كورونا وحماة العقيدة
فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من سلالة كورونا، تم التعرف عليه لأول مرة في عدد من المصابين بأعراض الالتهاب الرئوي في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في الصين، ثم أخذ بالانتشار في مختلف أنحاء العالم بحيث أصبحت المجتمعات البشرية تعيش حالة المواجهة مع هذا الضيف الثقيل الذي يشكل خطراً على أمنها الاقتصادي والاجتماعي.
ومجتمعاتنا الإسلامية ليست منفصلة عن بقية المجتمعات الأخرى، لذا قامت بخطوات احترازية كثيرة وكان منها إغلاق المساجد ودور العبادة، فقامت المملكة العربية السعودية بتقليص فترات التواجد في الحرمين الشريفين وتكرار عملية التعقيم بشكل مستمر مع إغلاق كافة مساجد المملكة ودور العبادة ومنع التجمعات الدينية والاجتماعية والثقافية.
وكذلك الحال في بقية بلدان الدول الإسلامية فقد تم إغلاق مشاهد أهل البيت عليهم السلام في مدينتي مشهد وقم وهناك دعوات لإغلاق المشاهد الشريفة في العراق كاجراء احترازي لمنع انتشار هذا الفيروس الجديد.
هذه الاجراءات جعلت البعض ممن يرى أنه من حماة العقيدة بالاعتراض عليها بحجة أن المشاهد الشريفة طاهرة ومطهرة وقد استشهد البعض منهم بالمقطع الوارد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: …أشهَدُ أنَّكَ طُهرٌ طاهِرٌ مُطَهَّر مِن طُهرٍ طاهِرٍ مُطَهَّر طَهُرتَ وَطَهُرَت بِكَ البِلاد وَطَهُرَت أرضٌ أنتَ بِها وَطَهُرَ حَرَمُك… .
وتطور هذا الاعتراض عبر نشر المقاطع وكتابة القصائد ومحاولة اقتحام المراقد والتعدي على مقام المرجعيات مما شكل مادة دسمة للوسائل الاعلامية الطائفية والفتنوية.
وقد خفي على هؤلاء بأن هذه الاجراءات قد اتخذت بعد موافقة كبار المراجع ممن افنوا عمرهم في علوم أهل البيت عليهم السلام قراءة وتدقيقاً وفهماً وتمحيصاً.
هذه الفئة ممن يرون أنفسهم يفهمون العقيدة ومقامات أهل البيت عليهم السلام -أكثر من المراجع أصحاب التخصص- تجدهم في كل زمان ومكان، وقد ابتلى بهم امير المؤمنين عليه السلام في عصره وسببوا له الكثير من المشاكل نظراً لفهمهم القشري للدين والعقيدة.
من هنا نقول لحماة العقيدة في عصرنا الحاضر، بأنه لا يوجد تلازم بين إغلاق الحرمين الشريفين والمشاهد الشريفة وتعقيمها والالتزام بوسائل السلامة وبين الايمان بالله وبمقامات وكرامات أهل البيت عليهم السلام، فكم من طائف حول الكعبة الشريفة لم يستجب له وكم من متوسل عند أضرحة أهل البيت عليهم السلام لا تقضى حاجته.
إن الرحمة الإلهية والكرامة الربانية لاهل البيت عليهم السلام لكي تتحقق لابد من وجود أمرين:
الأول: تمامية فاعلية الفاعل. إذ الفاعل – معطي الوجود – لو لم يكن تام الفاعلية لا يستطيع أن يحقق المطلوب، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن للإنسان الجاهل ان يحل معادلة كميائية.
الثاني: تمامية قابليهَ القابل، فربما يكون الفاعل تام الفاعلية إلا أن القابل غير مؤهل لتلقي الفيض من الفاعل، فالفيزيائي المتمكن قد لا يستطيع أن يُفهم الانسان الجاهل قانون الاستطراق، لا لقلة مخزونه العلمي، إنما لضعف استعداد هذا الانسان الجاهل.
إن الرحمة الإلهية للّه سبحانة تام الفاعلية، إذ لا عجز ولا بخل ولا شح في ساحة لطفه، ولهذا فإن قدر الرحمة المفاضة مرتهن بقابلية القابل، فكلما زدنا من القابلية في ذواتنا زادت الرحمة الإلهية المفاضة علينا، يقول سبحانه وتعالى﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾١.
وكذلك الكرامة الربانية التي أفاضها سبحانه وتعالى على أهل البيت عليهم السلام، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال في قوله تعالى: ﴿وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء﴾٢، قال عليه السلام: المختص بالرحمة نبي الله ووصيه صلوات الله عليهما، إن الله خلق مائة رحمة. تسعة وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام وعترتهما، ورحمة واحدة مبسوطة على سائر الموجودين٣.
إن كل موجود يحتاج إلى علة، والعلة تتشكل من عنصرين:
الأول: المقتضي، وهو مبدأ الفيض وما منه الأثر.
الثاني: الشرط، وهو ما يتوقف عليه فعلية الأثر.
فكل موجود يحتاج إلى مقتضي يفيض الأثر، ويحتاج إلى شرط يساعد المقتضي على إصدار أثره وبالتالي تتحقق فعلية الأثر.
وقد قسم علماء الفلسفة الشرط إلى قسمين:
الاول: شرط مصحح لفاعلية الفاعل.
الثاني: شرط متمم لقابلية القابل.
فتارة يكون المقتضي الذي منه الأثر قاصراً لا يمكنه وحده أن يؤثر، فيحتاج إلى شرط، فهنا يكون الشرط مصححاً لفاعلية الفاعل، فلولا هذا الشرط لكان المقتضي وحده قاصراً فمثلاً الإنسان طاقة فياضة، يصدر فكر، ويصدر كلام، ويصدر كتابة، ويصدر حركة….، لكن هذه الطاقة قاصرة لا يمكنها أن تؤثر إلا بوجود الشرط فمثلا لا يمكن إيجاد الكتابة إلا مع ضميمة الاداة وهي القلم والورقة، هذه الاداة هي الشرط المصحح لفاعلية الفاعل، فلولا وجود هذه الاداة لما استطاع الإنسان وحده أن يكتب.
وتارةً أخرى يكون الشرط مجرد متمم لقابلية القابل وليس مصححاً لفاعلية الفاعل، وذلك إذا كان الفاعل مستغني عن الشرط، وإنما المعلول هو المحتاج إلى الشرط، فمثلاً عندما يتم البث الفضائي فهو لا يحتاج إلى الصحن اللاقط لكي يرتبط بجهاز الاستقبال، فالبث الفضائي طاقة فياضة غنية مبثوثة في هذا الكون كسائر الطاقات الأخرى، والذي يحتاج إلى الصحن اللاقط هو جهاز الاستقبال حتى يعرض ذلك البث، فهنا يكون الشرط لا يخدم الفاعل بشيء، ولكن يخدم القابل، وسوف يكون الشرط متمماً لقابلية القابل، وليس مصححاً لفاعلية الفاعل.
من هنا نفهم لماذا استعمل الله سبحانه وتعالى الملائكة لإنزال المطر، و لإدارة شؤون السموات والأرض، لأن الكون محتاج في إدارته إلى وجود الملائكة، لذلك تبارك وتعالى خلق الملائكة كوسائط للفيض والعطاء، لا لأنه محتاج إليهم بل لأن المعلول وهو الكون محتاج إليهم.
من هنا أيضًا ندرك وساطة النبي الأكرم وأهل بيته الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، فالنبي الاكرم وآل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام وسائط في الفيض كما أن الملائكة وسائط في الفيض، لا بمعنى أن الله سبحانه وتعالى محتاج إلى ذلك كي يكون هذا ذلك شرطاً مصححاً لفاعلية الفاعل، بل بمعنى أن الكون نفسه هو لايقبل نور الوجود إلا بضميمة هذه الوسائط.
لهذا نقرأ في الزيارة الجامعة: … بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ اِلاّ بِاِذْنِهِ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ… ٤.
إذن إغلاق المشاهد الشريفة لا لقصور في واسطة الفيض الرباني لصاحب القبر وإنما لقصور فيمن يؤم هذا القبر فلا شك بأنه ببركة المعصوم ومقامه عند الله سبحانه وتعالى تُقضى الحاجات ويُشفى المرضى ويُكشف الضر، لكن هل نمتلك القابلية لهذا الفيض الرباني.
نحن بحاجة إلى الرجوع إلى ذواتنا وترميم ما يمكن ترميمه وإصلاح ما يمكن إصلاحه حتى نكون مؤهلين لتلقي الفيض الرباني بإلتصاقنا بأضرحة المعصومين لا ان نبقى على حالنا وندعي اننا حماة العقيدة.
(١) سورة الاعراف: ٥٦.
(٢) سورة البقرة: ١٠٥.
(٣) بحار الأنوار: ٢٤ : ٦١ – ٦٢ ح ٤٤.
(٤) مفاتيح الجنان: ٦٥٥.