أقلام

زهرة تتطلع للسماء

الشيخ عبد الجليل البن سعد

ها هي زهرة أخرى من زهور العلم والكمال تسقط في عاصفة كورونا، زهرة الشيخ علي بو عويس، وهو صاحب الروح الشفافة التي لم يسبق أن طبع طابع بيده فوق صفحتها قبل يد الفقه الشريفة، فهذا الرجل هو واحد ممن أضفت عليه علوم الآل الكرام “صلوات الله عليهم أجمعين”جمالها ورونقها ــ ولا مبالغة ــ إذ يمكنك أن تتعرف على نسبته إلى مدرستهم نسبة صادقة من خلال معاشرته، فسلوكه نفحات، وأخلاقه منار، و لسانه لا يفصح بغير التقوى!
اللقاء الميمون:
كان أول لقائي به قبل ما يتجاوز الثلاثين عاما في قم المقدسة حيث كانت تضمه وبعض أصدقائه غرفة ضيقة في سرداب متواضع ولكن الروح الكبيرة هي التي تهرب من ظلام البيوت المشيدة إلى هذه الأماكن المضيئة بأضواء السكينة..
الانحناء في العواصف:
لقد عاش الشيخ البوعويس نقلات نوعية مرت في حياة طلاب العلم ما بين 1407- 1441 ه*ـ ألقت بظلالها الثقيلة على بعض الأرواح وبقي هو في القلة الباقية ممن حافظ على توازنه، فقد استطاع بحكمته وهدوئه أن يتصالح مع مختلف القناعات المتجاذبة فيستعفي نفسه عن أي صخب ولغط، و لا يمد يمينه لعون جهة إلا ومد للأخرى يساره، فكان حاضرا هنا وهناك يعمل دون ميل مع الاتجاهات ما دام التعاون مع الكل في اتجاه البر والتقوى.
ابن الحوزة المؤتمن:
إن خدمته بالحوزة العلمية بالأحساء عظيمة فهو ممن كانت لهم بصمة إدارية واضحة في بدايات النقلة النظامية التي شهدتها الحوزة العلمية بالأحساء إذ تولى مسؤولية إدارة المعلمين لفترة من الزمن.
كما يأتي ذكره في عداد أساتذة مرحلة السطح وهي مرحلة حساسة في تكوين قاعدة الاجتهاد الفقهي، وله في العقليات والفلسفة دلو استقى به العديد من طلاب العلم من تلاميذ هذه المرحلة من القبيلين الرجال والنساء.
يتميز بكثرة الأسئلة والاثارة العلمية لا سيما أمام اساتذته أو من يرى فيهم فضيلة علمية ومناقشاته تحمل سمة التدقيق والتحقيق غالبا.
و من الصور التي تستحق أن تذكر أنني كنت أراه في زاويتين بساحة الحوزة تميزتا باجتماع  الطلبة الراغبين في المناقشة والمداولة العلمية على رائحة الشاي إحداهما بوسط الساحة والأخرى عند إحدى الأسطوانات الغربية مقابل باب الإدارة وكنت أراه بين أصحاب الصولة من زملائه في هاتين الزاويتين أغلب الأيام حيث يقضون صباحيات حوزية حافلة.
محب العمل ومحبوبه:
رجال العمل والنشاط الاجتماعي الديني هم من تشتاقهم ساحاته وترتاح لهم منصاته كما يشتاقون هم النزول فيها، وقد كان ممن يعصي راحته لتوفير السعادة في هذا الميدان وذاك، كيف لا وقد عاش الضنك بصبره العظيم وعزيمته القوية ولم يولِّ الدبر من ساحة العلم والعمل كما اتفق للعديد ممن زاملناهم و زاملهم، بل بقي على إصراره طيلة الخمسة والثلاثين عاما تقريبا.
ويتميز عمله أنه ممن يجدون فيه بصمت، فقد خدم الشعائر الدينية والولائية بحضوره الفاعل، و أدائه المتقن، وهي خدمة استمرت في ظروف الحضر والسفر، ومن أعظم الشرف قيادته لشعيرة الحج ردحا من العمر.
وأينما بحثت عنه في الحوزة بين الحوزيين أو مع المجتمع في صفوف المؤمنين فإنك ستلفيه خفيف الظل لا يكلف أحدا ولا يتكلف له أحد.
النهاية المرة:
لقد نجا من موت محقق خفقت فيه قلوب محبيه قبل عقد من الزمن عندما اتفق له حادث مروري مروع بالبحرين، ولكنه اليوم يصبح اكبر ضحية من ضحايا الحوزة في نازلة كورونا، فهو زهرة العلم والحلم، والزهرة لا هوى لها إلا في السماء فهي لا تنزل بعنقها عن النظر إليها إلا إذا ذبلت، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى