أقلام

مدّعو المهدوية (الأسباب والدواعي)

السيد واصل الحسن

قال الله عزوجل (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وروى شيخنا الصدوق -أعلى الله مقامه الشريف- في كتابه (اكمال الدين وتمام النعمة) عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (فَإِذَا خَرَجَ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ هَذِهِ الْآيَةُ (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏)([1]) ثُمَّ يَقُولُ أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ‏ فِي أَرْضِهِ وَ خَلِيفَتُهُ وَ حُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسَلِّمٌ إِلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ‏ فِي أَرْضِه‏).
القضية المهدوية في الدين الإسلامي, أو قضية المخلِّص في بقية الأديان والثقافات هي قضية حساسة, بمعنى أنها حق ولها أدلتها القوية والمتينة, وتفاصيلها الصحيحة التي نصت عليها روايات أهل بيت العصمة, ولو تم تفعيلها بالطريقة الصحيحة المطلوبة بأن يلجأ العالم إلى التهيؤ لذلك الخروج المبارك بتكوين الكوادر الإيمانية المنتظرة انتظاراً إيجابياً لما تأخر اليُمْن عنا بالظهور المبارك, إلا أن الأمر اتجه عند بعضهم اتجاهاً خطيراً, حيث عمد إلى استغلال هذه القضية المباركة لمآرب أخرى سلبية, فصار يتجر بها ويحاول تطبيق شخصية المهدي على فلان أو فلان أو تطبيق السفارة بين الناس والمهدي على أشخاص هم بعيدون تمام البعد عن النهج المهدوي تماماً, وهذا الاستغلال السيء للقضية المهدوية هو تماماً كما استغل اسم الدين الإسلامي لمآرب فاسدة, وكذلك الأمر بالنسبة لاستغلال القرآن الكريم وكلماته العظيمة في مآرب غير نقية فيكون الأمر كما قال أمير المؤمنين علیه السلام لَمَّا رَفَعَ أَهْلُ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ عَلَى الرِّمَاحِ يَدْعُونَ إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ : «عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي أَحَقُّ مَنْ أَجَابَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ لَكِنَّ مُعَاوِيَةَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ لَيْسُوا بِأَصْحَابِ دِينٍ وَ لَا قُرْآنٍ إِنِّي أَعْرَفُ بِهِمْ مِنْكُمْ صَحِبْتُهُمْ أَطْفَالًا وَ صَحِبْتُهُمْ رِجَالًا فَكَانُوا شَرَّ أَطْفَالٍ وَ شَرَّ رِجَالٍ‏ إِنَّهَا كَلِمَةُ حَقٍ‏ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ. إِنَّهُمْ وَ اللَّهِ مَا رَفَعُوهَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا وَ يَعْمَلُونَ بِهَا وَ لَكِنَّهَا الْخَدِيعَةُ وَ الْوَهْنُ وَ الْمَكِيدَةُ أَعِيرُونِي سَوَاعِدَكُمْ وَ جَمَاجِمَكُمْ سَاعَةٍ وَاحِدَةً فَقَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ وَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقْطَعَ دَابِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا».
نشأت على طول التاريخ شخصيات أدعي لها أو هي ادعت زوراً المهدوية وأنها هي تلك الشخصية التي أخبر عنها رسول الله محمد صلى الله عليه وآله, فضلوا وأضلوا ولا يسع المقام لاستعراضها؛ لكثرتها من جهة ولتشعب دعاواها من جهة أخرى ولكن نستعرض بعضها سريعاً.
نماذج من التاريخ الإسلامي لمن أدعي لهم أو ادعو المهدوية أو السفارة
1- ادُعِيَ لكلٍ من محمد بن الحنفية وزيد بن علي بن الحسين أنه المهدي وهما شخصيتان جليلتان وأرقى من أن يقبلون بذلك؛ ولكن بعض الأتباع ادعوا ذلك لهما, إلى درجة أن استهزأ أحد شعراء الأمويين (حكم بن عياش) بزيد بن علي بن الحسين في شعره قائلاً
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ     ولم نرَ مهدياً على الجذع يُصلبُ
الغريب أن بعض الزيدية –كما أخبرني واحد منهم –  يرون أن الشخص ينبغي أن يثور وإذا تحقق على يده الانتصارات يعرف أنه المهدي !! ولا أدري هل هذا اعتقائد سائد عندهم أم لا.
2- محمد بن عبدالله المحض من الحسنيين وكذلك محمد المهدي العباسي ابن المنصور الدوانيقي, والمنصور اسمه عبدالله وكلاهما متعاصران وقد بايع المنصور نفسه الأول على أنه المهدي ثم بعد توليه الحكم كذَّبه وقتله وقال إن المهدي هو ولده محمد !
3- مجموعة ممن ادعوا السفارة والبابية في فترة الغيبة الصغرى وأولهم الشريعي وبعد محمد بن نصير النميري وأحمد بن هلال الكرخي وغيرهم ممن ذكرهم الشيخ المجلسي -أعلى الله مقامه-  في البحار ج51 ص366 وما بعدها.
نماذج لمدعي المهدوية أو السفارة من التأريخ المتأخر
1- حركة البابية التي بدأها السيد علي محمد الشيرازي في كربلاء، حيث ادعى البابية أي أنه سفير وباب للإمام الحجة, ثم ادعى المهدوية ثم ادعى الألوهية ! ثم قتل، ومن رحمها خرجت الفرقة (البهائية) التي لها امتدادات إلى الآن في بعض الدول مع أنها حدثت قبل 200 سنة تقريباً.
2- حركة جهيمان العتيبي المعروفة حيث كان بينهم شخص يدعي أنه المهدي المنتظر.
3- حركة بعض المسجونين في سجون البحرين في فترة الثمانينات حيث ادعى أحدهم (عبد الوهاب البصري) أنه سفير الإمام الحجة وأنه يتصل به وبعد خروجهم صار لهم بعض الأتبارع.
3-حركة أحمد بن إسماعيل الکاطع البصري الموجودة إلى الآن حيث بدأ بدعوى أنه ابن الإمام المهدي ثم ادعى أنه هو المهدي, ولها بعض المعتنقين وقناة فضائية ومواقع في الشبكة العنكبوتية.
فما هي الدواعي والأسباب وراء تلكم الدعاوى؟ وكيف نعالجها ونكشف زيفها؟
الدواعي التي يمكن أن تقف وراءها كثيرة ومنها:
1-  السيطرة والتحكم (داع سياسي)
وذلك لأن كل من يريد أن يترأس مجموعة فهو يرغب في أن تكون مخلصة له, ويتحكم فيها كيف يشاء, ولا يكون ذلك إلا بإضفاء عنوان مقدس لقائد تلك المجموعة, فلو غرس في أذهانهم أنه المهدي الذي وعدهم به رسول الله صلى الله عليه وآله, وصدقوه لاكتسب بذلك إخلاصهم له واحترامهم لشخصه, وهذا يمكن أن يفسر به ما كان في أول التاريخ الإسلامي عند المنصور الدوانيقي حيث لقب ابنه محمداً بالمهدي وهو اسمه عبدالله ووضعوا له حديثاً عن النبي أن اسم المهدي كاسمي واسم أبيه كاسم أبي !! بل ووضعوا حديثاً أنه من العباسيين، فتكتمل الخطة ويصبح له الاحترام الخاص, وهذا ما يسعى له أمثال المنصور.
2-   تشويه صورة الشيعة (داع نفسي)
لا شك أن هناك قسماً من الناس لا يروق له أن تكون صورة التشيع ناصعة البياض وقوية, خصوصاً أنها تزاحم مشروعه الذي يريد فيه الهيمنة, فيقوم بادعاء أنه المهدي أو دعم من يدعي ذلك ليشوه صورة المعتقدين بالعقيدة المهدوية, مع أن سيرة هذا المدعي بعيدة كل البعد عن صفات المهدي الواردة على لسان النبي محمد صلى الله عليه آله وأهل بيته عليهم السلام من العلم والتقوى, وهذا يبدو جلياً في حركة البابية والبهائية التي خرجت من مكان مقدس عند الشيعة وهي كربلاء, ومدعيها (سيد) كان يدرس العلم هناك, ولكنه لم يكن ملتزماً بل يستعمل الحشيش ! ولذلك يذكر مؤرخو القضية أن وراءها أيدٍ للسفير الروسي في طهران حينها, وهو من دعم الشخصيات التي شكات البهائية بعد مقتل علي محمد (الباب).
3-  الكسب المالي (داع اقتصادي)
لا يخفى أن هناك مجموعة من الانتهازيين يرغبون في استغلال أي ظرف لكي يجمعوا أموالاً من الناس ولو عن طريق المكر والخديعة واستخدام العناوين البراقة التي ينجذب إليها الناس, وهذا موجود في بعض دعاوى السفارة أو البابية التي حصلت في فترة الغيبة الصغرى كأبي طاهر محمد بن علي بن بلال الذي كان عنده مجموعة من الأموال فأنكر سفارة السفير الثاني لكي لا يسلمه الأموال التي عنده للإمام, وكذلك بعض الدعاوى التي حصلت في البحرين في تلك الفترة حيث يركزون دعوتهم على أصحاب الأموال من النساء ! فإذا حصلوا منهم على الدعم المالي فقد بلغوا غايتهم.
4-    التأويل الخاطئ للروايات (سبب علمي)
بسبب وجود تراث ضخم من الروايات مرتبط بالقضية المهدوية, قد يقوم بعض الناس لجهله بتطبيق بعض ما ورد في الروايات على هذا أو ذاك, بدعوى أن الصفات المذكورة في الروايات هي موجودة فيه, وهذا يتم دون تمحيص للروايات في هذه الأمور الخطيرة والعجيب أنه قبل أن تناقشه في أن هذه الرواية التي تعتمد عليها في دعواك هي رواية ضعيفة, يبادرك بأنه لا نحتاج لعلم الرجال والجرح والتعديل في الروايات فهو علم متأخر وابتكر لضرب الروايات، فيقوم بتطبيق ما ورد في الروايات على هذا وذاك , وهذه جلية في مثل قضية أحمد بن إسماعيل القاطع البصري وجماعته المتأثرين به, فهم كمية من الجهل المتراكم ويريدون اثبات إمامة صاحبهم بأي وسيلة ويضربون الأسس العلمية في أمر خطير جداً وهو شخص الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.

يبقى هنا سؤالان: الأول كيف يؤثر هؤلاء المدعون للمهدوية على الناس؟ وكيف ينبغي أن نتعامل معهم؟
بالنسبة للسؤال الأول فجوابه: تختلف طرقهم في التأثير على الناس البسطاء فيأتون أحيانا:
1- ما يوهم أنه أسلوب علمي رصين, فيقولون –مثلاً- هناك رواية في(كتاب الغيبة) تقول كذا وكذا ونحن نتمسك بالروايات الواردة, ثم يطبقونها على من أرادوا.
2- من جهة الأحلام !! نعم , لا تستغرب من ذلك فيقولون (سترى في المنام أننا على حق وسترى الإمام المهدي يقول أننا على حق)… ومن رآنا فقد رآنا فإن الشيطان لايتمثل بصورنا, أو يقومون بتفسير حلم بطريقة يذعن بها صاحب الحلم ويؤمن بهم (وهذا حصل لبعض البسطاء مع الأسف).
3- يعمدون إلى الاستخارة !! يقولون لك (استخر وسترى أن الخيرة تقول لك أننا على حق) ! ومع هؤلاء الذي يدعونهم سيحصل لبعضهم أن تكون الخيرة جيدة وافعل فيتبعهم بعض الجهلة استناداً إلى الخيرة والحال أن الاستخارة لا تؤسس لحكم شرعي فضلاً عن عقيدة من العقائد.
وعموماً هم يستعملون الأساليب الخادعة, فالشلمغاني لما وصله أن الحسين بن روح وبني بسطام لعنوه بكى بكاءً شديداً ثم قال إن لهذا الأمر باطناً فمعنى قوله لعنه الله أي باعده الله عن العذاب و النار و الآن قد عرفت منزلتي و مرغ خديه‏ !!

وبالنسبة للسؤال الثاني وهو أنه كيف نواجه تلك الدعاوى؟ فالجواب عبر عدة طرق
الأول: الرجوع لمراجع الدين الثقاة المعروفين بالعلم والتقوى, لكشف زيف هذه الدعاوى, وهناك قضية لطيفة مرتبطة بالحسين بن منصور الحلاج حيث ادعى دعاوى عظيمة ثم حاول استمالة الشيخ أبي سهل النوبختي وهو عالم, فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول لك إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل و البراهين, و هو أني رجل أحب الجواري و أصبو إليهن و لي منهن عدة أتخطاهن و الشيب يبعدني عنهن و أحتاج أن أخضبه في كل جمعة و أتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن فصار القرب بعدا و الوصال هجرا و أريد أن تغنيني عن الخضاب و تكفيني مؤنته و تجعل لحيتي سوداء فإنني طوع يديك و صائر إليك و قائل بقولك و داع إلى مذهبك مع ما لي في ذلك من البصيرة و لك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله و جوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته و جهل في الخروج إليه بمذهبه و أمسك عنه و لم يرد إليه جوابا و لم يرسل إليه رسولا و صيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة و ضحكة و يطنز به عند كل أحد و شهر أمره عند الصغير و الكبير و كان هذا الفعل سببا لكشف أمره و تنفير الجماعة عنه.
الثاني: الرجوع للحقائق الإسلامية حول علائم الظهور القطعية (كالصيحة والخسف بالبيداء وخروج السفياني) وأوصاف دولة الإمام المهدي# وحال الإسلام في زمان ظهوره, وأوصاف نفس الإمام المهدي,
هذه الطرق اتخذها الإمام الصادق في رد دعاوى المهدوية في زمانه (مراجعة).
الثالث: قراءة الكتب المعدة لدفع هذه الشبهات وهي متوفرة حالياً في تطبيق مكتبة المهدي (almhdi library) وهي كثيرة ومنها منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي وكتاب أستاذنا السيد ضياء الخباز (المهدوية الخاتمة) أو كتب سماحة الأستاذ السيد منير الخباز سلمه الله الكثيرة حول القضية المهدوية وغير من الكتب النافعة في هذا المجال.
تنبيه: احذروا من كل من يحاول اضعاف مراكز القوة في المذهب كالمرجعية الدينية, وارتباط الناس بأهل البيت علیهم السلام؛ فإن أول ما يضرب هؤلاء المرجعية لأنهم يعلمون أنه مع الرجوع إليها لن تقوم لهم قائمة, وقد يضربون أذرع المرجعية الاقتصادية كالخمس أو الأذرع البشرية كالحوزات العلمية والتجمعات الدينية, بالتشكيك فيها أو تشويهها بما يستطيعون, ومتى ما كان المؤمنون على ارتباط بعلمائهم ومراجعهم لم يستطع أي أحد النفوذ إليهم, وهم يرصدون المنتقص للعلماء ليستعملونه في ترويج أباطيلهم كما أخبرني أحدهم بذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى