أقلام

صمت ما بعد القراءة

يوسف الحسن

هل مررت ذات يوم – ولو في شبابك- بمرحلة وقعت بها في الحب؟ وعندما قابلت محبوبتك ولو مصادفة ثم انتهى اللقاء، جلست بعدها تفكر فيها هائماً بجمال روحها، ممتناً للحظ الذي أوقعك في هذا الحب، مفكراً فيما قد يحصل مستقبلاً متصوراً جميع الأحداث السعيدة القادمة؟ وفجأة يمر الوقت وأنت لا تشعر به؟
هل قمت بزيارة معلم سياحي، وبعد أن تمتعت بهذه الزيارة ابتعدت عنه وأنت تنظر إليه ساهداً ناسياً ما حولك تفكر في جماله أو الجهد الذي بذل في تنفيذه؟
هل حضرت لقاءاً مثيراً مع شخصية استثنائية من نوع ما وبعد انتهاء اللقاء بقيت مدة تفكر فيما جرى خلاله وكم وددت أن يكون أطول مما كان؟
يمر بعض من ينهي قراءة كتاب – وخاصة من يستمتع فعلا به ولا يتعجل في القراءة – يمر بهذه اللحظات بعد قراءة كل كتاب. فإذا حصل وأنهيت قراءة كتاب وحصل لك هذا الشعور الجميل والنادر، فلا تسمح لأحد أن يقطع عليك هذه النشوة الجميلة التي لا تشبهها أية نشوة أخرى، بل خطط لها قبل أن تنهي أي كتاب تحبه ثم اقطع صلاتك مع جميع محيطك الحقيقي والافتراضي وتمتع بهذا الوقت، لأنها ببساطة لحظات الدهشة الجميلة التي تلي كل حدث جميل.
خلال تلكم اللحظات تمر أهم الكلمات والأفكار التي تمت قراءتها في حال كان كتاباً فكرياً أو ثقافياً مع تمعن فيها استحساناً أو نقداً، كما تمر أحداث ووقائع أو شخصيات الكتاب في حال كان رواية، ويتم تخيل أشكال وأحوال الشخصيات ومآلاتهم بعد انتهاء الرواية. ويطلق البعض العنان لأفكاره إلى حد أن يتمنى لو أن أحداث الرواية كانت بشكل آخر وهي ما تسمى (القراءة الفاعلة) وليست (المنفعلة) .. وإن كان القارئ كاتباً فإنه وفي فترة صمت ما بعد القراءة قد يتمنى أن يكون هو نفسه كاتب ذلك الكتاب، وقد يقول: كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة؟ ولماذا لم أكتب كتاباً كهذا؟
يقول دانيال بناك في كتابه متعة القراءة: لأنه من ضروري أن ندع الزمن يقوم بعملية التخمير الرائعة قبل أن يكون باستطاعتنا أن نتكلم عما قرأنا. هذا الصمت هو ضمان حميميتنا، صحيح أننا انتهينا من قراءة الكتاب، ولكننا لا نزال فيه. مجرد ذكره يفتح ملجأ لتمرداتنا. إنه يحمينا من “الخراج الكبير”، ويقدم لنا نقطة مراقبة تعلو بكثير المشاهد العارضة. لقد قرأنا، وها نحن نصمت. إننا نصمت “لأننا” قرأنا.
ويقول في مقطع آخر: وأحيانا يكون التواضع سبب صمتنا، ويفسر التواضع بقوله: الوعي الذاتي، المتوحد، والمؤلم نوعا ما، بأن هذه القراءة، بأن هذا الكاتب “غيّر حياتي”. ويضيف: أو فجأة، هذا الانبهار الآخر الذي يعقد اللسان: كيف يعقل أن ما هزني بعنف لتوه لم يغير مجرى العالم في شيء؟ أيعقل أن يكون قرننا على ما هو عليه بعد كتاب دوستويفسكي (الشياطين)؟ وأخيراً يقول: (ما أكبرها من متعة للقارئ، متعة الصمت بعد القراءة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى