أبدله من بعد خوفه أمنا 1 (للشيخ عبد المحسن النمر)
علي عبدالله
إن ليالي العبادات ليست ليالي لآداء الطقوس فقط كما نسميها، ففي ليلة القدر مثلا توجد أعمال كثيرة، وإن كان الأساس فيها أداء الأعمال، ولكن شتان بين أن نؤدي هذه الأعمال بمعرفة وبتفكر وبإدراك، وبين أن نؤديها بصورة ساذجة وبمتابعات شكلية دون أن نعي أبعادها.
من هو مولانا صاحب العصر والزمان الذي ببركاته تحل بركات ليلة النصف من شعبان؟ بل بركات العام، بل بركات العمر، بل بركات أصل وجودنا؟
من هو إمامنا لا بمعنى تشخيصه كفرد من بين سائر الأفراد بل بمعنى حقيقة أو لنفتح أبواب التعرف هذه الرابطة التي يحملها الإمام عليه السلام حتى نستعد لربط هذه العلاقة ولإحياءها بحيث أننا إذا فهمنا علاقة الإمام بنا، فهمنا الذي يربطنا به عليه السلام.
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
حينما نقرأ الدعاء الذي يربطنا بالإمام عليه السلام نجد كيف أن هذا المعنى الذي يعرفنا على طبيعة العلاقة بالامام عليه السلام يحتاج منا إلى تفحص وتدبر، نحن نقرأ في الدعاء (اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر وحفه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم اجعله الداعِ إلى كتابك والقائم بدينك اسختلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله مكن له دينه الذي ارتضيت له، أبدله من بعد خوفه أمنا) هذه العبارات تشير إلى معنى الأمل، وما هي الحركة التي نتحرك من أجلها، ولكن لدينا أمر مهم جدا يجب أن نتوقف عنده، وهو هذه العبارة (مكن له دينه الذي ارتضيته له أبدله من بعد خوفه أمنا)
الإمام عليه السلام يعيش حالة الغيبة والابتعاد والانزواء،وهي أشبه بحالة من حالات تجنب المواجهة الظاهرية مع أعداءه المتربصين به، ونطرح هنا سؤال مهم وهو: أبدله من بعد خوفه أمنا، هل الإمام عليه السلام يخاف؟ هل المعصوم يخاف؟
ما معنى خوف الإمام عليه السلام؟ مما يخاف؟ على ماذا يخاف؟
(أبدله من بعد خوفه أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا) العبارة الثانية هي التي توضح لنا معنى العبارة الأولى (أبدله من بعد خوفه أمنا) لأجل ماذا وماهو هذا الخوف؟
ما هي نتيجة ارتفاع الخوف؟
لماذا نسأل الله أن يرفع عن الإمام عليه السلام الخوف؟ ولماذا يخاف الإمام عليه السلام؟ وإذا ارتفع هذا الخوف ماذا يتحقق، وما الذي يخشى عليه الإمام عليه السلام.
(يعبدك لا يشرك بك شيئا) أول نقطة نتوقف عندها في بحثنا هذا: على ماذا يخاف الإمام عليه السلام؟ لنضرب على ذلك مثال الراعي لعائلته وأبنائه ويريد أن يقطع بهم مفازة من الأرض، تارة تكون خشيته وخوفه وعنايته وقلقه على نفسه من أن يتيه وأن يتعرض للسباع في هذه الأرض، هذا خوف على الذات والنفس وهو يريد أن يتخلص من هذا الخوف لكي يحصل على مقر آمن ومحل يأمن فيه، هذا خوف مبدؤه ومنشؤه الخوف على الذات وخشيته وحرصه أن يصل إلى مقر آمن يستقر فيه، هل المعصوم عليه السلام كذلك؟
هل هذا هو منشأ خوف المعصوم فيخاف على حياته، ويخاف أن يقتل؟
إن هذه النظرة نظرة بسيطة وساذجة حتى وإن كان فيها جزء من الحقيقة، ولكنها لا تعبر عن أصل الحقيقة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : (اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان عزب رأي امريء تخلف عني، أنا على الحق وعلى اليقين) أنا أكشف لكم اليوم أبعاد أمور حقيقية تنطق حتى تتضح للجماد ولمن لا يمتلك المستوى العقلي، (ما شككت في الحق مذ أريته) منذ آمنت بالله وآمنت برسول لله صلى الله عليه وآله، لا شك عندي ولا ريب بأدنى درجة من درجات الشك وعدم الوضوح (لم يوجس موسى عليه السلام خيفته على نفسه) موسى عليه السلام مرت به مراحل من الخوف مراحل لكن كيف كان هذا الخوف، وماهو منشأ هذا الخوف، وعلى من كان يخاف موسى عليه السلام، حينما نتلفت إلى المورد الذي ورد في القرآن الكريم الذي يبين حالة الخوف الذي مر على موسى عليه السلام نستذكر الآية القرآنية حينما قال الله عز وجل يصف المواجهة بين موسى والسحرة قال (قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ) هذه الوسائل الزائفة والكذب والتزوير والسحر الذي كان يمتلكونه، كانوا يستطيعون أن يجعلوا الناظر يعتقد أن هذا الباطل الذي بين أيديهم حق، وهذا الزيف الذي عندهم صدق، وهذه العصي التي يرمون بها يحولون في أنظار الناس حيات تسعى كيف؟
ما هو الخوف الذي أصاب موسى عليه السلام في هذه الحالة؟
نكمل الآية القرآنية (قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى) كان هذا هو المدد الرباني الذي أنزله الله على قلب موسى عليه السلام، ولكن ما يهمنا هنا وما يمس بحثنا في هذا الكلام أن موسى عليه السلام كان خائفا على ماذا؟
كان موسى عليه السلام يقلق على من؟
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: لم يوجس موسى عليه السلام خيفة على نفسه بل أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال.
موسى عليه السلام أدرك بأن هذا الزيف الذي يمارسونه يغشي عيون الجهلة والسذج ويتملك عليهم مشاعرهم، فكان هذا هو منشأ خوف موسى والخوف على بني إسرائيل وعلى المؤمنين وعلى من لديه رغبة في الوصول إلى الحق أن يقع هذا الزيف عائقا وحجابا أمام المسيرة التي كُلف بها موسى وكُلف بها الانبياء وكُلف بها المصطفى صلى الله عليه وآله، وكُلف بها سيدنا ومولانا الحجة ابن الحسن وهي إخراج الناس من الظلام إلى النور.
هل نستذكر ذلك الرجل الذي كان معه عياله ليقطع بهم المفازة هو يعرف الطريق وليس خائف على نفسه أن يضل الطريق، لكنه يخشى على هؤلاء الأطفال وعلى غير القادرين الذين لا يمتلكون مثل هذا أن يضلهم وأن يعمي عيونهم ويغشي أبصارهم، هذا الزيف والكذب هو الخوف الذي كان يعانيه موسى عليه السلام الذي يتحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الخوف الذي يعيشه مولانا صاحب الزمان عليه السلام، هو الخوف من أن يهيمن الجهل والفساد والجور والظلم والاستسلام والرضوخ على البشرية وعلى الناس.
الإمام عليه السلام يعيش يوما بعد يوم ولحظة بعد لحظة، ما تمر به البشرية وخلق الله وعيال الله وأحباب الله عز وجل من هذه البلاءات بأنواعها ومن هذه الضلالات بأشكالها ومن هذه الفتن ومن هذه الأمور الزائفة التي يزيف بها على عقول الناس هذا هو مركز القلق الذي عند مولانا عليه السلام، وهو الخوف الذي يدفع الإمام عليه السلام لكي ينتظر توافر أسباب خروج الإمام عليه السلام، ولو كان دوره في هذا العالم هو أن يمارس العبادة بنفسه لكان هذا الأمر قد تحقق، الإمام عليه السلام لا يُخشى عليه.
ألم نسمع كلام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته حينما يتحدث عن نفسه يقول: (ما شككت في الحق مذ أريته) الإمام عليه السلام مرفوع عنه كل حجب العبادة لله عز وجل، وإنما يريد أن يأخذ بأيدي البشرية لتكون معه، ويخشى على الصالحين من يمتلكون أصالة الايمان أن تغريهم هذه الزوائف والأمور الكاذبة، ومغريات إبليس، ووساوس الشياطين، وكذب الكذابين وزيف المزيفين، وأن يضلّ الناس عن بلوغ هذه المرحلة، ما هذه المرحلة؟ (أبدله من بعد خوفه أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا) الإمام عليه السلام يريد أن يأخذ بأيدي البشرية إلى تحقق العبادة الكاملة، والعبارة الواردة في الدعاء (يعبدك لا يشرك بك شيئا)، ولكن علينا أن نفهم كيف يقوم الإمام عليه السلام بعبادة الله عز وجل؟
هل نتصور أن الإمام يعبد الله ولا يشرك به شيئا أن يؤدي الصلاة؟ فلنعلم أن الإمام عليه السلام حينما يتحدث الدعاء عن عبادته لله عز وجل هو يتحدث عن رفع الإمام عليه السلام كل أشكال الأفكار الزائفة التي منعت الوجود والخلق والعالم عن أن يدركوا عظمة الله عز وجل.
ولمزيد من التوضيح في هذا الأمر نقرأ الآيات القرآنية التي تحدثت عن موسى عليه السلام يقول (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) موسى عليه السلام يريد أن يعطيه الله هذه قوة اللسان الفصيح والمكنة والقدرة ووزيرا مثل نبي الله هارون فيكون معه درءاً له ومعينا، يريد هذه القدرات كي يسبح الله كثيرا، بمعنى أن موسى لم يتمكن من تسبيح الله مع وجود فرعون، فموسى لا يغيب عنه ذكر الله ولا تسبيح الله، ولكن تسبيح الأنبياء والأولياء هو ليس شأنا خاصا به، فلا يتفرد الإمام عليه السلام بحمل هم نفسه وواقعه حتى نقول إنه لا يفقد هذا التسبيح بل يرى عليه السلام أن تسبيحه لله عز وجل وتسبيح الأنبياء هو تحطيهم للأفكار الزائفة التي تشكل عبئأ فكريا على البشرية والناس من معرفة الله عز وجل، موسى عليه السلام يريد أن يري الناس عظمة الله وجلاله فيكون مسبحا، فالأنبياء يسبحون الله عز وجل بمعنى أنهم يرفعونه كل شبهة تعلق في ذهن الإنسان وتمنعه عن المعرفة الحقيقية لعظمة الله عز وجل، وعن الأفكار الخاطئة والمنحرفة التي أودت إلى الشرك بالله عز وجل.
الإمام الحجة عجل الله فرجه هو الذي ستتحطم على يديه وتتفتت كل أشكال الحجب التي تمنع الإنسان من التسبيح الحقيقي لله عز وجل، وتزول زوالا ختاميا نهائيا، وما أراده موسى عليه السلام وقبله نوح وإبراهيم ولوط وهود وصالح وجميع الأنبياء، وما أراده الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام وعيسى وخاتم الأنبياء رسول الله سوف يتحقق على يدي سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان الذي سيرفع الله به كل أشكال هذا الزيف، وكل أشكال هذا الخداع، العقائدي, والخداع الفكري، والخلل الفقهي، والخلل السلوكي، والخلل الذي يُشَكِّل بمجموعِهِ ركامات من الموانع، ومن الحجب عن معرفة الله عز وجل، وعلى يديه سيتحقق هذا الأمن، وهي عبادة الله بلا شرك فتنتفي أصول الإشراك، أي قوة في هذه الوجود مع الله عز وجل، وأي عظمة في هذا الوجود مع الله عز وجل كلها سوف تنهار على يد مولانا صاحب العصر والزمان وسوف نكتشف ونرى وسترى البشرية بأم عينها أنوار العظمة الالهية والجلال الالهي الذي سوف يتحقق على يدي مولانا صاحب الزمان.