أقلام

الرؤى العائليّة ضرورة

طه الخليفة

في أواخر القرن المنصرم، أصبحت صياغة الرؤى للمؤسسات، سواءً كانت حكوميّة، أو تجاريّة، أو غير ربحيّة، من أهم عوامل نجاحها، بل تعدّى ذلك ليكون من أبرز أدوات التعريف بتلك المؤسسات، ومن نافلة القول، سنأتي هنا بتعريف الرؤية، فهي وصف للحالة، التي يسعى فرد، أو مؤسسة للوصول إليها بعد فترة طويلة، عشر سنوات على سبيل المثال.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو لماذا اكتسبت صياغة الرؤى هذه الأهميّة؟
وسنذكر هنا أهم المكتسبات لامتلاك الرؤى:

١- الرؤية تعمل كالبوصلة، التي تحدد الاتجاه للهدف البعيد المدى، للقيادة ولكل أعضاء المؤسسة، والمتأثرين بها.

٢- تساعد الرؤية على تحديد الأهداف المرحليّة في مسيرة المؤسسة.

٣-تشكّل الرؤية المرتكز الأهم في بناء الاستراتيجيّات المناسبة للوصول للأهداف.

٤- تكون الرؤية الأساس لتحديد هويّة المؤسسة: من نحن، وماذا نريد أن نكون.

٥- تكون الرؤية للمؤسسة المحور، الذي تلتّفُ حوله، الرؤى، والأدوار لمكوّنات المؤسسة.

أثبتت التجربة أن هذه المكتسبات للرؤية، ترفع من الإحساس، والاعتزاز بالانتماء، و تحسّن الأداء، والقدرة على المنافسة، وتمنح المؤسسة، وأفرادها حصانةً ضد العوامل المؤثرة على المسيرة نحو الهدف المنشود، وكلما كانت الرؤية أكثر وضوحاً، ونبلاً، كلًما ازدادت هذه المكتسبات قوة وتأثيراً على الفرد، والمجموعة.

وهنا نتساءل:
إذا كان لتحديد الرؤية في المؤسسات كل هذه المكتسبات، كما برهنت على ذلك التجربة، فهل يمكن توظيفها في جوانب أخرى من حياتنا؟

الفرد لبنة المجتمع، والمجتمع يوفّر البيئة، التي يعمل من ضمنها الفرد، فالمجتمع، وإن كان هيكلاً غير تنظيمي، إلا أنه كيانٌ واقعي، وذو أثر كبير على مكوّناته.

ينقسم المجتمع في تكوينه إلى عوائل، وأسر، ومن ثم افراد، وحصيلة أداء المجتمع هي مجموع أداء مكوّناته، عوائلاً، وأسراً، وأفراداً. من هذا نرى أنّ هناك تشابهاً كبيراً بين المجتمع، والمؤسسات، التي تنقسم إلى مكوّنات أصغر، مثل الدوائر، والأقسام، والوحدات والأفراد.

تتمايز المجتمعات فكرياً، وثقافياً، ودينيّا، واقتصادياً، وتاريخياً، فلكل مجتمع هويّته الخاصة، ولا شك أن عالم اليوم، قد أصبح يهدّد هذا التمايز، فنحن نعيش في عالم صغير، متشابك إلى درجة كبيرة، اختلطت فيه الثقافات، والعادات. وكذلك من الواضح، أن الفرد يتعرّض لمؤثرات كثيرة، فكريّة، وإعلامية، واقتصاديّة، وأن هذه المؤثرات تتراوح بين الإيجابية، والسلبيّة، فبعضها قد يشكّل أخطاراً على مسيرة الفرد، وبالتالي على مسيرة المجتمع.

لمّا كان الفرد أساس كل مجتمع، والمجتمع هو البيئة للأفراد، وأن كل منهما يتأثر بالآخر، إننا نرى أن صياغة رؤى مجتمعيّة ضرورة ملحّة، يستمدّ منها الأفراد إحساساً بالانتماء، والهويّة، اللذين ينعكسان إيجاباً على حياة، ومسيرة كل فرد، ويوفّران حماية ضد المؤثرات السلبيّة المتكاثرة. قد يعارضنا البعض بالقول، أن ذلك متعذّر، إذ لا يمكن جمعْ مجتمعٍ تحت مظلّةٍ واحدة، وهذا القول صحيح غالباً، ولكن يمكن تجاوز ذلك بالعمل من خلال العوائل.

إنها دعوة لعوائلنا المحترمة، أن تعمل على صياغة رؤى طموحة، مبنيّة على فكرنا الثري، وثقافتنا الأصيلة، وانتمائنا المشرّف، ورسالتنا الغراء، لتكون روافدَ لكل فرد من أبنائنا، وبناتنا، في الفكر والسلوك، والعمل، والطموح، وتكون حصوناً، تقيهم فلتات الفكر، وغيَر الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى