من وين أجيب لكم فلوس؟
إن المنعطف الحقيقي في تاريخ الإسلام هو يوم المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار، الذي شكل تغيير في طبيعة العلاقة بين الأفراد، حيث الانتماء القبلي المتأصل، لتصبح رابطة الدين هي الأقوى، و العجيب أن أحد البنود في ذلك الحين هي حق الميراث، حيث يرث المهاجر الأنصاري إذا مات أو العكس، و لكن الأعجب من هذا هو تقاسم الأنصار بيوتهم وتجارتهم مع المهاجرين في مجتمع كان فقيراً و لم يكن غنياً كما يظن الكثير، ولكنه كان مجتمعاً غني النفس.
هذه الحادثة العظيمة رسمت شكل الدين، بل كانت ترسم معنى الإنسانية الحقيقة في قلوب هذه الثلة العظيمة، فكانت المكافأة على قدر العطاء، حيث وزع النبي صلى الله عليه و آله بعد معركة حنين الغنائم على جميع المسلمين، ومنهم المؤلفة قلوبهم، وحديثي العهد بالإسلام، و لما شعر الأنصار بالغبن حينها، ولاسيمت أن هناك من حاول أن يوقع الفتنة،
ويشكك في نية النبي (ص) بطريقة توزيع الغنائم، وإعطائهم شيئاً قليلاً، فقال لهم ضمن حديث طويل:
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في رحالكم؟
فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار .
كانت عودة النبي(ص) أكثر من أي عطاء، فالأنصار وأحفاد الأنصار إلى هذا اليوم بسبب وجود النبي حياً في ذاك الزمان وميتاً بعد ذلك،
ووجود قبره الشريف أصبحت المدينة مزدهرة بالتجارة والخير والبركة.
و من هذا المنطلق الإنساني الأصيل فإن هذه الأيام سوف تنزل رواتب الموظفين في حساباتهم حتى مع جلستهم الاضطرارية في المنزل، دون أن تؤثر على حياتهم ومتطلباتهم الاقتصادية، بل ربما يكون هذا الشهر فيه فائض مالي كبير بسبب قلة المصروفات نوعاً ما، إذا لم تتأثر فاتورة الكهرباء سلباً،
وهذه الوفرة المالية
حتى لو لم تكن كذلك يجب أن تغطي الجانب الآخر من المجتمع، وهذا أبسط حق من حقوق الأخوة.
هناك مجموعة كبيرة من الأسر في مجتمعنا سوف يكون الوضع لديها متأزماً، ولاسيما أن الوضع الحالي هو شراء كمية من الأغذية لتقليل الخروج من المنزل، الذي فيه حفظ للأسرة والمجتمع أيضاً، وربما يقع رب الأسرة تحت ضغط أهله و احتياجهم الطبيعي، والخوف من عدم وجود غذاء أو دواء، إضافة إلى أن شهر رمضان قد أصبح على الأبواب، و علينا تخيل السيناريو الذي يدور في هذه الأسر التي كان وضعها المادي مستقراً، حيث يردد الأب “من وين أجيب لكم فلوس؟”
المرحلة حساسة تحتاج إلى تضامن اجتماعي كبير، و لكي نعالج هذا الملف بطريقة تحفظ ماء وجه الكثير من الناس
دون أن يعتبروها عطية أو تفضّلاً، أو حتى ربما يعتبرها البعض كأنها صدقة فيرفضها، فأنا أقترح إنشاء صندوق تكافل عام من قبل كل جمعية خيرية تستهدف المستفيدين منها في نطاق خدماتها، و يقوم هذا الصندوق بتقديم قرض حسن طويل الأجل متى استطاع الشخص تسديده دون أي متابعة، ومن لا يستطع التسديد فهو مُعفى دون تحميله عبء ذلك.
الفكرة من الصندوق من الممكن أن تستمر على المدى البعيد أيضاً، بحيث يتم تقييم القرض حسب عدد أفراد الأسرة، وتخصيص مبلغ معين لكل فرد، ولتسديد جزء من الفواتير المستعجلة،
ولن يكون هذا بالأمر السهل، إضافة إلى إمكانية تعاون الجمعيات مع مراكز التموين وإصدار بطاقات تموين حسب الممكن.
الهدف حالياً يتمثل في سد الاحتياجات التي على رأسها الغذاء والدواء.
لا شك أن في مجتمعنا الكثير من الأفكار، وعلى كل شخص أيضاً تَفَقُّد من حوله، فالأخ يساعد أخيه، وابن عمه، وجاره دون حاجة الذهاب إلى الجمعيات الخيرية، وهو أمر يفترض القيام به بشكل طبيعي ونحن أمام فترة تاريخية حرجة.