رحيلٌ غيرُ مُتَّفَقٍ عليه
جاسم الصحيح
ربَّما لا تكون قصيدة، ولكنها همسةُ وفاء لـروح صديقي المربِّي الفاضل والشاعر/أ. (معتوق العيثان.. أبي عبد الله) رحمه الله تعالى.
رحيلُكَ لن أُوَفِّيَهُ عَزَاهُ
ولو أفرغتُ روحيَ في رِثَاهُ
ذبيحُ الذكرياتِ أنا، وشِعري
خلاصةُ ما تدفَّق من دِمَاهُ
وصوتُ الحبرِ ليسَ سوى دعاءٍ
يؤمِّل أن تعودَ على صَدَاهُ
رحيلُكَ غيرُ مُتَّفَقٍ عليهِ
وما حَدَّثْتَنا عن منتهاهُ!!
متى تاريخُ عودتِكَ المُرَجَّى؟!
أَتَذكِرَةُ الإيابِ بها اشتباهُ؟!
أسائلُ عنكَ (عبدَ الله)؟ يبكي..
كأنَّ الدمعَ صارَ لهُ أَبَاهُ !!
فـيا مَنْ لم يزلْ يَنْحَلُّ فينا
(أَنًا) حتَّى تنازلَ عن (أَنَاهُ)
أَمَا كُنَّا نسيرُ مَـعًا! لماذا انــْــ-
ــــعَطَفْتَ؛ وسارَ كُلٌّ في مَدَاهُ ؟!
خَتَمتَ المسرحيَّةَ؟! أَمْ تَنَاهَى
بِكَ الدَّورُ القديمُ لِـمَا تَلَاهُ ؟
رحيلٌ لا يُفَسَّرُ.. غيرَ أَنَّا
نُفَسِّرُهُ لـنَنْجُوَ من لَظَاهُ
خَبَزْنَا الحُبَّ في فُرنِ الأماني
وأَطْعَمْنَا المشاعرَ من قِرَاهُ
وخَانَتْ نارُ ذاك الفُرنِ حتَّى
بَكَى الخَبَّازُ واحترقتْ يَدَاهُ
نعاكَ النعشُ نَعْيَةَ حاملِيهِ
فأَنَّ الرملُ أَنَّةَ مَنْ حَثَاهُ
جراحيَ فيكَ شتَّى حيث جرحٌ
أراهُ، وحيث جرحٌ لا أراهُ
ومِثلِيَ مَنْ يُعَزَّى فيكَ صبرًا
فحاليَ حالُ مْنْ دفنوا أخاهُ
أَحَقًّا لن تُطَوِّقَني بـزَندٍ
غَنِيتُ بهِ وِشَاحًا عن سِوَاهُ ؟!
ولن ينسابَ لي منكَ المُحَيَّا
ببِشْرٍ كنتُ أسبحُ في نَدَاهُ ؟!
ولن تستنهضَ الفُصحَى فتأتي
إليكَ، وكلُّ حرفٍ في قُوَاهُ ؟!
ذبيحُ الذكرياتِ أنا؛ ذبيحٌ
بطَيفٍ منكَ لَوَّحَ من عُلاهُ!
يزمجرُ داخلي نهرُ المعاني
ولكنَّ الصخورَ تسدُّ فاهُ
إذا ما لاح شخصٌ منكَ سَمْحٌ
وسَمَّرَني إليكَ الانتباهُ :
رأيتكَ معجمَ الأخلاقِ يمشي
على قدميهِ.. يَقصِدُ في خُطاهُ!
رأيتكَ زمزمَ الإيمانِ يجري
بطُهرٍ ليسَ تحويهِ المياهُ
فيا روحَ الفضيلةِ في زمانٍ
يكادُ نهارُهُ ينعَى ضُحاهُ
رعى الزُّهْدُ المُقَدَّسُ منكَ قلبًا
فلم تأخذْ نصيبَكَ من هَوَاهُ
وما أَلْبَسْتَ نَفْسَكَ غيرَ ثوبٍ
على تقواكَ قد زُرَّتْ عُرَاهُ !
شديدٌ في بياضِكَ، لا تُعادي
ليَنسِبَكَ السوادُ إلى عِدَاهُ!
جَمَالُكَ لا يُرى جَمعًا، ولكنْ
لـكُلٍّ ما استطاعتْ مُقلتاهُ
ولو جَمَعَتْ عيونَ الناسِ عينٌ
رَأَتْكَ كما تَصَوَّرَكَ الإلهُ!
يتيهُ بنا الوداعُ وقد دخلنا
مساحتَهُ، ويَتَّسِعُ المَتَاهُ
فمَنْ أودَى بحُلْمِكَ في ربيعٍ؟!
وفضَّ الوردَ مُفتَرِسًا شذاهُ؟!
وأغلقَ بابَ عُمرِكَ في الليالي
على قَدَرٍ تعجَّل في قَضاهُ؟!
ومَنْ أرخَى السُّدُولَ على التجلِّي
فأطفأَ ما تَنَوَّرَ من بَهَاهُ؟!
نَفَضْنَا منكَ أيديَنا وعُدْنَا
تُوَحِّدُنَا على ذكراكَ آهُ!!
وما نُفِضَتْ – من الحُبِّ- الحنايا
ولا نُفِضَتْ – من الذِّكْرِ- الشِّفَاهُ
فما زلنا نُؤَانِسُ منكَ طيفًا
يُشِعُّ بذكرياتِكَ في رُؤَاهُ
نحاولُ أنْ نضيءَ الوقتَ مهما
خبا قبسُ الحقيقةِ من سَنَاهُ
لنا في الموتِ بوصلةٌ، ولكنْ
نُوَجِّهُها، وليسَ لها اتِّجاهُ !
مسافاتٌ هِيَ الدنيا، وليلٌ
شريدٌ من دُجاهُ إلى دُجاهُ
ونحنُ سُراةُ هذا الليلِ قِدْمًا
نموتُ إذا نُفَرِّطُ في سُرَاهُ