نعم..لا..من الممكن
أمير الصالح
في أحد قمم الأرض الذي عقد بالبرازيل عام ١٩٩٢م وسمي بـ(قمة ريو) نسبة لمدينة ريو دي جانيرو، تعهد المشاركون بحضور رؤساء ١٧٢ دولة تقريباً، باستئصال الفقر من الأرض وتمكين التنمية المستدامة. وكان أحد بنود قمة ريو الشهير ينص على ” القضاء على الفقر وتقليل التفاوت في مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم هي أمر “لا غنى عنه” من أجل التنمية المستدامة”. مضت السنوات وتم عقد مؤتمر ريو +20 لإعادة تاكيد ما تم الاتفاق عليه. ووصلت البشرية لميعاد الاستحقاق، فإذا بكشف الحساب يدل على أن عدد العاطلين عن العمل في ازدياد مستمر، وعبرت منظمات دولية عن تخوفها من تمدد الفقر. وزاد جائحة كورونا الطين بلة فخلط الورق بشكل خارج نطاق المتصور .
تعهد دول وأمم ومجاميع بشرية على تحقيق إنجازات وأهداف معينة قبل عقود، ولكن القليل منهم أوفى بتعهداته وحقق بعض أهدافه وبلغ بعض مراميه، مثل محاربة الأمية أو القضاء على الكوليرا. وهنا نقطة مهمة يمكن أن يراجعها كل فرد مع نفسه
، هي: الالتزام disciplines، فالالتزام نحو أهداف معينة لا يتحقق بالكلمات المعسولة أو الرنانة أو الدافئة، ولكن بالأعمال الصادقة والجهود الحثيثة والمثابرة الجادة.
إذا عرفنا بأن عالم الأخبار يشير إلى مجموعة بشرية بأنهم مسيطرون على قطاع تجارة الذهب العالمية.الله، وأن مجموعة بشرية أخرى لديها لوبيات مسيطرة على تجارة التقنية أو تجارة الماشية أو تجارة القمح، فمن الذكاء تفكيك تجارب التجمعات التجارية في أي بقعة من بقاع العالم واستنساخ الجزئيات التجارية المفيدة التي طورها أولئك من خلال دراسة سلسة الإمداد وزوايا الانتشار في الخدمة، أو نقاط التمييز في الجودة أو السعر، أو المساندة في التطوير أو حسن تطبيق الاستراتيجيات ونقلها إلى المجتمعات الأقل حظاً. إن مثل هذا الفعل قد يساهم إيجابياً في تخطي مستنقع الفقر أو تجنب مخاطر الانغماس فيه. كره الأشخاص الناجحين والمجتمعات الناجحة لا يغير من واقع الشخص/المجتمع الرامق للآخرين بالكره من شي.
ولن يعطي رمي الآخرين بنعوت متدنية تبريراً كافياً ومقنع لنفس الناعت ولأجياله بعدم التقدم لمعترك الحياة، والبحث عن سبل النجاح بكل شرف وأمانة وعنفوان وصمود.
المجتمعات التي يتدفق فيها معدل الفقر وتتزايد أرقام البطالة لكي تنهض من مستنقع الفقر أو النجاة منه، لابد لها من المثابرة في استنطاق تحصيل المال الحلال بدراسة النماذج الناجحة وتفعيل الاستنساخ أو شحذ الهمة في الابتكار. مع شديد الاسف، يُشبع البعض من الناس بفكرة أن المال هو الشيطان أو مربض الشيطان، والواقع أن المال ليس إلا أداة في يد صاحبه، والمال لما اُستخدم له، والمال انعكاس لباطن معدن حامله من بني البشر.
وفي العادة تتجلى حقيقة الإنسان ومعدنه من خلال سلوكياته، ومن خلال مشاهدة طرق صرفه للمال عند وفرته وثراءه.
الحديث الشريف ” المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ” يدحض فكرة الانطواء في التحصيل لأن عناصر القوة تمتد إلى القوة العلمية والمالية والمعرفية والصحية، فضلا عن القوة الجسدية. خلط المفاهيم يحفز أو يثبط الشخص المؤدلج للعمل بجد نحو تحصيل الكرامة المالية أو التسكع على أبواب الآخرين والبحث عمن يوفر له قوت يومه حتى لو توفرت أركان القوى لديه، فالإنسان المتمتع بالكرامة المالية يبذل جهوداً للمحافظة على نمو مستواه المالي لأنه يعلم إن أخفق أو هبط معدل أداءه في التحصيل المعرفي والإداري المالي، ستذهب التقلبات الزمكانية بكل ما حصده وادخره عبر السنين الماضية. والإنسان المتسكع على أبواب الآخرين يحاول دائماً أن يجد من يرمي بكومة كسله عليه ليستنقذه. ويتوقع الكسول استمرار المساعدة من الآخرين إلى آخر يوم في حياته ولو بعناوين مختلفه واستدرارات متعرجة.
في مخطوطة كتاب لي كتبت عدة رسائل من ضمنها رسائل توصيات، ومنها أورد التالي:
– علينا تجنب عقد المقارنات في التفاوتات المالية، وتجنب تكدير صفو الحياة بالمقارنات السلبية. ومن الجيد قراءة سيرة العصاميين لاستلهام الدروس واستنساخ جزء أو كل التجربة الناجحة في أنفسنا بهدف التحسين في الوضع العلمي أو الإيماني أو الاقتصادي للفرد و المجتمع.
– ضرورة فهم دورة المال وكيف يعمل المال، وكيف يُجلب، وكيف يُصرف، وطرق إدارته وتنميته. فهذا يعطي الفاهم إدارة جنبة المال في الحياة بشكل أفضل. التكريه أو السعي لنشر ثقافة مقت المال يجب ألا يفهم أنه طلب عدم السعي لتحصيل المال واستخدامه، وإنما نبذ سوء توظيفه.
– التفريق بين الأصول والديون، وضرورة العمل لزيادة الأصول لأنها تزيد من تدفق الموارد المالية cash flow ، وتجنب الديون liabilities لاستنزافها للمدخرات أو استرقاقها الإنسان في دفع خدمة الدين ودفع الرسوم دون خلق أي موارد أو عوائد.
– ضرورة التمييز بين الدين النافع good debt حيث توريد مواد ما يمكن تصنيع وإنتاج سلع تخلق تدفق مال منها، والدين المهلك bad debt حيث استنزاف الدخول المالية. وتربية نوازع ورغبات الذات وتهذيبها لكل فرد هي المدخل الرئيس لإنجاز ذلك.
– مفهوم ” اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب ” أضحى جلياً أنه مفهوم ينفع المسوقين والباعة لزيادة المبيعات، ويضر المستهلك غير الحصيف أو المغرر به. والشخص ذاته (أبخص) بأي الطرق يريد أن يدير أمواله إن وجدت عنده أو أتت له.
– القيمة في تنفيذ الأفكار النيرة بشكل صحيح وليس في حمل الأفكار ذاتها، جملة آخذه في الازدياد شعبياً، وهي متبناه من أوساط النخب. الانتظار لاكتمال كل أركان عناصر إنجاز عمل ما قد يكون مفسد للهمة ومفوت للفرصة. كل مانحتاجه هو إجادة أداء المهمة، وخلال الإنجاز يكون لدينا الاستعداد لتعديل وتطوير الخدمات و التكييف مع المتغيرات.
– مجتمعات التكامل الاقتصادي economical ecosystems تحتضن إنتاج أبناءها وتدوّر أموالها بالداخل لأطول مدة ممكنة، وتنشط توطين الوظائف، وتنوع السلال الاستثمارية مع التنافس الشريف في أنماط تقديم الخدمات قبل/ أثناء/ بعد البيع.
– البكاء على الحليب المسكوب بعد نضوب الموارد الطبيعية لأي مجتمع لن يجدي نفعاً ولن ينعش ميتاً.
– إعادة الاستثمار بنصف أو أكثر من أرباح التجارة لتمكين من الصمود والنمو لأطول مدة واحتضان الريادة في ذلك المجال هو ما ينصح به في مدارس الاقتصاد المنهجية. أرض الواقع يتطلب الاستمرار بتدوير الأرباح استثمارياً وتنوعاً حتى التربع على مستوى معين من الصدارة، ثم البدء في الاستمتاع ببعض الأرباح. بعض الأشخاص يستعجل الاحتفال في أول ربح، ويبخر ماجناه. وعند تقلب الأيام وصروف الدهر يقع الفأس على الرأس والاستدراك يكون شبه منعدم الفعالية لفوت الفوت.
“نعم … لا … من الممكن ” هكذا يمكن أن يعلق البعض أو يقول في كيفية أن نتغلب كأفراد على تقلبات اقتصادية طارئة وصادمة على حياتنا. والأشخاص هم من يقررون كيف يديرون أمورهم قبل وأثناء وبعد الأزمات.