اللوزة الدماغية كاشفة التهديد في الدماغ، لها أدوار واسعة في التوحد
ترجمة: عدنان أحمد الحاجي
اللوزة الدماغية هي عبارة عن بنية موجودة في عمق الدماغ، بحجم وشكل حبة اللوزة تقريبًا- التي منها أخذت اسمها.
وتوصف عمومًا على أنها مركز لاستشعار التهديدات في المحيط، ولمعالجة الخوف وغيره من المشاعر، الباحثون الذين قاموا بدراسة هذه المنطقة الدماغية يجادلون بأن وظيفة اللوزة الدماغية، أوسع من ذلك- وأنها تلعب دورًا حاسمًا في التوحد.
“المشاعر كجزء كبير من الفعالية الاجتماعية، ” يقول وي غاو Wei Gao استاذ العلوم الطبية الحيوية، المشارك في سيدار- مركز سيناء الطبي في لوس أنجلوس، كاليفورنيا.
“لذا أعتقد أن اللوزة لابد أن يكون لها دور كبير، في ظهور أو تطور سمات لها علاقة بالتوحد”، اللوزة الدماغية هي مركز الرصد/ المراقبة في الدماغ: منهمكة في التعرف عندما يقترب شخص ما بوجهٍ مغضبٍ ولغةِ جسدِ معادية، تضغط على جرس الإنذار عندما يمر نحل العسل بطنينه عليك، وتنتبه عندما تعلمك أمك كيف تعبر الشارع بأمان.
وتشير إلى أي اتجاه تسير السيارات القادمة- وبعبارة أخرى، الأشياء التي على الناس أن يهربوا منها، ولكن أيضا تلك الأشياء التي ينبغي عليهم أن ينظروا باتجاهها، ويعتنوا بها ويتذكروها.
وبذلك المفهوم، يقول الباحثون، فإن هذه العقدة الصغيرة من النسيج الدماغي تظهر مدى تشابك المشاعر، والسلوك الاجتماعي لدى البشر، “الأحداث الهامة تنزع إلى أن تكون انفعالية في طبيعتها” ،كما تفعل أكثر جوانب السلوك الاجتماعي، يقول جون هرينغتون Herrington، الأستاذ المساعد في الطب النفسي في مستشفى فيلادلفيا للأطفال في بنسلفانيا.
نتيجة لذلك، لطالما كانت اللوزة محورية في أبحاث التوحد، ولكن دورها الدقيق في هذه الحالة لا يزال غير واضح، لمعرفة كيف تساهم هذه البنية (اللوزة الدماغية) الصغيرة في التوحد.
قد يحتاج الباحثون إلى إلقاء نظرة واسعة- على كيف تطورت اللوزة بمرور الزمن، وارتباطاتها بشبكات الدماغ الكبرى؛ ودورها في حالات أخرى، وخاصة في القلق، الذي يصاحب التوحد في كثير من الأحيان.
مسار متضرر
منذ خمسينيات القرن الماضي، أوحتى دراسات على الرئيسيات بأن اللوزة الدماغية هي لاعب رئيسي في السلوك الاجتماعي.
إذا أصيب القرد الأكثر هيمنة في مجموعة اجتماعية بأضرار في لوزته الدماغية، فإن مكانته في التسلسل الهرمي، ستنهار في الحال، الناس الذين يصابون بتلف في اللوزة الدماغية لديهم سلوكيات اجتماعية تشبه التوحد، كتجنب الاتصال بالعين وصعوبة الحكم على تعابير الوجه، ولكنهم لا يستوفون معايير التشخيص بحالة التوحد.
بنية أو وظيفة اللوزة الدماغية المتضررة رُبطت بكل حالة عصبية نفسية تقريبًا، من القلق والاضطراب ثنائي القطب إلى الفصام، مما يجعل الكلام عن كيف يمكن للوزة الدماغية، أن تفسر بنحو فريد سمات التوحد صعبًا.
بداية من عام 2000، أظهرت دراسات التوحد بعد الوفاة على أشخاص لديهم توحد، أن هؤلاد الأشخاص لديهم عدد أقل من الخلايا العصبية، في لوزاتهم الدماغية مما لدى مجموعة الضبط، وقد اقترحت بعض دراسات التصوير أن بنية اللوزة الدماغية صغيرة بشكل غير معتاد في أدمغة الذين لديهم توحد.
لكن البعض الآخر يشير إلى أن الأطفال الذين لديهم حالة توحد، غالبًا ما يكون لديهم تضخم في اللوزة، هذه النتائج التي تبدو متناقضة قد ترجع إلى الاختلافات في أعمار المشاركين في الدراسة.
تقول كريستين وو نوردال، برفسورة في الطب النفسي، والعلوم السلوكية بجامعة كاليفورنيا في معهد ديفيس مايند MIND : “تُظهر الكثير من دراسات التصوير البنيوي، تضخم اللوزة في الأطفال الصغار ولكن ليس في الأطفال الأكبر سنًا”، في الأشخاص السليمين (بدون توحد)، تستمر اللوزة الدماغية في النمو لفترة أطول، إلى مرحلة البلوغ أكثر من مناطق الدماغ الأخرى.
وعلى النقيض من ذلك، في الأشخاص الذين لديهم توحد، تنمو بشكل أسرع من المعدل الطبيعي في مرحلة الطفولة المبكرة، حتى حدود 12 عامًا، ثم تتناقص، وقد تضمر.
“التغير البنيوي في اللوزة ليس بالضرورة حدثًا منفردًا في زمن معين، يختلف بين أشخاص التوحد، بل هو “مسار نمو” بنحو أكثر، كما تقول سينثيا شومان، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، في ديفيس، تظهر دراسات شومان لأنسجة الدماغ بعد الوفاة نفس النمط: في الأطفال الصغار الذين لديهم توحد، تحتوي اللوزة الدماغية على عدد أكبر من الخلايا العصبية.
التي تعمل توصيلات عصبية أكثر من تلك الموجودة في المجموعة الضابطة، وهذه الخلايا العصبية الزائدة تختفي في الأطفال الأكبر سنا.
المشاعر والاهتمام:
في عام 2000، الباحث البريطاني سيمون بارون- كوهين Simon Baron-Cohen نشر ورقة مؤثرة مفصلة عن ‘نظرية اللوزة للتوحد’ التي وضعها، وناقش فيها بأن وظيفة اللوزة الضامرة يعيق قدرة من لديهم توحد على الانتباه /الإهتمام وعلى تفسير المعلومات / المدخلات الاجتماعية، ولكن الصورة أصبحت فورًا أكثر تعقيدًا.
على سبيل المثال، دراسة نشرت في عام 2005 أظهرت أنه عند تقييم الباحثين لتعابير الوجه، أظهر الذين لديهم توحد نشاطًا أقل في اللوزة الدماغية من مجموعة الضبط.
ومع ذلك، عندما نظر هؤلاء الى منطقة العين من الوجه، اشتعلت اللوزة بالنشاط بقوة أكبر من تلك التي لدى مجموعة الضبط، في الواقع، هناك بعض الأدلة على أن الصعوبة التي يعاني منها هؤلاء الأطفال في تفسير المشاعر، قد تنتج عن التنشيط المفرط للوزة الدماغية.
اللوزة ليست المركز الوحيد لمعالجة المشاعر، ومع ذلك، “المزيد والمزيد من الأدلة توحي بأنها لا تعمل وحدها؛ انها فعلاً تعمل بوصفها المركز الرئيس لشبكة منقسمة “غاو يقول.
على سبيل المثال، تتصل اللوزة الدماغية بالحُصين لتمييز الأحداث المهمة مشاعريًا في الذاكرة، وإلى جذع الدماغ لتنسيق استجابات الكر أو الفر في الحالات الخطرة، وإلى القشرة الجبهية لتنظيم الاستجابات الإنفعالية والتحكم فيها،
عمل توصيلات :
توحي بعض الدراسات إلى أن ضعف التوصيلات بين هذه المناطق، قد يفسر الصعوبات الاجتماعية التي يعاني منها الذين لديهم توحد.
في الورقة التي نشرت في 2016، على سبيل المثال، ذكرت نوردال Nordahl وزملاؤها أن الأولاد الذين لديهم توحد، الذين يعانون من ضعف في الاتصالية connectivity بين هذه المناطق، لديهم أيضًا سمات توحد هي الأشد حدة.
في دراسة متابعة نُشرت هذا العام 2020، أظهر فريق البحث أن الاتصالية المتضررة في اللوزة الدماغية، هي أكثر وضوحًا في الفتيات اللاتي لديهن توحد منه في الأولاد الذين لديهم توحد، التوصيلات بين اللوزة الدماغية، والقشرة ما قبل الجبهية، وهي منطقة معنية بتنظيم المهام المعقدة، تبدو أنها مهمة بشكل خاص لتنظيم المشاعر، وهي أضعف لدى الذين لديهم توحد.
يحقق كيڤين بلفري Kevin Pelphrey وفريقه في ما إذا كان العلاج السلوكي الإدراكي، يقوي هذه التوصيلات، من المحتمل أن تكون للتوصيلات بين اللوزة الدماغية، والقشرة ما قبل الجبهية جذور في فترة الرضاعة، وفترة الدرج (حين يكون الطفل دارجًا) .
الأطفال حديثو الولادة، للوزة الدماغية توصيلات قوية بالمناطق الحسية والحركية في الدماغ، يقول غاو Gao إن هذه بحد ذاتها نتيجة مدهشة، لأن عددًا قليلًا نسبيًا من التوصيلات الطويلة النطاق موجودة في دماغ الوليد الجديد، ولكن خلال العامين الأولين من العمر، تتقلص روابط اللوزة الدماغية في هذه المناطق الحسية والحركية، وتكوّن اللوزة الدماغية روابط مع القشرة ما قبل الجبهية، التي تبدو مشابهة للدارات circuits المسؤولة عن تنظيم المشاعر لدى البالغين.
يقول غاو: “قد تكون هذه الفترة حاسمة لظهور مثل هذه القدرات”، وهي أيضًا الفترة التي تتكشف خلالها علامات التوحد المبكرة.
العلاقة بالقلق:
يحقق بعض الباحثين في العلاقات بين اللوزة والحالات التي تصاحب غالبًا التوحد، لكن الاعتراف المضطرد بأن التوحد غالبًا ما يُصاحَب بالقلق، يشكل لغزًا جديدًا للباحثين الذين يدرسون اللوزة الدماغية: الصعوبات الاجتماعية لدى الذين لديهم توحد مرتبطة بنشاط متقلص في اللوزة الدماغية، ولكن القلق مرتبط بزيادة في نشاط اللوزة.
في دراسة تصوير اللوزة نشرت عام 2016، وجد هيرينغتون، وزملاؤه أن اللوزة الدماغية متورطة في القلق أكثر منها، في الصعوبات الاجتماعية في الأشخاص الذين لديهم توحد.
وفي العام التالي، أظهر الباحثون أن اللوزة الدماغية في الأطفال الذين يعانون من كل من التوحد والقلق، أصغر مما في المجموعة الضابطة، ولكن لها حجم متوسط في أولئك الذين لديهم توحد فقط، تقول نوردال: “ربما تقوم اللوزة الدماغية بعمل شيء مختلف في أولئك الأطفال” الذين يعانون من كلتا الحالتين.
توحي الدراسات التي أجرتها نوردال إلى أن نوع الجنس (ذكر أو أنثى) قد يكون أيضًا أحد العوامل المؤثرة، بين الأطفال في سن 3 سنوات الذين لديهم توحد.
الفتيات المصابات بالقلق، يعانين من تضخم في اللوزة اليمنى، ولكن الأولاد المصابين بالقلق لا يعانون من تضخم في اللوزة، (في الأولاد، يبدو أن جزءًا من القشرة ما قبل الجبهية مرتبطة بالقلق)، يعمل الباحثون على تطوير تقنيات لتمييز الأجزاء المختلفة، للوزة في دراسات التصوير والدراسات الأخرى، والتي يمكن أن تساعد في تفكيك وظائف اللوزة المختلفة.
تشير إحدى هذه الدراسات إلى أن جزءًا من اللوزة يسمى النواة القاعدية الجانبية basolateral nucleus قد يكون مرتبطًا بالقلق، والاكتئاب لدى الأطفال الذين لديهم توحد.
لكن تفكيك وحدات اللوزة الفرعية هذه أمر صعب، يقول هيرينغتون: “ويمثل تحد كبير، وهو خارج حدود قدرة ما يمكن أن توفره التكنولوجيا الحالية في هذه المرحلة – وهو أمر ليس بالجيد، لو كنت شخصًا مثلي”.
ما قبل الجبهية، التي تبدو مشابهة للدارات circuits المسؤولة عن تنظيم المشاعر لدى البالغين.
يقول غاو: “قد تكون هذه الفترة حاسمة لظهور مثل هذه القدرات”، وهي أيضًا الفترة التي تتكشف خلالها علامات التوحد المبكرة.
العلاقة بالقلق:
يحقق بعض الباحثين في العلاقات بين اللوزة والحالات التي تصاحب غالبًا التوحد، لكن الاعتراف المضطرد بأن التوحد غالبًا ما يُصاحَب بالقلق، يشكل لغزًا جديدًا للباحثين الذين يدرسون اللوزة الدماغية: الصعوبات الاجتماعية لدى الذين لديهم توحد مرتبطة بنشاط متقلص في اللوزة الدماغية، ولكن القلق مرتبط بزيادة في نشاط اللوزة.
في دراسة تصوير اللوزة نشرت عام 2016، وجد هيرينغتون، وزملاؤه أن اللوزة الدماغية متورطة في القلق أكثر منها، في الصعوبات الاجتماعية في الأشخاص الذين لديهم توحد.
وفي العام التالي، أظهر الباحثون أن اللوزة الدماغية في الأطفال الذين يعانون من كل من التوحد والقلق، أصغر مما في المجموعة الضابطة، ولكن لها حجم متوسط في أولئك الذين لديهم توحد فقط، تقول نوردال: “ربما تقوم اللوزة الدماغية بعمل شيء مختلف في أولئك الأطفال” الذين يعانون من كلتا الحالتين.
توحي الدراسات التي أجرتها نوردال إلى أن نوع الجنس (ذكر أو أنثى) قد يكون أيضًا أحد العوامل المؤثرة، بين الأطفال في سن 3 سنوات الذين لديهم توحد.
الفتيات المصابات بالقلق، يعانين من تضخم في اللوزة اليمنى، ولكن الأولاد المصابين بالقلق لا يعانون من تضخم في اللوزة، (في الأولاد، يبدو أن جزءًا من القشرة ما قبل الجبهية مرتبطة بالقلق)، يعمل الباحثون على تطوير تقنيات لتمييز الأجزاء المختلفة، للوزة في دراسات التصوير والدراسات الأخرى، والتي يمكن أن تساعد في تفكيك وظائف اللوزة المختلفة.
تشير إحدى هذه الدراسات إلى أن جزءًا من اللوزة يسمى النواة القاعدية الجانبية basolateral nucleus قد يكون مرتبطًا بالقلق، والاكتئاب لدى الأطفال الذين لديهم توحد.
لكن تفكيك وحدات اللوزة الفرعية هذه أمر صعب، يقول هيرينغتون: “ويمثل تحد كبير، وهو خارج حدود قدرة ما يمكن أن توفره التكنولوجيا الحالية في هذه المرحلة – وهو أمر ليس بالجيد، لو كنت شخصًا مثلي”.