لقاءات صحفية

لقاء مع عبدالرؤوف المسلمي.. أسطورة التحدي المدهش

رباب النمر: الأحساء

في الحياة منعطفات، تضاريس، وعصف! فهي لا تسير على وتيرة واحدة. تبتكر وضع العراقيل أمام البشر، وتتفنن في اختراع مختلف أنواع العقبات أمامهم.
ربما لتضعهم في غربال كبير فتهزّه حتى يسقط ما لاوزن له، ويبقى في الغربال (الكبير) الذي لا يفلت من الثقوب.
هنا تبرز قيمة (التحدي) ومواجهة هذه العراقيل بذكاء، واجتهاد، وعمل، وربما قُلبت العراقيل لتتحول إلى دعامات.

تحدّي النفس، تحدّي الحياة، تذليل الصعوبات، اكتساب المهارات، والانطلاق في دروب الحياة رغم ما بها من مشاق كلها معان سامية حولها (عبد الرؤوف) من معانٍ مجردة إلى حيّة تمشي على الأرض بما يحمل في تضاعيف شخصيته من قوة إرادة ، وقوة صمود، وقوة تحمّل.
شقّ طريقه في الحياة بخطوات ثابتة ومدروسة رغم المفاجأة الصادمة التي ابتُلي بها لحظة أن كشف الطبيب المختص الضماد عن عينيه، و أعلن أنه فقد البصر.

وليس معنى ذلك توقف مسيرة الحياة، أو الخنوع والذبول.
ففقد البصر لا يُعد إعاقة، فقد عاش (عبد الرؤوف) بقوّة البصيرة وتوقد الإحساس الداخلي الذي جعل منه فرداً معتمدا على نفسه، فضلا عن مساعدة الآخرين.

عاش مثل أي مبصر، فهو لا يزال يبصر كل شيء بلمساته الرشيقه، وحركاته المتزنة.

مارس كافة الأنشطة الحياتية، الواقعية والافتراضية، تنقّل بين المدن والقارّات مسافراً بمفرده، تبضّع من المواقع الإلكترونية ببطاقته الائتمانية، تصفّح الإنترنت، وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية معتمدا على نفسه، تمّ قبوله في برنامج الماجستير بجامعة الملك سعود، ولكنه فضل الاشتغال بوظيفة التدريس متنقلا بين مدينتين.
التقته بشائر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حديث شائق مفعم بالإدهاش، مطرّز بالتجارب الحياتية الناضجة حيث تتناول الأسطر القادمة سيرة الأستاذ (عبد الرؤوف حسين المسلّمي) الذي قهر العراقيل وفاز بالتحدّي.

*السيرة الذاتية تبدأ ببطاقة صغيرة، تماماً كطريق طويل يبدأ بخطوة واحدة، خطوة تختصر سيرة ممتدة وحافلة.  فهل لك أن تقدم لنا بطاقتك التعريفية الصغيرة في خانات خمس (الاسم ، التخصص، الشهادات، الهوايات، الإنجازات )؟

عبد الرؤوف حسين المسلمي، حاصل على بكالوريوس لغة عربية من جامعة الملك سعود بمرتبة الشرف، و دبلوم عام في التربية من جامعة الدمام، ودبلوم صعوبات التعلم من جامعة الدمام.
وحاصل على شهادات معتمدة في الدورات التالية: أنماط الشخصية، وقبعات التفكير، وتقوية الذاكرة، ومهارة الخطابة.
الهوايات: هوايتي الرياضة ولاسيما المشي والجري،
و تصفح الإنترنت، والبحث عن كل جديد يعزز مهارات الكفيف أو يعزز استغناءه عن الحاجة للآخرين .

الإنجازات: هذه الكلمة ستحفزني لإعادة النظر، ربما على مستوى خارج الذات لا أستطيع ذكر أي إنجاز، أما على مستوى الذات فإنني أتحدى كل ما من شأنه أن يجعلني محتاجا للآخرين ولهذا أجد نفسي متقدماً جداً في الاستقلال، والاعتماد على الذات وربما يكون هذا إنجازاً خارج الذات إذاما أخذنا بالاعتبار تأثر بعض المكفوفين الذين أخبروني أنهم أقدموا على ما كانوا يهابونه عندما مهدت لهم الطريق بالإقدام عليه.

نما السوشل ميديا في حياتنا الافتراضية، وتمددت مسافاته، حتى أصبح الأرض التي تحمل عناويننا، ووجودك في العالم الواقعي يفترض تخصيص مساحة لك في العالم الافتراضي. فأين نجد (عبد الرؤوف المسلمي) في عالم السوشل ميديا ؟

في عالم السوشل ميديا عندي حساب في تويتر، لا لأغرد به ،ولكن لأسمع تغريدات الآخرين وتتبع كل جديد ولا أملك حسابا آخر في غير تويتر.

وليكن أول رابط يحمل اسمي في محرك البحث (قوقل) هو هذا اللقاء.

العينان نافذتان يعبر خلالهما العالم إلى دواخلنا ، وننتشي بالنور من خلالهما، كنت يوما ما مبصراً ثم شاء الله أن تكون كفيفاً، متى أُسدلت الستائر على هذين النافذتين، وما قصتهما التي هي بالتأكيد زر يضغط على الوجع، وكانت بها النهاية، وبداية انطلاق البداية ؟

فقدت البصر بعد المرحلة الثانوية وقبل دخول الجامعة.

بدأت الحكاية عندما بدأ بصري يضعف شيئا فشيئا وبشكل تدريجي لاحظته بعد إتمامي المرحلة الثانوية، حينها ذهبت إلى مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في الرياض، وكان تقرير الدكتور بأن نظري في انخفاض مستمر ولا يتوقف إلا بعملية جراحية غير مضمونة النتائج فأقدمت عليها بعد التوكل على الله وألحقتها بعملية ثانية وثالثة وكلها كانت في سنة واحدة وعلى إثرها كف بصري، وفي السنة التي تليها مباشرة التحقت بالجامعة في الرياض.

ولكن لا يضيق بي السطر أن أقول إنني لم أشعر بوجع لحظتها وحتى هذا الحين أتذكر كلمة الدكتور الذي أجرى لي العملية التي انعطفت بحياتي عندما دخل علي بعد استيقاظي من العملية إذ قال لم أقابل مريضا يبتسم ولم يزل غطاء العين يغطيها وقد لا يبصر بعدها.

ألا تشعر أن فقدك الإبصار في مرحلة متقدمة ساهم في تمتعك بمهارات جيدة ؟ كون العالم كان بين عينيك ، ثم احتفظت بهذا العالم في ذاكرتك ؟

نعم، هذا لا شك فيه.

أخبرني الآن كيف تقرأ أسطري هذه ؟

باستخدام قارئ الشاشة في الآيفون وهو ليس تطبيقا خاصا بل هو ضمن إعدادات الجهاز بمعنى آخر أنه موجود في كل جهاز آيفون .

وكيف تكتب هذا السطر الآن ؟

أكتب بطريقة لوحة المفاتيح العادية كما تكتبون، أو بتحويل طريقة الكتابة إلى طريقة برايل وهي الأسهل والأفضل بالنسبة لي.

كيف كانت بداية البداية ؟ بداية فترة جديدة من حياتك تعتمد على حاسة البصيرة بشكل كامل؟
كيف أكملت مسيرتك التعليمية ؟ و أتممت رحلتك الدراسية ؟

بدأت رحلة الدراسة في الرياض بجامعة الملك سعود، وكان أخي علي – رحمه الله – قد سبقني للجامعة بثلاث سنوات، فكان الممهد لهذا الطريق. مضت رحلة الدراسة أربعة أعوام ذهاباً وإياباً بالقطار بين الأحساء والرياض. تارة برفقة أصدقاء، وتارة منفردًا، وكان يدفعني التطلع للدراسات العليا لتحصيل أفضل. وبعد الانتهاء من البكالوريوس تم قبولي للماجستير، وكنت – بحسب ما أتذكر – واحداً مع أربعة عشر زميلا تم قبولنا من بين 150 متقدمًا.
بدأت الدراسة وأنهيت قرابة السنة بنتائج متقدمة غير أن وظيفة التعليم التي حصلت عليها في مدينة الجبيل حالت دون إكمال الدراسة، فأقمت في الدمام، وأذهب للجبيل في الصباح،  وأدرس بجامعة الدمام دبلوم عام في التربية عصرا، وبعد سنتين انتقلت للتعليم في الأحساء وبعد سنتين بدأت بدراسة دبلوم صعوبات التعلم بجامعة الدمام فأكون في المدرسة صباحاً، وأكون بالجامعة عصرا وليلاً .
أما الرحلة الأجمل فهي الأقصر، الرحلة الدراسية التي كانت في معهد لتدريب المكفوفين على مهارات الحياة اليومية بالإضافة للتدريب على استخدام التقنيات الحديثة.

لا يستقيم أمامنا طريق إلا بتجاوز العثرات.
هل واجهتك مشاق في مشوار إكمال الدراسة ، أو في مزاولة العمل ؟

الحياة كلها شقاء وتعب إن اعترف لها الإنسان بذلك، أما بالنسبة لي فعندما أواجه بشيء من ذلك فإنني أكابر وأتعالى .
و لكن بشكل عام واجهتنا تحديات صعبة في الجامعة لاسيما أننا لم ندرك هذه النقلة النوعية في عالم التقنية والأجهزة الذكية أيام دراستنا ، فقد كان من شأنها أن تذلل الكثير من الصعوبات . وقد بدى ذلك جليا في دراستي اللاحقة للدبلوم في جامعة الدمام حيث أنني أدركت الآيفون حينها ، وتذللت الكثير من الصعاب .

ما الذي يدفعك لتحدي المشاق ؟

أنا لا أتحدى في هذه الحياة إلا نفسي وذلك أعظم التحديات.

وكيف تتحداها ؟

تحدي النفس يكون من خلال عقيدة راسخة بأن كل ما يواجهه الإنسان في هذه الحياة هو نتاج لتفاعل النفس مع المحيط في الخارج وبما أن المحيط في الخارج لا يأتمر بأمره فيبقى الخيار هو الطرف الثاني في المعادلة وهي النفس”من عرف نفسه فقد عرف ربه”
فعليه أن يوجهها بالفكر الصحيح وبالسلوك القويم ، وهنا مكمن التحدي .

التواصل هو التيار الكهربائي الذي يدير عجلة الحياة ، ويضع الإنسان وسط مجتمعه ليتفاعل ، وليشعر بقيمة الحياة ، فكيف يتواصل (عبد الرؤوف) مع الآخرين ؟

أفضل وسيلة تواصل هي الاتصال المباشر بالجوال إن كان سؤالك عن السوشل ميديا، فأنا لا أملك حسابا في فيس بوك، ولا انستغرام، ولا سناب، وحتى تواصلي بالواتساب قليل .

أما إذا كان المقصود التواصل الاجتماعي بمعنى العلاقات الاجتماعية فعندي علاقات اجتماعية جيدة مع الكثير من الأقارب والأصدقاء، وإن كنت أتضايق ممن يتعاملون معي دون أخذهم بالاعتبار الطرق السليمة في التعامل مع المكفوفين فيما يخص الأمن والسلامة ومراعاة الذوق العالي .

هناك قواعد  (إيتكيت) بسيطة جداً للتعامل مع الكفيف تنبثق من الوعي والتثقيف، ولفت الانتباه. فهل تجد لدى الناس هذه الثقافة أثناء تعاملهم معك ؟

الالتزام بها نسبي وذلك يرجع لمتانة العلاقة بيني وبين الآخرين ففي الأقارب من هو قريب ومن هو أقرب ، وفي الأصدقاء كذلك . ولهذا نجده مطلعا على ذلك ويبادر بالسؤال ، وهناك النقيض منه، هناك أشخاص أسعد بهم لأنهم عندما يتعرضون لأي موقف جديد معي يسألونني كيف نتصرف حينها . وهناك من أبدي له ملاحظتي أكثر من مرة ولا يقبل كأنه يريد أن يفعل ما يريده لا ما يناسبني ككفيف، وفي المجمل لا نجد هذا الالتزام بالقواعد والإتيكيت مع الغالبية.

هل تذكر لنا بعض هذه القواعد، أو أهمها بالنسبة إليك ؟

أريد أن أوضح أن ما أسميناه الطرق السليمة أو الذوق العالي في التعامل مع المكفوفين ليست عملية آلية إنما هي ردة الفعل السليمة لتعرف وتحسس الفرد للمكفوفين، وإلا ما معنى أن يصافح أحدهم مرافقي ويسلم عليه ولا يفعل ذلك معي، وما معنى أن أدخل لموظف في إحدى الإدارات مع والدي الستيني فيجلسني الموظف ويترك والدي واقفا، وما معنى أن توجه أسئلة تخصني لمرافقي ليجيب عنها نيابة عني وكأني غير موجود، إن كل هذا وأكثر من ردود الأفعال هذه هي نتيجة لمعرفة خاطئة بالكفيف أو لنقص المعرفة.
وهذا يجعلني أشير إلى أن تصحيح مفهوم الإعاقة البصرية والمعاقين بصريا لأفراد المجتمع هو الخطوة الأولى من أجل تحقيق التواصل الجيد بطرق سليمة وذوق عال بين المكفوفين والآخرين.

ومن الممكن أن ألفت الانتباه لبعض الطرق السليمة للتعامل مع الكفيف، فيما يلي:
1/عند دخول الغرفة التي بها كفيف قل (السلام عليكم) حتى يعرف أن هناك من دخل الغرفة.

2/عند مصافحة الكفيف قل له (يمينك) حتى يمد يده للمصافحة

3/أخبروا الكفيف عند تغيير ترتيب أثاث البيت أو المدرسة لاعتياده على ترتيب بعض الأشياء و خوفه من الاصطدام بها.

4/ عندما يكون الكفيف صغيرا يمسك بيد مرافقه من جهة الرسغ، وإذا كبر أمسكها من جهة الذراع.

5/ عندما تريد محادثة الكفيف فتواصل معه بصرياً لأنه يدرك ذلك، ويشعر بالضيق عندما تحادثه وأنت تدير ظهرك نحوه، أو تحادثه وأنت سائر في طريقك.

6/لا ترفع صوتك عندما تكلم الكفيف، لأنه لا يرى ولكنه يسمع

7/ إذا كان مع الكفيف مرافق مبصر، ولديك أسئلة ، فاسأل الكفيف ولا تسأل مرافقه المبصر.

8/ إذا أراد الكفيف أن يصعد الدرج أخبره حتى يصعد، وإذا أراد أن ينزل من الدرج أخبره حتى ينزل .

9/ إذا أردت إعطاء الكفيف شيء فقرّبه منه حتى يشعر به و يمسكه.

10/ إذا قدمت للكفيف عصيراً أخبره عن نوع العصير.

11/ لا تترك الأبواب نصف مفتوحة أو مواربة، فإما أن تكون مفتوحة بالكامل أو مغلقة بالكامل حتى لا يتعثر بها الكفيف أو يصطدم بها وفي ذلك خطر عليه

12/ ذا أردت إيصال الكفيف لمكان أخبره، فقد يحتاج مساعدة وقد لا يحتاج.

13/ عند خروج الكفيف إلى مكان برفقتك اشرح له ما حوله حتى يعرف أين يكون، ويتخيل ذلك.

14/ إذا رأيت الكفيف في السوق أو المدرسة أو الشارع أو في أي مكان ولديه عصاته البيضاء فلا تستغرب أو تندهش وتحرجه بنظراتك فهو يتضايق و يشعر بالإحراج.

15/ افتح الطريق للكفيف، وشجعه فهو يريد أن ينطلق ويفرح.

مع تطورات الحياة التقنية، و تفعيل الكثير من الأجهزة لخدمة الإنسان، لا بد أن تكون هناك أجهزة معينة صممت للمكفوف كي تعينه على تطوير مهاراته الحياتية .. ما تعليقك حولها ؟

هناك العديد من الأجهزة والأدوات والطرق المبتكرة لتسهيل حياة الكفيف، و لكن ليست كلها عملية فبعضها معد لغرض تجاري، أو لدعاية إعلامية . وقد انتقيت بعضها عندما كنت في أمريكا، وحتى الآن لم أستخدمها لأنني لم أشعر بحاجة إليها.

هل لك أن تحدثنا عن مسميات هذه الأجهزة، ما يجدي منها، وما لا يجدي ؟

لكل مهمة ووظيفة وسائلها وأدواتها فلو أخذنا على سبيل المثال التعليم سنجد هناك الكثير من الوسائل، ولعل أبرزها طريقة برايل بالإضافة إلى آلة بيركنس التي تكتب بطريقة برايل . ولكل تخصص في ميدان التعليم وسائله وأدواته لاسيما في العلوم والرياضيات.
وخارج ميدان التعليم هناك العصا البيضاء، وبرامج قارئ الشاشة في الحاسب الآلي، والأجهزة الذكية وعلى مستوى الوظائف الأخرى كالطبخ قد نجد الإبداع أكثر ليس في الأدوات الخاصة فحسب، بل في تكييف الأجهزة العادية لتتناسب مع ظروف الكفيف. وكذلك في غسل الملابس فلا توجد بحسب علمي غسالة مخصصة للمكفوفين ولكن على الكفيف أن يتكيف معها أو يكيفها معه .
وأذكر بشكل سريع بعض الأجهزة والأدوات
1. أجهزة التعرف على الألوان والآن يوجد تطبيق لذلك في الأجهزة الذكية.
2. جهاز التعرف على الأموال والآن يوجد تطبيق لذلك.
3. جهاز القراءة والآن يوجد تطبيق لذلك
4. السطر الإلكتروني وهو عبارة عن جهاز يحول النص المكتوب إلى طريقة برايل
ولا أريد أن أحشو اللقاء بتعداد الكثير منها.

ما مدى تفعيل لغة برايل واستخدامها في حياتك ؟

تعلمتها وأستخدمها قراءة وكتابة في مجال التعليم فقط.

من هو المعاق الحقيقي برأيك ؟

ليس المعاق الذي تعيقه إعاقته الجسمية عن القيام بوظيفة معينة ، إنما المعاق من يعيق نفسه عن التقدم في مضمار الحياة.

وماذا عمن يشاركونك الحياة ؟
متزوج وعندي ثلاثة أبناء.

لديك أخ كفيف. هل تحدثنا عن تجربته ، وعن مدى انعكاس تأثيره في حياتك ؟

سبقني في كل شيء. سبقني إلى هذه الحياة بثلاثة أعوام، وسبقني في كف البصر حيث قد كف بصره وهو في المرحلة الابتدائية، وسبقني للبكالوريوس من جامعة الملك سعود تخصص لغة عربية، وسبقني بدبلومين: الأول من جامعة الأمام محمد بن سعود، والثاني من جامعة الخرج، كما حاز الماجستير من الأردن . و سبقني للقاء ربه.

 هل اشتركت في مسابقات لتنمية هواية الجري،أو التحقت بنواد رياضية ؟

اشتركت في مسابقتين كانتا تحت إشراف جامعة الملك سعود
ولم ألتحق بأي ناد، أمارس الجري على جهاز الجري في البيت . أما المشي فيكون في الخارج مع الأصدقاء.

وفي المسابقتين اللتين اشتركت بهما فزت بالإشتراك في المسابقة الأولى، وفزت بالمركز الأول في المسابقة الثانية.

*التحدي سمة بارزة في شخصية (عبد الرؤوف) الذي يقلب الموازين، وتتغير مع قدراته كل موازين الحياة. قد يظن البعض أن (عبد الرؤوف) يحتاج إلى المساعدة كونه فاقداً للبصر ، والواقع أن (عبد الرؤوف) هو الذي يقدم المساعدة للآخرين في أداء مهامهم. حدثنا عن هذه النقطة المدهشة

يمكنني أن أذكر بعض المهام التي أقوم بها داخل البيت بما أنني أقضي معظم أوقاتي فيه، وتتنوع هذه المهام ابتداء من السباكة الخفيفة ، وإصلاح بعض الأعطال الصغيرة ، وليس انتهاء بالطبخ ، والتنظيف ، وغسل الملابس وكيها، ويزاحم ذلك الكثير من المهام التي نحتاج للإنترنت من أجل إتمامها كحجز مواعيد في وزارة الصحة، أو وزارة الداخلية، أو البحث عن تذكرة طيران أو حجز فندق.

في بعض الصباحات أعد وجبتي إفطار للعائلة، وجبة يتناولونها في البيت قبل الذهاب للمدرسة، ووجبة أغلفها ويأخذونها للمدرسة.
وقد أذهب بأحد أبنائي للطوارئ في المستشفى بمفردي، وقد حدث ذلك معهم جميعا من صغيرهم حتى كبيرهم.
و بما أنني أحب المشي أستغل فرصة الأجواء اللطيفة لأقضي بعض حاجيات الأسرة من بعض المحال مشيا وبمفردي لمسافة تتجاوز 1000 متر.
هذا لا يمنع أن أتسوق إلكترونيا بالبطاقات الائتمانية من بعض المواقع العالمية ..
أساهم في الطبخ أحيانا قليلة وفي غسل الملابس والأواني وفي رعاية الأبناء .
يصادف أن يأتيني ضيوف دون موعد فأعد لهم بنفسي ما يعد للضيوف وأقدمه لهم.
هذه بعض المهام التي كنت أحسبها مهام عادية ، وقد استرعت اندهاش واستغراب الكثير من المكفوفين والآخرين .

لم تثنك المسافات ولم تقف في وجه تحديك القارات و المحيطات ، حيث عبرتها منفرداً كبطل أسطوري خارق . حدثنا عن رحلتك إلى أمريكا ، و أهم الفوائد التي عدت بها

قبل تسع سنوات مضت قررت الذهاب لأمريكا بعد معرفتي لمعهد يدرب المكفوفين على مهارات الحياة اليومية وتأهيلهم، كنت حينها كفيفا وقد كنت أتمتع بمهارات جيدة، وكان الاطلاع على الجديد وخوض هذه التجربة هو دافعي لذلك.
سافرت وحيدا دون مرافق من مطار الدمام لتحط بي الطائرة على أرض مطار ميونخ في ألمانيا ، لتكون محطة انتظار مدة سبع ساعات ، ثم أنتقل بعدها على متن طائرة أخرى إلى مطار بوستن في ماساشوستس، وهناك التقيت بصاحبي الذي تواصلت معه مسبقا، ذهبنا للسكن وكان الوقت عصرا وفور وصولي صليت الظهر والعصر بعد أن أرشدني صاحبي للقبلة، وفي صباح اليوم التالي وفور خروجنا شعرت بالشمس من جهتي اليسرى فتوقفت مندهشا وسائلا صاحبي: هل الشمس على يساري؟
قال: نعم.
قلت: إذن القبلة يساري بما أننا في أمريكا فالقبلة تكون شرقا فلماذا جعلتني أصلي للجهة المعاكسة؟
حينها اكتشف أنه كان يصلي دون الاتجاه الصحيح للقبلة وذلك بعد أن تأكد باستخدام التطبيقات المعدة لذلك.
وتتوالى الحوادث والمواقف حتى وصلنا للمعهد ، وقابلت المدير وطلبت منه الالتحاق بالمعهد بعد شرحي لقصر رحلتي وظروفي وافق وعين لي مدربين خاصين بي، وقد اخترت البرامج التي أرغب بالتدرب عليها، وبدأت فعلا معهم في الأيام التالية كانت تدريبات رائعة على الرغم أنها لم تكسبني مهارة جديدة إلا أنها جعلتني أطلع على طرق وأساليب وأدوات التدريب عندهم ، ففي كثير من ممارستهم لحياتهم اليومية لا يستخدمون أجهزة تقنية حديثة أو جهاز باهض الثمن، وإنما بأدوات بسيطة ولمسات ذكية فيكيفون الكثير من الأجهزة لتتناسب معهم

وفي حديث مع المدير أرشدني لزوجين كفيفين يعيشان في بيت لا يشاركهما فيه أحد، فطلبت منهما استضافتي في بيتهما لأنني أحببت أن أكون قريبا من تجربتهما . الزوج كفيف وزوجه كفيفة يعيشان في بيت بمفردهما ولم يرزقا بالأولاد بعد . زرت الزوجين بعد موعد مسبق، وضيفاني وجبة عشاء من إعداد الزوجة ، وأخبرتني الزوجة كيف قد تدربت على كل شيء في المعهد.
وخلال هذه التجربة تمكنت من إثبات أن الاستقلالية ممكنة وهذا ما أريد إثباته للمكفوفين قبل الآخرين .

وقبل عودتي للوطن قررت أن أخرج بنفسي دون صاحبي، فاغتنمت فرصة تواجده في معهده فقررت أن أذهب إليه عندما ينتهي من درسه قبل أن يأتي ب إلي، كان ذلك يتطلب مني أن أخرج من البيت وأمشي من داخل الحي باتجاه الطريق العام ثم أعبر إشارة المرور ثم أكمل طريقي بتجاه المترو، وبعدها النزول للمترو وانتظار المترو المناسب للمحطة المقصودة واركوب فيه حتى بلوغ المحطة ، ثم الخروج منها باتجاه المعهد وفعلت ذلك حقا.

ولا نريد أن ننتهي من هذا الزخم الثري من تجارب الحياة ، ولا من هذا الحديث الماتع ، ولكن حان الوقت لنضع نقطة نهاية السطر الأخير ، لأسطر مشعّة بوهج التحدي .
تتقدم بشائر للأستاذ عبد الرؤوف المسلمي بكل الشكر والتقدير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى