إدارة مواقف الإحراج
أمير الصالح
قرأت كتابات للجاحظ ولغيره من شعراء وأدباء بعض الطرائف المحرجة، وازداد فضولي بحثاً عن الردود الذكية والسريعة والرادعة للمواقف المحرجة التي يتعمد الحاقدين والأشرار إطلاقها، فلم أجد من الأدباء القدماء أسرع فطنة ونباهة من الشاعر المتنبي. ومن ضمن ما نُقل من قصص عن الشاعر المتني أن شخصاً تعمد إحراج المتنبي، فقال له: ظننتك من بعيد امرأة، فرد المتنبي بلمح البصر: وأنا ظننتك من بعيد رجل.
وقيل بأن رجلاً معاصراً قيل في حقه من قبل رئيسه في العمل: أستطيع براتبك أن أجاب ثلاث موظفين من الدولة الآسيوية الفلانية، فرد الموظف على مديره المتجبر وفي ذات اللحظة: وأنت براتبك أستطيع أن أوظف رئيس وزراء تلك الدولة المشار إليها وكامل طاقم وزراءه. وقيل عن موظف دخل مكتب موظف آخر ندٍ له، ولا يطيقه لسببٍ ما، فقال الموظف الأول المتعجرف: لا أرى أي شيء جميل في مكتبك. فرد الموظف الثاني في الحال: الحياة جداً صعبة على من عميت قلوبهم وأبصارهم عن رؤية جمال خلق الله في الأرض.
أتذكر في أسواق القيصرية قبل أربعين سنة بالأحساء مواقف عديدة، ومنها الطريف المحرج. أسرد على سبيل الاستشهاد الموقف التالي:
ترجل شخص وزوجته من سيارته الفاخرة، ويبدو عليه أثر الثراء والخيلاء، ودخل محل لبائع مسن يبتاع الأحذية، فقال الرجل بصوت فيه لون من الاستحقار و الجلافة بعد أن آخذ بيده إحدى الأحذية: بكم هذه القبعة؟ فقال البائع المسن: جرب لبس القبعة على رأسك فإذا كانت القبعة على مقاسك فلن نختلف على السعر.
البعض ممن يتعرضون لصلافة الوقحين إحراجاً، لاياتي الرد منهم في حينه وكأن المخ لديهم قد تعطل أو شل تفكيره، وعليه يعض البعض أصابع الندم في تفويت الفرصة بالرد في حينه بعد الانصراف من مكان الإحراج لما أصابه من غبن أو إحراج أو إهدار كرامة، والبعض يلوم نفسه عن الغفلة في الرد المناسب في ذات المكان والزمان والشهود.
الإشكال هذا قد يمكن معالجته بالنسبة للشخص كبير السن الذي يستطيع أن يرجع إلى من تعرض له بالإحراج ويرد الاعتبار لذاته بالكلام.
الإشكال في انعكاس مواقف الإحراج على تكوين شخصية الأطفال والمراهقين إن فشلوا بالرد على الكلام بالكلام في حينه. واعتبار ذلك فشل منهم في حفظ كرامتهم إنسانيتهم، وإهدار الثقة في أنفسهم. لذا من الجيد أن يعلم ويربي الوالدان أبناءهم فنون إدارة مواقف الإحراج بأساليبه المتنوعة مع مراعاة كامل الظروف. في الغالب السكوت عن المعتدي بالإحراج لساناً يُفسر بأنه ضعف من المتعرض للإحراج، والتجاهل في الرد قد يعطي ذريعة في استمرار المعتدي في غيه وإحراجه للآخرين. وفي حالة استخدام العراك الجسدي لرد الاعتبار قد ينتهي إلى مالا تُحمد عقباه من ضرر جسدي ومتابعات قضائية وسوء تقدير التفاعلات وإبعادها . إذن: لابد من إدارة الإحراج بفنون الردود الكلامية والحقوقية. قد يتساءل البعض: هل هناك ردود ماحقة ساحقة لمعظم المواقف المحرجة؟ الجواب بشكل عام: نعم، ويتطلب من الإنسان التدريب المستمر من خلال القراءة الثرية المفيدة، والكتابة المستمرة لكل السيناريوهات المحرجة التي يشاهدها أو تقع على الآخرين، ويسطر الردود الدامغة. وفي الواقع ليس هناك معالجة أو تقنية واحدة فلكل حادث حديث. والوحيد الذي يقدر الوضع بكل أبعاده هو صاحب ردة الفعل تجاه الإحراج الواقع مع مراعاة تامة للسلوك المؤدب، وتجنب الانجرار أو الوقوع في فخاخ الاستفزاز.