(زمن الكورونا) الأزمة.. الفرصة
لدينا الكثير من المشاريع على المستوى الشخصي المؤجّلة طيلة الفترات المنصرمة؛ وكل ذلك بحجة ضيق الوقت و”الالتزامات الأكثر أهمية” من تلك المشاريع، حتى مع أخذ الإجازات عن تلك الأعمال “الأكثر أهمية” تَغْرق أوقاتنا في مشاريع طارئة أو أنَّ أهمّيتها تتصاعد في فترة الإجازة!
ولكن في زمن الكورونا ومع الاحتياطات الصحية التي تعيشها أغلب المجتمعات، بات الأمر مختلفًا؛ فالأوقات تضخّمت، والنشاطات تراجعت، والالتزامات انحسرت كثيرًا… وهو المرجوّ اتّباعًا لنصائح المتخصصين.
لنُعد بَرْمَجَة الحياة من جديد ولو خلال هذه الفترة المؤقتة ـ إن شاء الله تعالى ـ فالأوقات صارت تحت السيطرة تقريبًا، والالتزامات لم تعد ملزِمة، وتم التَّحرر من الضروريات.
وأقصد من البرمجة؛ هو إعادة ترتيب الأولويات حسب الوضع الجديد، ثم البدء بالترتيب والتنظيم داخل تلك الأولويات، وهنا أذكر بعضًا مما يجدر الاهتمام به في نظري على الأقل.
أوّلًا: التربية الرّوحية
في الأزمات ينشدّ الإنسان إلى السماء رجاءًا للخلاص، وكلَّما ازدادت الشدّة كلَّما ازداد الانشداد، وهذا بالتأكيد لا يعفينا عن الأخذ بالأسباب الطبيعية، بل إنها إحدى عوامل علاجات السماء.
اقتراحي هو أن يتمّ التركيز على النقاط التالية كما أرى:
النقطة الأولى: محاولة بناء حالة روحية متينة متأصلة في النفس تبقى راسخة لما بعد انجلاء الأزمة، ليبقى الصفاء الروحي الذي اكتسبه الإنسان خلال فترة الأزمة مَلَكة راسخة كما يعبّر علماء الأخلاق.
إنِّ الاعتماد في هذا البناء ينبغي أن يكون ضمن الدائرة الدينية المنضبطة والواردة في الشرع الحنيف، وإلّا فالابتعاد عن نسبة أيّ شيء لم يرد فيه.
النقطة الثانية: الاهتمام بنتظيم البرامج الروحية ضمن جدول معيّن، فانشداد الإنسان حال الأزمة عادة ما يكون انفعاليًا ربما يشكّل له ردّة فعل تجعل من روحه نافرة من هذه البرامج والعودة إليها.
النقطة الثالثة: الاهتمام بالوارد من العبادات وبرامج التنمية الروحية، وأذكّر بأهمها: (قراءة القرآن الكريم) فهو حبل الخطاب الإلهي إلينا، (الدعاء والمناجاة) وهما سبيل خطابنا مع الله تعالى حتى بالعفوية والتلقائية التي تفتح الإنسان على الارتباط بالمطلق والانكسار له، (زيارة الأولياء) خصوصًا نبينا الأعظم وأهل بيته الطاهرين، (الصدقة) للكشف عن كُربات الفقراء والمحتاجين، (ذكر الله تعالى) بأسمائه وصفاته والوارد كالصلاة على رسول الله وآله وتسبيح سيدتنا الزهراء (عليها السلام)، (صلة الرحم) ولو عبر وسائل التواصل، (تفقّد أحوال الأصدقاء والإخوان)، وغيرها الكثير.
ثانيًا: التربية الثقافية والفكرية
للأسف الشديد أنَّ الاهتمام بالجانب الثقافي بات أمر مقلقًا في مجتمعاتنا بحسب الإحصاءات التي تُنشر هنا وهناك، لعدّة عوامل لا نتعرّض لها.
ولا أُبالغ إن قلتُ: إنَّ كل واحد منا يحتاج إلى تنمية ثقافته بالمئات من الموضوعات التي تلعب دورها في صياغة شخصيته، إما توسعةً أو تأسيسًا أو تقويةً أو دعمًا إلخ.. لقد صار الوقت في زمن الكورونا مؤاتيًا لنعطي هذا الجانب بعض حقّه، برصد ما يحتاجه كل واحد منا وتدوين برنامجه الخاص، لينفتح على الإنترنت والبدء بهذه البرامج من خلال قراءة الكتب والمقالات والاستماع إلى المحاضرات والندوات ومشاهدة البرامج الوثائقية الثرية إلخ، ولننوّع في كل ذلك بين الميادين الثقافية المختلفة، لنحوّل زمن الكورونا إلى فرصة للانطلاق الفكري.
ثالثًا: الجانب الأسري
لنُعطي في هذه الفترة من تقليص العلاقات الاجتماعية أُسرنا وعوائلنا وقتًا إضافيًا؛ لنزداد قربًا من بعضنا البعض، لنقضي الوقت في الحديث المفيد والمزاح ومعالجة بعض الإشكاليات التي ربما قد طرأت في الأوقات السابقة، ليزد البرّ والاهتمام بالوالدين والزوج والزوجة والأبناء والإخوة والأخوات، فنجتمع مثلًا على مشاهدة المفيد والحوار الجاد الهادئ وتطقّس الأحوال وغير ذلك مما يزيد من الارتباط.
رابعًا: وسائل التواصل الاجتماعي
لهذه الوسائل دورها الفعَّال في النشر والإذاعة، وهذا أمر إيجابي إن تمّ استثماره في الصحيح، ولكن ما وصلنا إليه من متابعة الجزئيات والتَّفاصيل في كل شيء المهم وغيره والضروري وسواه، فهذا بالتأكيد سيتحوّل على أقل تقدير إلى أمر سلبيّ.
إخواني وأخواتي!
أنا على يقين أننا لا نحتاج في مسيرنا اليومي إلى التعرّف على تفاصيل كل شيء وعن كل شيء، فهذا محرقة للوقت وإتلاف للأعصاب وهدر للجهد.
في زمن الكورونا نحتاج إلى الطمئنينة أكثر من التوتر، وطبيعة التفاصيل والجزئيات تقود إلى التوتر عند الغالب من الناس.
لنكن متوازنين في المتابعات، فلا داعي لنقضي الطويل من الوقت أمام هذه الوسائل، ومتابعة التفاصيل الخالية من المصادر، ولو كانت من مصادر معتبرة فهي لا تهم القارئ العادي وإنما هي للمتخصصين يفهمون سياقاتها ومواضعها.
لنحوّل هذه الوسائل إلى قنوات تساهم في بثّ الهدوء في نفوسنا وفيمن حولنا، ولنبتعد عن نشر كل ما يصلنا إلى الآخرين.
أخيرًا..
هذه خواطر بسيطة أبعثها إلى الإخوة والأخوات.. ونبتهل جميعاًا إلى الله تعالى أن يكشف السوء والمكروه على جميع الصالحين وخصوصًا بلاد المسلمين عاجلًا، وأن يشافي جميع المرضى وأن يرزقنا الصبر على هذا البلاء.