(بشائر) تزور والدة موسى الخنيزي
زينب علي: الدمام
قصة أشبه بالأفلام الهندية، بدأت في اليوم الثامن من شهر ربيع الثاني في عام ١٤٢٠ هجرية، تحديداً في مستشفى الولادة والأطفال بالدمام، بعد مرور ثلاث ساعات من ولادة الحاجة حميدة السلطان بمولودها ( موسى)، حضرت امرأة تتناول معها اطراف الحديث، وقدمت المساعدة للحاجة أم موسى بحجة غسيل المولود، بعد إصرارها بتقديم العون خضعت لها نزولا لرغبتها، من هنا غابت الشمس وأفل القمر.
فُقد الوليد، وبدأت معاناة الألم و لوعة الفراق و دوّامة البحث عن(موسى)، واستمر ذلك العناء والبكاء والشقاء طيلة عشرون عاما.
وذكر الحاج علي الخنيزي -والد موسى- لصحيفة بشائر قائلا:” في ذلك العام أردت من قنوات الأخبار و وسائل الإعلام الحديث عن اختطاف ابني موسى ولكن جميع الصحف رفضت، عدا جريدة المدينة فقد قبلت الإعلان في الصفحة الأولى ومجانًا”.
وأضاف: ” عرضت مبلغ ٥٠ ألفا لمن يدلني عليه، وسأسامح خاطفته، ونشرت ذلك في جميع مدن ومحافظات الشرقية من الجبيل والدمام والقطيف والأحساء”.
وتوالت الأحداث ومرت السنين وتفطر قلب (أم موسى) شوقاً وولهاً، وتتذكر إحدى شقيقات الحاجة السلطان:”أختي عاشت على يقين بعودة ولدها ولم تفقد الأمل في يوم من الأيام، كانت صابرة وموكلة أمرها لله ومتأكدة أن في يوم من الأيام بيرجع لها”.
وأضافت قائلة:”مع مرور السنين أختي صارت ماتصيح بس كلما تتذكر تتنهد، وكلما تمر على منطقة الدمام تقول أحس ان ولدي هنا -مشيرة بأصبعها-“.
كانت الحاجة السلطان تشتري الملابس لموسى وتضعها في خزانته، لتكون ملابسه جاهزة له في حين عودته، واسمته بـ (موسى) تيمننا بنبي الله موسى لأنه سيعود ويكون قرة عين لها وتقول:” هو في أمانة موسى بن جعفر وبيرجع”، كما وذكر الحاج الخنيزي: ” كنت أخرج زكاة الفطرة عن موسى في كل رمضان، وأدري انه حي وبيرجع لنا”.
عاشت عائلة الخنيزي طيلة عشرون عامًا على أمل لقاء أبنها، فكانت بارقة الأمل لم تنطفأ يوما بعد يوم، بل كانت تزداد يقيناً بإن اللقاء بات قريباً.
بدأت خيوط الحقيقة تتفك حينما ذهبت امرأة في العقد الخامس (مريم)، إلى مكتب الأحوال المدنية، لإستخراج بطاقة هوية وطنية لـ (موسى) وإخوانه، وطلب منها موظف الأحوال الأوراق الثبوتية، فزعمت أنها (ضاعت) ثم استمر معها في طلب البيانات فكانت تتهرب من الإجابة عليه، إلى ان أثارت الريبة والشك عند موظف الأحوال المدنية.
فكانت المفاجأة بإنه لم يتم العثور على ما يثبت أن (موسى وأشقائه) أولادها، وزعمت أنهم لقطاء وأنها تكفلت في تربيتهم والصرف عليهم، وتم إبلاغ أرشيف المفقودين عنهم ومتابعة القضية.
بعد إجراء التحقيقات اتضحت الأسرار البشعة والتي دامت قرابة الـ ٢٥ عاما، أدمت فيها القلوب وجفت فيها العيون وثكلت فيها الأمهات، تبين أن الخاطفة (مريم) خطفت ثلاث أطفال على فترات متقطعة، خطفت الطفل ( نايف القرادي) والذي تم تسجيله بإسم زوجها، ثم (محمد العماري) و(موسى الخنيزي)، وحاولت اختطاف آخرين بعدها لكن محاولاتها باءت بالفشل.
وذكر خالد مهنا -زوج الخاطفة مريم- لقناة الاخبارية “جابت لي طفل في مهاده مع أوراقه وقالت لي هذا ابنك سوي له إثبات، ورحت ثبته، بعدها جابت لي ولدين وقالت لي هذول لقطاء سجلهم فرفضت وقلت لها لحم مو لحمي ما أسجلهم”، وأكد المهنا بعدم معرفته بالبنات الذين معها في البيت.
تم التواصل مع ذوي المفقودين وإجراء فحوصات الـ DNA (البصمة الوراثية)، واتضح أن (محمد العماري) مطابق تماما مع ذويه، أما (موسى الخنيزي) مطابق مع الأم فقط وتم انتظار الأب الى حين عودته من سفره، في حين اتضح حديثا أن (القرادي) مخطوف أيضا وتم العثور على ذويه مؤخراً.
عاد الخنيزي من سفره وتمت مطابقته مع (موسى) وقال:” شعرت أن هذه الخمسة أيام كأنها خمس سنين من طولها”، وذكر الخنيزي لأحد وسائل الاعلام قائلاً :” عرفت أن موسى ولدي من صوته وأسلوبه”، فتجدد الفرح في بيت الخنيزي وتعالت الأهازيج وأقيمت المحافل والولائم وكأنها ولادة من جديد لإستقبال ابنهم.
كانت الحاجة السلطان مصداقا للآية الكريمة:” فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ”، بإيمانها الكامل ويقينها الحازم وحسن ظنها بالله بعودة أبنها، فلسانها الشكور ووجهها الباسم قد أسرت به قلوب جميع الحضور، كانت تستقبل الجميع بالأحضان، بفرحة غامرة رغم تعبها بسبب الازدحام إلا أنها تردد:” حياكم الله.. حياكم الله.. وسامحوني ..جايين ومتعنين مب قادرة أوقف..”.
فقد اكتظت مجالس عائلة الخنيزي بوفود من المهنئين بالتهاليل والزغاريد، من مختلف المناطق والبلدان لمشاركتهم هذا العرس الإنساني، وقاموا بفتح حسينية الإمام المهدي وحسينية فاطمة الزهراء عليهم السلام رجالا ونساءً.
وتجدد الأمل وبرقت العيون بدموع الشوق لعوائل المخطوفين بعودة الشبان الثلاثة الى ذويهم، وتمسكوا بالإيمان بالله وبالدعاء بعودة أبنائهم، فقد تحطم اليأس في نفوسهم واستيقنوا بأنه مهما طالت سنوات الإنتظار فإن الفرج قريب وماعلى الله أمرا عسير.