أقلام

الخطيب الحسيني الملا سعيد البوري الرجل العصامي

زكي الشعلة

إن رحلة حياة الإنسان تكون بين ميلاده وموته، فإذا كانت رحلته تتحلى بالإيمان والعطاء وحسن السيرة وجمال الأخلاق والعمل والكفاح والوعظ والإرشاد فتكون حياته في الدارين موفقة بالخير ومحفوفة بالبركة. فكان الخطيب الحسيني الملا سعيد بن الملا جواد البوري الذي كافح في عمله شركة الكهرباء للكد على العيال والسعي لتوفير لقمة العيش بكل عزة وكرامة، فلم يحتاج إلى أي أحد، ولم يطمع عما في أيدي الأخرين، فكان رجلا عصاميا، وعزيز النفس، رفيع الشأن.

كما هو معروف في بلدته حلة محيش بأنه تعلم على يدي والده الملا جواد البوري في بداية حياته التعليم الديني والخطابة الحسينية، وبعدها ارتقى المنبر الحسيني واعظا ومرشدا وناشرا لعلوم أهل البيت عليهم السلام ويرثي بصوته الشجي مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام متنقلا بين المجالس البسيطة والمتواضعة بالعادات الأسبوعية في بيوتات البلدة.

الملا سعيد البوري الخطيب الحسيني الذي يتحلى بالأخلاق الواسعة والتواضع الرفيع والاحترام والتقدير للصغير والكبير، فعندما يلتقي مع الصغار يداعبهم بابتسامته الجذابة، وعندما يلتقي مع الشباب يحثهم على العمل والاجتهاد وطلب العلم ويدعو لهم بالتوفيق في الدارين، وعندما يجلس مع الكبار يأنس بحديثهم ويستمع لخبراتهم بالحياة ويناقشهم بأمور الدين والدنيا واعظا ومرشدا.

عطاؤه في الخير الذي كان مخفيا عن الناس، يقدم الخير والعطاء في الخفاء، حيث استأجرت لجنة التنمية المحلية بحلة محيش لسنوات مضت محلا في بيته بسعر رمزي لأجل استمرارية العطاء التنموي في البلدة، وكان يشجعهم ويدعو لأعضاء اللجنة بالتوفيق، ولم يُذكر بأنه استاء يوماً من الأيام بما يعملون لأجل تنمية البلدة وأعضاء اللجنة القدامى يشهدون له بالخير والعطاء. وكل لجنة خيرية في البلدة إذا توجهوا إليه قدم لهم العطاء بما يستطيع وبكلمته الطيبة وبقلبه المخلص يدعو للجميع بالتوفيق.

الملا سعيد البوري الرجل العصامي الذي كافح وجاهد لأجل أسرته ومجتمعه، فكان يسأل عن مستقبل الشباب دوما وفرص العمل والوظائف المستقبلية المناسبة لهم وبالخصوص تشجيعه باستمرار الدراسة لأبنائه وأفراد مجتمعه والانضمام للجامعات النظامية، وكان يحثهم دائما الحصول على الشهادات العلمية والتخصصات النوعية لأجل استقامة حياتهم، وكان يعلم بأن العلم نور والجهل ظلام.

لقد استمعت عدة مرات إلى مجلسه المبارك في حسينية الشعلة يقرأ العادة الحسينية الأسبوعية، وكان واعظا ومرشدا واعيا، وبعد الانتهاء من المجلس الحسيني يجلس مع أحباءه وأصدقاءه ليستأنسوا لحديثه الشيق، وبعدها يتكلم مع الشباب بطريقته الخاصة، ويسأل عن مستقبلهم ودراستهم. أتذكر عندما ألتقي به في الطريق مرحبا ومهللا بالجميع بابتسامته الجميلة، ويقف برهة من الوقت يسأل عن الأحوال الحياتية والأهل والأحباب، ويسأل دائما عن الدراسة والكفاءات العلمية في البلدة، ويبتهج فرحا عندما يسمع بأن أحد أفراد المجتمع تخرج من الجامعة وتوظف، فكان همه الكبير أبناءه وأفراد مجتمعه بالصلاح والهداية والسعي نحو طلب العلم الديني والدنيوي.

رحم الله تلك الروح الطيبة التي أرثت الحسين عليه السلام بحنجرته التي لم تتوقف إلا عندما أقعده المرض، وحتى عندما كان مريضا ومتعبا بمرض السكر والضغط يذهب للقراءة الحسينية ملبيا الحسين عليه السلام ناعيا لمصيبته، ولم يشعر أحدًا من الناس بأنه متعبا حتى لا يتألم أحدٌ بآلامه، فكان يحمل الألم في قلبه متحملا متاعبه. فجزاك الله عنا كل خير ومعروف أبا محمد ، فقد كنت صبورا ومجاهدا وداعيا ومرشدا وواعظا وناعيا وقدوة لمن عرفك بأخلاقك وابتسامتك وحرصك على الشباب. غفر الله لك ورحمك الله رحمة الأبرار وأسكنك فسيح جناته مع محمد وآل محمد. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والمرجع لله وعندك نحتسبه يا رب العالمين، عفوك عفوك عفوك. الفاتحة لروحه الطاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى