أزمة كورونا ومهوسو الشهرة
جواد المعراج
تمر مختلف المجتمعات البشرية بالعديد من الأزمات سواء كانت ثقافية، أو دينية، أو صحية، أو اجتماعية، وحول اختلاف أنواع الأزمات هناك فئة من البشر تعمل بكل السبل لدراسة الأزمة عن طريق اللجوء إلى البحث والتحليل والدقة والعلم، وغيرها من عدة طرق ووسائل تساعد على إيجاد الحلول الفعالة لأي أزمة صعبة، من جهة أخرى هناك فئة من الناس تستغل مختلف الأزمات من أجل كسب الشهرة، وتستخدم مختلف الوسائل والطرق المباشرة وغير المباشرة التي تمكنهم من الوصول إلى مواقع اجتماعية متقدمة، والبروز في الواجهة الإعلامية، لتحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية، وطبعا وجود هذه الفئة يُعد خطر يهدد العديد من المجتمعات.
لا شك ولا ريب أن توسع وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى بروز الكثير من الأشخاص المهوسين بالشهرة وحب الظهور، وغالبا ما يتكرر هذا أمامنا، وفي فترة انتشار الوباء تبين أن هناك العديد من الشرائح الاجتماعية تحاول استغلال الإنترنت، وذلك من خلال أستخدام مختلف الوسائل التي تعطي الفرصة للبروز والمشاركة باسم المثقف أو الكاتب التوعوي في مختلف الميادين الإعلامية والاجتماعية والثقافية، وخصوصا أن هؤلاء الأشخاص الذين اسميهم “متسلقو الأزمات” يحاولون بقدر الإمكان السيطرة على الرأي العام واستقطاب المزيد من القواعد الشعبية، من أجل الحصول على الوجاهة والنفوذ، وأيضا بغرض تحقيق بعض المكاسب النفسية والمعنوية، وربما المادية.
ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرتها على منح الشهرة للعديد من الناس الذين لا يملكون ذرة من الإبداع والخبرة والموهبة، فهم يريدون الحصول على المديح والإطراء الدائم من قبل المتلقي أو محاولة إخفاء بعض عيوبهم بسبب شعورهم بالنقص تجاه بعض الشرائح الواعية والمثقفة والمبدعة، ونرى البعض منهم يدعي امتلاك صفات ومهارات شخصية وقدرات عقلية لا يمكن للعقل البشري أن يحصيها.
بالإضافة إلى ذلك أصبح بعض أصحاب الشهرة الزائفة يخترعون أعداء غير حقيقيين، ومعارك وبطولات وهمية يدسونها بكثافة في مقالاتهم، إن هؤلاء وضعوا تصورات وهمية في عقولهم جعلتهم يفقدون القدرة على التفريق بين المشاكل والقضايا الهامشية، والمهمة في المجتمع، ويرجع هذا الأمر بسبب الانانية والعظمة والمثالية المفرطة، والبعد عن أستخدام أساليب التفكير المعتدلة والمتوازنة.
ونلاحظ في الآونة الأخيرة أن مجالات الشهرة والأفكار والمقالات تكررت بكثرة، ولا نرى أي موضوع جديد يخاطب عقل القارئ والهموم والمشاكل الخاصة به، وأن كل هذه المواضيع المتكررة تُعد مجرد غثاء وثرثرات يمارسها مهوسو الشهرة، وذلك عن طريق رصد معلومات تبسيطية وقريبة للتهريج، أي ليست قائمة على العلم والتحليل والدراسة الدقيقة، وإنها أيضا لا تساهم في صناعة الوعي في المجتمع أو منح الروح المعنوية العالية للأفراد، والشعور بالمسؤولية الكاملة تجاه الأزمة الحالية التي تواجه أفراد المجتمع والبلد.
وللتخلص من عادة الشهرة التي لها تأثير سلبي على شخصية الفرد وسلوكه وطريقة تفكيره، يؤكد علماء النفس والبحوث العلمية أن صاحبها يحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي وروحي، والتدريب والتطوير الذاتي الذي له دور في ضبط النفس بشكل تدريجي، وذلك حتى يجعله هذا الأمر يتقبل رأي الأطراف الأخرى وأطروحاتهم وأفكارهم وحلولهم ونقدهم، دون الشعور بالقهر والضيق في النفس، ولا شك ولا ريب أن للعبادات دور كبير في تحسين السلوك والنفسية والتفكير، كما أن الرجوع للقيم الدينية والاجتماعية لها دور في إعادة بناء الذات الإنسانية.
ومن الممكن أن تتحسن الحالة النفسية والسلوكية لدى أصحاب هذه العادة المذمومة عند التقدم في العمر، ولكن هناك شخصيات يصل بهم الأمر إلى إيذاء الآخرين، وأيضا لديهم صفة حب الظهور والعظمة والمثالية والانانية المفرطة التي تجعلهم يرفضون آراء وأفكار وحلول الأطراف الأخرى، فهم لا يسمحون للآخرين بالتميز والتألق والبروز في المجتمع، لأنهم يخافون على فقدان لمعان وبريق شهرتهم الزائفة.
إن على الساعين خلف الشهرة أن يعلموا أنها مرض فتاك قبل فوات الأوان، وإنها تخترق ضعاف النفوس، وتسيطر عليهم، ولا يمكن التغلب على هذا المرض إلا بتقوية الشخصية والإرادة، والثقة بالإمكانات والقدرات بشكل عام، والاستفادة من أناس مروا بتجارب مع هذا الثقل الأسود، والقاتل للذات.