ضعاف النفوس، من التجار العالميين، من دول الجوار. ويشير اللواء الزهراني في حديثه أيضا: “وأحبطنا أكبر عمليات التهريب عالمياً خارج المملكة وداخلها، ومصانع للمخدرات، وقبضنا على مهربين ومروجين وناقلي مخدرات بين دول العالم، بالتعاون مع الدول العربية والشقيقة والصديقة، والأجهزة النظيرة في مكافحة المخدرات حول العالم. وأصبحت المملكة مضرب مثل في مواجهة هذه الآفة”.
والتساؤل الذي يظهر الى السطح: ما الذي يجعل تجارة المخدرات بكافة أشكالها تنمو وتأخذ في الازدياد، طالما هناك جهود كبيرة لمحاربتها؟
قد تبدو الإجابة مألوفة، وهي الربح والإثراء السريع، فتجار المخدرات والمروجين يسعون للحصول على الأموال والثروة بشتى الطرق، والهدف النهائي هو الحصول على المال، دون النظر إلى الآثار التدميرية التي تترتب على هذه التجارة الفاسدة والمفسدة.
وهذه الإجابة تعزز الفكرة القائلة: إن هناك خلل ما يحدث في مجتمعنا، وخصوصا على صعيد الأسرة، دعا إلى رواج هذه التجارة، وإلا ما الداعي لاتساعها ونموها طالما هناك محاربة لها؟ وفي بلد مثل المملكة تقوم على الثقافة الإسلامية، وتتمتع مؤسساتها التربوية والدينية بمساحة واسعة من إرساء القيم الدينية، فالقرآن يتلى على المسامع في كل وقت، وتنتشر المآذن والمساجد صادحة بذكر الله تعالى، وتشتغل المواعظ في كل حدب وصوب.
مما لا شك فيه أن مجتمعا مثل المملكة هو مستهدف بكل ما تعنيه الكلمة، وعمليات التهريب ودفع المبالغ الكبيرة التي يسيل لها اللعاب يجعل من ضعاف النفوس يستميتون في نشاطهم التخريبي.
الشيء الآخر أن المروجين يستهدفون فئة الشباب، إذ تشير معظم الدراسات أن الشباب دون سن العشرين يتعاطون المواد المخدرة، منها الحشيش، الترامادول، و الاستروكس، ومواد مخدرة أخرى، وأن الشريحة الأكبر من المدمنين أقل من 40 سنة.
وهذا يعنى بلا شك استسهال الشباب لتجربة المخدرات، من حبوب وامفيتامينات وحشيش وكبتاجون، إلى المخدرات المدمرة من كوكايين وهيرويين وغيره.
والتشجيع المستمر بالتجربة الأولى، والنفخ في رؤوس الشباب بأن المنشطات ما هي إلا لحظات من السعادة والقوة الجنسية، والقوة في التركيز، وخلافه من أساليب الترويج الخبيثة، مستخدمين كافة وسائل الدعاية.
من أهم أسباب انتشار المخدرات المغامرة بالتجربة الأولى، والتي هي المنزلق نحو الهاوية، ثم الجري وراء الأوهام بطلب السعادة ولحظات النشوة، وأخيرا كسب المال الفوري والسريع.
والسؤال كيف نقف في وجه هذا التيار الطاغي والجارف لشبابنا؟
الأسرة هي الدرع الواقي والحماية الرئيسية في التصدي وتحصين الشباب، ومنها المنطلق الأول لدرء الخطر.
التوعية الخارجية لا تعطي ثمارها بالشكل القوي والمؤثر، إذا لم يكن هناك دعم من الأسرة لتوعية أبنائها من تلك المخاطر.
دعم جهود الدولة ورفدها بالبناء النفسي في الشباب، وغرس قيم الدين، والوعي بالخطر المدمر عند الانجراف وراء المخدرات.
فالأسرة كلما كانت واعية ومنتبهة لتلك المخاطر، أصبحت قادرة على التوجيه السليم والتحصين القوي للأبناء.
كيف تقوم الأسرة بدورها؟
لا يختلف اثنان على أهمية دور الأسرة في حماية الأبناء، وأنها خط الدفاع الأول، والسور الحامي، وهي الحصن القوي، الذي لا تزعزعه العواصف. فكلما قامت الأسرة بدورها الحيوي، كلما كان شبابنا في مأمن من الأخطار، والعكس صحيح، إذا تراخت وتغافلت عن ذلك الدور التربوي، تعرض الشباب الى السقوط في مهاوي المشكلات الخطيرة. وهنا أعرض من واقع تجاربنا في الإرشاد الطلابي عددا من النقاط المهمة التي نوجه إليها لتكون آليات عمل مع الأسرة:ـ
1- العمل على زرع الثقة في نفوس الأبناء، فكلما كان الابن قويا في داخله، ويتمتع بثقة عند حديثه مع والديه، ويستطيع إبداء آراءه بدون خوف، كلما كان الابن محصنا.
2- خلق مجال للحوار وطرح الموضوعات. فالأسرة الواعية هي التي تستدعي أفكار أبنائها للتعرف عليها، وإظهارها وعدم كتمانها في نفوسهم. والشباب بطبيعته متطلع مستكشف، لديه ميول لمعرفة كل ما يدور، ولديه رغبة في فهم الأحداث المحيطة به. والأسرة الواعية هي التي توجه بذكاء وتزرِّق الأفكار التربوية عبر الحوار والمناقشة. إن خطر كبت الأفكار يجعل الابن يبحث عن آخرين لمحادثتهم، مما يجعله يقع في خطر الأفكار المسمومة.
3- كلما كانت البيئة الأسرية تظهر سلوكا دينيا، واهتماما بالرعاية الدينية، سواء كانت في العبادات أو مسائل الحلال والحرام، كان ذلك أدعى لتحصين الأبناء. فالأبناء يتعلمون ويتشربون السلوك والأفكار بما يشاهدونه من والديهم وسلوكهم الظاهر، والوالدان هما القدوة الأولى التي يتعلم منها الأبناء.
4- تشير الدراسات إلى أن المؤثر الأول في ترويج المخدرات والميل نحوها يرجع إلى الإعلام، (طرق تعلُّم الإدمان من وجهة نظر الشباب، وفق إحصاءات مع النسبة المئوية، فأشارت نتائج الدراسة إلى أن وسائل الإعلام تُمثِّل الخطر الأكبر على ثقافة التعاطي وتعلُّم الإدمان).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/publications_competitions/0/54573/#ixzz69fcr4e7Q
وبلا شك إن وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت المفتوح والمسلسلات والأفلام الأجنبية، تعرض تعاطي المخدرات بصورة محببة، كما تجعل تلك الشخصيات مثالية، وتتمتع بالبطولة في الأفلام، وهم مدمنون، لتظهرها صالحة للتقليد. وهذا لا يختص بالأجنبي منها، بل المسلسلات العربية والخليجية أيضا، والتي ظهر خطرها في تعليم الأبناء والشباب طرق الانحراف والحيل والمخادَعة. وهنا يظهر دور الأسرة بشكل جلي، في التوعية بتلك المخاطر، ووضع تلك الشخصيات في إطارها الصحيح. فهي لا تمثل قيمنا ولا ثقافتنا، كما أننا نلتزم بدين ومبادئ مختلفة عن تلك المجتمعات، وهي مجرد أفلام من أجل الكسب.
كما توجه الأحداث المنشورة والمتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي بوعي وإدراك ومعرفة الغث من السمين والمفيد من الضار.
5- الاحتواء المستمر للأبناء. فالأبناء يخطئون كما يخطئ الجميع، ولا يعني ذلك نبذهم وحرمانهم من عاطفتنا وحبنا، ويظهر أثر الاحتواء بإضفاء الشعور بالانتماء للأسرة، وإشعار الولد بأنه يحظى بالتقدير والحب، ومحترم وله قيمته بين عائلته، كما أن الاحتواء يقلص حجم المشكلات التي تتعرض لها الأسرة، ويضع جميع المشكلات في خانة القابلية للحل، وإيجاد السبل لتجاوزها من دون آثار نفسية.
وتتحدث الدراسات أن قابلية شفاء وتعافي المدمنين من خطر المخدرات يقوم على قدرة الأسرة على الاحتواء واحتضان المدمن، والعكس صحيح كلما تم التعامل مع المدمن أو مرتكب الخطأ بطريقة النبذ كلما كان ذلك أدعى للتورط في المزيد من المشكلات، فالولد ليس له إلا أسرته، وهي مسؤولة عنه شرعا ونظاما.
6- تجنب العنف والقسوة في أساليب التربية. كشفت إحصائية أعدتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالسعودية عن 1750 حالة هروب لفتيات العام الماضي، 67% منهن أجنبيات، وتصدرت المراهقات بنسبة 65%، تلتهن المعنفات بـ35%. ، وقد تصدرت جدة ومكة المكرمة معدلات الهروب، حيث شملتا 82% من الحالات، سجلت مدينة الرياض والمنطقة الشرقية أقل النسب وهي 18%. (مجلة لها أون لاين -06 ذو الحجة – 1437 هـ| 09 – سبتمبر – 2016).
العنف لن يكون سبيلا لإحكام السيطرة على الأبناء، فلا بد من اتباع أساليب تربوية، تكون أكثر فهما لنفسية الشباب، وتتمتع بذكاء فائق، لاحتوائهم في أحضان الأسرة. وما ينطبق على العنف يمكن أن ينطبق على الدلال الزائد، بتوفير كافة احتياجات الأبناء، دون محاسبتهم أو مراقبتهم أو الإشراف عليهم. وتشير قصص المدمنين أن أحد أسباب انجرافهم وراء الإدمان أسلوب التربية القائم على التدليل.
7- الاهتمام بأصدقاء الأبناء، بل والتعرف عليهم عن قرب، إضافة إلى محاولة إيجاد مكان مناسب لهم في ديوانية المنزل، لضمهم واحتوائهم ومشاركتهم في أنشطتهم، ليكونوا قريبين من الأسرة، ولا يمكن إنكار حقيقة تأثير الأصدقاء على بعضهم، فحقائق الحياة تنطق بأن الصديق على دين صديقه، وهو يكتسب منه المعارف والخبرات ويمارس معه مختلف السلوكيات والهوايات، وتتشكل شخصية الولد بناء على تقليده ومحاكاته لصاحبه.
ويمر الشاب في المراهقة بمرحلة تسمى (مشكلة الرفاق)، والمقصود بها هو قوة تأثير الصديق على صديقه، فيزرعون في بعضهم مختلف السلوكيات، ومن هنا تأتي ضرورة اهتمام الأسرة بأصدقاء الولد أو البنت، كي تتم ضبط الأمور قبل انفلاتها.
8- مراقبة الأبناء بشكل مستمر واستكشاف التغيرات التي تحدث معهم، فالرقابة مهمة إلى حد كبير، وتمكّن الوالدين من التدخل في الوقت المناسب، قبل تفاقم المخاطر، كما تعمل على تقويم الأبناء في الوقت المناسب، إضافة إلى كشف ما يصطلح عليه ألاعيب الأبناء في تجاوز الرقابة الأسرية، فالذكور لديهم ميول الى الاستقلال عن سلطة الوالدين، ويمكن تعزيز هذا السلوك ولكن تحت الرقابة التقويمية، وضمن منهج تربوي قائم على عدم إغفال السلوكيات المريبة أو إهمالها، بل لا بد من التدخل وقت الحاجة، وإثبات حضور الوالدين في الوقت اللازم.
9- وضع الأنظمة داخل الأسرة، بصورة تضمن تعويد الأبناء على اتباع القواعد، وذلك يحفظ الأبناء من الوقوع في الأخطاء الصغيرة والكبيرة. كذلك على الأسرة عدم التهاون أو الضعف أمام إلحاح الأبناء لتجاوز الأنظمة. فالنظام مفتاح الضبط ويُوجِد الطمأنينة لدى الوالدين.
10- إيجاد بيئة متقاربة بين الأسرة الصغيرة والكبيرة، من أعمام وأخوال وأبنائهم، والتقارب والتواصل والتزاور والالتقاء يمنح الأبناء ثقة في أنفسهم، ويجعلهم تحت المتابعة السلوكية، كما يمنح الأعمام والأخوال فرصة لتقديم نصائح سلوكية وتربوية ودينية وتوعوية لتقويم الأبناء، وهو يدعم جهود الأسرة في التربية.
11- مناقشة مشكلات الأبناء مع المرشد الطلابي بالمدرسة، فالمرشد يطلع على سلوكيات كثيرة، ويلحظ النمو المستمر، والسلوك الظاهر على الأبناء، مما قد يخفى بعضه على الأسرة، وهو العين الساهرة التي تراقب عن قرب كل التغيرات الطارئة. كما يطلع على الأصدقاء الجدد للطالب، وهذه المناقشة تفسح مجالا لتبادل الأدوار التربوية، كما تتيح إيصال رسائل وأفكار تربوية، وتصحيح لسلوكيات الأبناء. فالمرشد الطلابي الواعي والمدرك لدوره والقريب من الطلاب، خير معين للأسرة، وهو قادر بحكم خبرته التربوية والنفسية على إيجاد سبل عديدة للتدخل التربوي والإصلاح.
12- تنمية مواهب الأبناء وهواياتهم المحببة، أو تسجيلهم في الدورات الرياضية، أو المهنية أو التثقيفية. فالشباب طاقة متفجرة بما تحمله الكلمة من معنى، ويرغب في القيام بأعمال عديدة لتفريغ تلك الطاقة، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”. ويقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
إن التغيرات الحاصلة في فترة المراهقة بالتحديد، والرغبة الجامحة في التجريب والاستكشاف تدفع المراهق لتعلم ما يحيط به، لذا من الضروري الاهتمام بتفريغ الطاقة الداخلية وتوجيهها التوجيه المناسب له.
13- تجنب الأنانية والاهتمام بالذات وإهمال الأبناء، الخلافات بين الوالدين تحدث، وقد يقع الطلاق أو الانفصال العاطفي، ومهما حدثت الخلافات أو كبرت بين الوالدين فعليهما تجنب إهمال الأولاد بحجة الخلاف، أو الاهتمام بنفسيهما دون النظر إلى الأبناء، فالأبناء قد يقعون ضحايا تلك الخلافات والإهمال، أو الانتقام المتبادل بينهما في أبنائهما. على الوالدين ترك الأنانية، وتقديم مصلحة الأبناء دائما، والاهتمام بتربيهم التربية الصحيحة، وعدم تعريض الأبناء إلى الحرمان العاطفي أو النقص المالي، أو الاحتياجات الشخصية، بسبب ابتعاد الوالدين عن بعضهما البعض.
14- الاهتمام باحتياجات الأبناء، والمقصود بالاحتياجات كل ما يضع الابن أو البنت في مصاف الأولاد الآخرين، ممن هم في أعمارهم، بتوفير الملبس المناسب، والمصروف، وأدوات الترفيه، والبيئة المناسبة، وعدم التقصير عليهم. وقد يستخدم الوالدان أساليب تربوية مثل (لك ما تحتاج وليس لك ما تريد)، ولكنها بحاجة إلى توضيح وإقناع، كي لا يضع الولد نفسه في إطار المقارنة بزملاء آخرين، أو أولاد أقرباء له، حيث تتوفر لهم الاحتياجات وأدوات الترفيه، وهو محروم منها أو من جزء كبير منها، وهنا يمكن استخدام الحوار والإقناع عند حدوث النقص.