أقلام

خنساء الأحساء

إبراهيم سلمان بوخمسين

جرت العادة في التعريف بالأدباء والأديبات والشعراء والشاعرات بذكر أسماءهم في مقدمة المقال أو الدراسة، ولكني هنا سوف أسبح عكس التيار وأترك الاسم إلى آخر المقال أو من خلاله، وسأترك للقارئ معرفتها من خلال شعرها ونثرها وأدبها، وإن كان شغفك بمعرفة الاسم كثيراً فيمكنك الذهاب إلى ذيل المقال. ولكن لا يفوتك الاستمتاع بما فيه.
يعرف المتألقون بما يقولون وقد يفتخر بعضهم بذلك فها هو نبي الشعر أبو الطيب يقول:
أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي * وَأسْمَـعَـتْ كَـلِماتـي مَنْ بـهِ صـَمَـمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَـوَارِدِهَـا * وَيَـسْهَـرُ الخَـلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ
ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُـنـي * وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ.

ما أجمل واحتنا الأحساء شعراؤها كالنخيل رطبها الشعر والتمر، وزهورها الشاعرات شذاها الشعر والعطر.
شاعرتنا هذه فسيفساء جميلة قد أعطاها الله من المواهب والكفاءات المتعددة، فقد تنقلت بين المكتبات كالنحلة تمتص رحيق زهور كتبها وهي لما تزال فتية، وهي بعد ذلك من الأسر المرموقة. تحتار من أي باب تدخل لها ” جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ” فهي شاعرة مرهفة أبحرت في قوافي الشعر وفنونه وأغراضه، وهي كاتبة بارعة سواء في المقالة أو النثر أو الخاطرة، نالت شهادة الماجستير في أدب الطفل. لها إصدارات منها ” قصص الأطفال في نماذج من الأدب السعودي”، دراسة فنية دلالية. وعطاؤها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يخفى على أحد. إنه عطاء الله الذي لا ينزف ” أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ” فكان وادي شاعرتنا مما ناله النصيب الأوفر.
ترصد الأحداث وتقولبها في قوالب شعرية أو نثرية أو قصصية، مستخدمة التضامين القرآنية والمعاني المعنوية لترسل رسائلها إلى المجتمع، تستخدم الأسلوب السهل والحكايات مدللة بالشواهد الحية التي عاشها الناس قديماً، حافظة بذلك تراث المنطقة.
لا أدعي بأني من الناقدين أو من المحللين ذوي الباع الطويل، ولكنها محاولات خجولة لدراسة بعض الظواهر الأدبية في منطقتنا، ولقد حاولت قدر الإمكان بشكل مختصر التطرق الى أدب خنساء الأحساء، هذا الاسم الذي أحببت أن أطلقه عليها في جميع تعليقاتي لقطعها الأدبية والنثرية التي تنشرها.
شاعرتنا اكتشفت ملكاتها الذاتية منذ نعومة أظفارها، تقول في لقاءها مع الأديب ناصر المشرف التي نشرت حلقاتها في صحيفة بشائر: ” في سرد الذكريات أجدني طفلة تدندن ببعض الأبيات في سطح الدار أثناء اللعب مع المجموعة، وتبتكر ألعابا جماعية على شرف دندناتها، وتهتم بكتابة العبارات الجميلة في دفاتر الذكريات التي دأبت تلميذات المرحلة المتوسطة على تبادلها، وكذلك التعبير الصادق والمشحون بالعواطف في بطاقات الإهداء”. هذه الملكات جعلت لها بصمة وأسلوباً تتفرد به آخذة بقول الشاعر الكبير جاسم الصحيح ” كوني أنتِ، ولا تكوني أحدا آخر”. وكما قال المثل ” وراء كل رجل عظيم امرأة ” فإن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم، فقد يكون الأب أو الزوج أوكلاهما.
إن ذوبان شاعرتنا في القصيدة يجعلها تذهل عن الطعام والأولاد، تقول: (إحدى القصائد تملكت شعوري واحتدمت بالداخل، لم أستجب لنداء (حان وقت الغداء) لعلمي بأن حالتي الفسيولوجية إن تغيرت فسيشغلني ذلك عن المتابعة، ويسبب التشتت، وضياع الدفقة الشعورية، لذلك آثرت تحمل الجوع، والصيام عن الطعام ريثما تكتمل القصيدة، واستمر المخاض الكتابي حتى صلاة المغرب، حينها أنهيت صيامي، بعد أن استعدت لحظات الجوع التي غلبتها حالة التوجه والتماهي مع الأوزان والمعاني والقوافي.
قصيدة أخرى تملكتني، كنت أتحرك بجسدي كرجل آلي، وألبي متطلبات الأولاد، لكن الموضوع الشعري كان قد تملك كافة الحواس، خرجت معهم، واتخذت ركنا قصيا لإكمال ممارسة النزف، نزفت ونزفت ونزفت حتى اكتمل النص. فكانت أجمل فرحة بميلاد ابن جديد، فكل نص هو ابن من أبنائي أذوب في حبه إخلاصاً حتى أحسن تشكيله”.
في باب الحكايات والقصص: تشتم رائحة الماضي وترسم صورة حية ماثلة أمام عينيك متحركة كتبت بأنامل مقتدرة: ” في حديث مبلل برائحة الماضي، مفعم بعبق الذكريات حيث تنبعث من خبايا النفس، من صندوق الأفكار ذكريات بعيدة، آتية من بقايا الماضي، حيث (فرجان الأحساء) مادة أذرعتها الرملية، محتضنة بيوتها الطينية المتراصة، عبر أزقتها الضيقة و ممراتها الملتوية. وفي نبش سجل الذكريات ونفض غبار النسيان عن الذاكرة المتعبة نكهة متميزة وطعم في تذوقه متعة يتيمة.
هنا جدتي (أم حسين المحمد الحسين) تعيدنا في حوار شائق إلى رائحة التراث، إلى أريج البيوت الطينية، إلى أضواء الفوانيس التي تغازل هدوء المساء، إلى هدأة الليل النازح. كنا نخيط (الكردية) بأيدينا وهي عبارة عن عود نغطيه بالخرق ونخيطها عليه، ثم نضيف الأيدي
والأرجل. وكنا نلعب بهذه الكرادي. وكذلك نلعب اللقصة بالحصي. أما (الشكّة) فقد كانت لعبة مخصصة للأولاد. وكذلك (المقوّرة، والزنبور: الدوامة).
وكان الرجال في فصل الشتاء يخيّمون في البر ويصطادون الجراد. يحملونه إلى المنازل (فنفوّح) بعضه ونأكله و(ننشر) البعض في السطوح لبيعه أو استخدامه في وقت آخر، وكذلك كانوا يجمعون (الطراثيث).
ولا تخفي حنينها إلى الزمن الماضي، بالرغم من وجود كل مقومات الترفيه في زمننا الحاضر في هذا النص الجميل: ( الزمن الجميل الذي لا يخلو من تأريخ وتخليد لألعاب كنا نلعبها وكاد الزمن يمحوها من ذاكرتنا:
زمن الطيبين
زمن القناعة.
زمن كان كل شيء يُقدم إلينا يفرحنا ويُدخل البهجة إلى قلوبنا البريئة.. نفرح بآيسكريم بو ريال، وبزجاجة بيبسي أم نص. و بكوب شاي بو ريال من البوفيه، وبشاورما أم ثلاثة ريال، ونفرح بكوب كافيه بريالين.. نفرح باللعبة و العروسة والكيرم واللودوستار، والحية والسلم ونلعب الغميضة، واللقصة، والشكّة. كل شيء يفرحنا ونحبه.
ولم نشتكِ يوماً من الملل، ونشعر بالامتنان لأهالينا حيال ما يقدموه إلينا، طفل اليوم أصبح ملولاَ، لا يرضيه شيء، ولا(يترس) عينه شيء، لا يقبل إلا بقهوة باردة من ستاربكس ثمنها في العشرينات، ويريد الوجبات السريعة والبيرجر التي لا تقل تكلفة الواحدة منها عن خمس وعشرين ريال)

وذكرتني ” سوالف صيفها ” ببيت جميل لأحمد شوقي للنخلة واصفاً إياها كالعروسة:
وَباسِـــقَـةٍ مِن بَـنـاتِ الـــرِمـالِ * نَـمَـت وَرَبَـت في ظِلالِ الكُـثُــب
وَصـيـفَــةَ فِـــرعَـــونَ في ساحَةٍ * مِــنَ الــقَــصــرِ واقـِفَـةً تَـرتَـقِـب
قَـدِ اِعـتَـصَبَت بِفُـصوصِ العَقيقِ * مُــفَــصَّلَـــةً بِـــشُــــذورِ الــذَهَـب
فهل “خنساؤنا” قصدت ذات المعنى وراحت تشبهها كغيداء عقصت جدائلها وارتدت قرطيها، في نصها هذا:
(قالت لي النخلة وقد عقصت سعيفاتها جدائل خضراء، و تدلّت ساقاها في ماء (الثبر ) وارتدت قرطيها رطباً جنياً:
القيظ جمرة!
كل عام يكتوي الناس بـ (آب اللهاب) و(تموز اللي يخلي الماي يغلي في الكوز) فتشد أشعة الشمس أوج همتها .. وتصعد شاهقة إلى كبد السماء، وتهطل الرطوبة على الأرض حتى تخالها ضباباً متعاظماً. فترشف جبائن البساتين بالعرق، وتحرق الشمس وهج الاخضرار ولا عاصم من حرارة الأشعة.. وهنا سعيفاتي تمنحكم أيها البشر مراوح تسرّي عنكم بعض حرارة القيظ، ورطبي طعاماً بارداً ينعش العطشى)
إنها النخلة التي ألهمت شاعرتنا كما ألهمتنا أن نقف شامخين كما جاء في الأقوال المأثورة ” يموت النخل واقفاً ” كناية عن الصمود والأنفة.
أما لو أردنا أن نرد هذه الفسيفساء أو الجنة من باب المساجلات الشعرية التي يطلق عليها بالإخوانيات، فإنه لا يقل جمالاً وألقاً عن باب القصص والخواطر إذا ما عرفنا بأن على الشاعر الالتزام بنفس القافية والمعنى، ولا سيما إذا جاءت هذه المساجلات وجرت مع عمالقة الشعر في واحتنا الجميلة الأحساء.
فجاءت على صفحات تويتر مساجلة لطيفة دارت رحاها بين طرفين: أحدهما الشاعر المتألق جاسم محمد عساكر، والآخر شاعرتنا ” خنساء الأحساء” رباب النمر، ولا يخفى ما ذكر فيها من الأكلات الشعبية كالكبسة والمموش والمندي والجريش.
قال الشاعر عساكر:
‏على (الريجيمِ) أعـلـنتُ انــقـلابي * فـلــيسَ على المُـجـوّعِ، من عـتابِ
ومـائــدةُ الــطـعـامِ، إذا دَعَـــتْــني * فـلـيـسَ سِـوى لـهـيـئـتِها انـتِـسـابي
يــعــزُّ عـــليّ إذْ يــــعـلــو نـــداءٌ * لـبـطـــــني، أن يـظـلّ بـلا جــوابِ
‏فـهـل لي أن أرى (المنـديَّ)..تأتي * روائــحُــهُ، وأبــقى في صــــوابي؟
وأن تــرنو الكــنافـةُ لي ابـتـهـاجاً * فأرمــقُــهـا بــنـظْـراتِ اكــتــئـــابِ؟
وألــعــنَ كعـكـةً في الصحنِ لـكـن * يــسيـلُ عــلى مـفـاتـنِـها لُـعـابي؟
و(أمّ عـليٍّ) انـتــظـرتْ وصـــــالاً * ولم تُـشغـلْ بـتــعــديلِ الحـجـابِ؟
‏وأعـظمُ مـنهُ، أن أمضي بـجـوعي * فأدعو من صحبتُ، على حسابي
فـيـدفـع لي من السـلطـاتِ صـحـناً * ويفـجُرُ، في العـرائــسِ والكـبابِ
ومــالي إن دعـــيــتُ، إلى غـــداءٍ * لــذيـذٍ، أن أجــــامل أو أحــابــي؟
‏فــكم فـكـرتُ في تـطنـيـشِ بـطـني * فكــانتْ (كـبسةٌ) فـصلَ الخطابِ
وكــم طــبـقٍ من الحــلوى، غــنـيٍّ * خلوتُ بهِ – تراني – أم خلا بي؟!
يــطالــعـُني، وأرمـقـُـهُ فــنــــبــكي * مــخـافـةَ ما يــحلُّ منَ الــعــقـابِ
فـإن أقـــدمـتُ، حـالـفـــني عــذابي * وإن أحــجــمـتُ حالــفــني عذابي

فجاء رد خنساء الأحساء على الأبيات بأبيات:
سـتعـلن حـربـها منـك الكـروشُ * و تُــبـنى في ثـنـايــاك الـعـــروشُ
فحـصّـن بالــرجــيـم بـنـاء نـفــس * ولا يــغــريـك (وردٌ) أو مــروشُ
وقــــلـل يــا رعــاك الله زيـــــتــاً * إذا يـطــغى: تــكـاثــرت الــنعوشُ
وكان رد عساكر:
‏‎أنا والــجــوعُ والــرغــباتُ، ماذا * على ظـبيٍ، تـحـاصرُهُ الوحــوشُ؟
أحـاولُ أنْ أُمــارسَ أكــلَ خــــسٍّ * فـيـنـتصرُ الـمـمــوّشُ والـجـريشُ
ومــالي رغــبةٌ فـي الـعــيــشِ إلاّ * على ما كانَ ذو كــرشٍ يــعــيــشُ
وما تــبـني الــنــحـافـةُ أيّ جــــاهٍ * فإنّ الــجـاهَ، تـصـنــعُــهُ الكـروشُ
إذا لاحَ الـوجــيــهُ بــغــيرِ كـرشٍ * فــما زانــتْ بـجــلســتهِ الـعـروشُ!!

وردت خنساء الأحساء:
‏‎إذا انـتــصر المـُمَــوَّشُ والجريشُ * سـتـعـثي فـيـك للضغـط الجيوشُ
وتُـقـلـقُ نبـضَك (المضبوطَ) قسرا * وتـدعـو (سُكـراً) كـيـما يـجـيشُ
فـدع عــنـك الدهون وكن شـباباً * طـوال الـدهرِ (صَحِّــيّاً) يـعـيشُ
رد عساكر:
‏‎وحــقّــكِ يا (ربابُ) وما يـجـــيـشُ * بصدري، حينَ أحلامي تطيشُ
لـقــــد أسْــــفَــرتِ بـالآراءِ، حــتّى * زهـا وجــهٌ لهــا فــيـنا بـشـوشُ
فــحـسـبي مـنــكِ أن أسديتِ نُصحاً * له في الروحِ -من ذهبٍ- نقوشُ
سأبـدأُ رحــلةَ الـتـنــحـيـــفِ حــتّى * لَيَـغـبطَ خـفّـتي في الأفـقِ ريـشُ
وأحــمــي مِــعْــدَتي دوْماً بــكــفّـي * كـمَا تـحــمي نواظريَ، الرُّموشُ
وجاء رد الخنساء:
‏‎عــهـدتـك شـاعـرا عـذبَ القــوافي * رشــيــقَ اللـفـظِ ، ملمحُهُ بشوشُ
تُـرقِّـص بـيـن زنـــديـكَ الـمـعــاني * وسهـمُ السحرِ عنـدك ، لا يطيشُ
و فــي شُـــرُفــاتِ وردِك أيُّ نــورٍ * تـهـاوى عــنــد خافِـقِه الــعروشُ
ولــيـسـت في الـعـذوبةِ أيُّ نـفسٍِ * تــرهَّـلُ في حـواشــيـها الكـروشُ
‏‎فـنعـنـش بالعـصــيرِ تــكن أمـيرا * ولا يـغــريك (عـيشٌ) أو جـريشُ

– وعلى صفحات الفيس بوك كانت ثمة مساجلة، طرفاها
الأستاذ عبدالله الرستم، ورباب النمر. كتبت رباب النمر (صبيٌ رائق).

أجـنّـــني هــذا الصّـبـي * ولـــيـس عــنـدي مـهـربُ
في الـلـيلِ يـبكي دائـما ً * وفي الــضــحى يُــخــرّبُ
يــحـوسُ في مـطـبخــنا * أغـــراضــنــا (يُــكَــبِّـــبُ )
بـوقــتِ طـبخــي خـلتُـهُ * مِــنّي حــنــاناً يــطــلــــب ُ
يحـضـنُ سـاقيَّ على الـ * أقـــدامِ رِجـــلٌ تـضـــربُ
مـلعــقـةٌ تــجـــوسُ فـي * طـــعـامِـــنا والــمـــشرب ُ
يُــلـقي بــــقـــايا أكــلِــهِ * بـــمـشـربي فأغـــضـــبُ
لا وجــبــةً هــنـــيــئـــةً * أو شــربـــةٌ لي تـــعـــذُبُ
إن شـاهـدَ الحاسوبَ في * حـجــري بــدا يـنــتـــحب ُ
أو يــأتــنــي مــداهــنـــاً * أزرارَهُ يـــــجـــــــــــرّبُ
أصــابــعٌ صــــغـــيــرةٌ * في شــــاشــتـي تَــلَاعَــبُ
وإن رآنـــــي لـــــكــــتا * بٍ في يــــدي أداعــــــبُ
يــجــلسُ في أحـــشائــهِ * أوراقَــــــــهُ يُــــقــــلِّــــبُ
يــخــطــفُ مـنّي قـلــماً * مُـــجـــنّــحا فــــيـــكـــتـبُ
هــذا حــبـيــبي فـلــذتي * أفـــعـــالَهُ ما أطــــيــــــبُ
قــد مـنــحَ الـبــيــت دلاَ * لاً حــــيـــنما يُــــشـاغِـبُ
وامـتــلأ الـقــلـبُ بـحبٍّ * لــــــعــــــليٍّ يُـــــطــرِبُ
وحـــبُّــــهُ أجـــــــنّـــني * كالـسلــسبـــيلِ أعــــــذبُ
لا خــيــر فـي مــنــازلٍ * لــــيس بـــــها مــشاغب ُ
وجاء رد الرستم:
قــصـــيــدةٌ جــمــيـلـــة ٌ * لــيــس لـهــا مُـعــرّبُ
حــيـثُ أعادَت نــشـوتي * في غــفــوة و أطربُ
فــعــــنـدنا ما عــنـــدكم * طــفــلٌ يـحــبُّ يــلعبُ
فــإنــــه مــــخــــرّبٌ * لــكـــنّــــه مــحـبّـــبُ
يلهو معي في يقظتي * وللــــريالِ يــــطلـــبُ
مــزعــجـةٌ أحــوالُـهُ * فــيـضــربُ وأضرُبُ
يكـسر كأسـاً دائـــماً * بــحــجّــةٍ فأغـــضــبُ
فــــــتــارةً مُــهـــدّداً * وتـــــارةً أُطـــبــطِــبُ
حـتى غـدوتُ مُـتعباً * وقـــلــــبيَ مُــعـــــذّبُ
أولادنــــا أكـــــبادنا * نــحــبّــهم إن شـاغـبوا
وجاء ردها:
الشـكر في حـضـرتكــم * رســــولـــنا المُـعــــقـِّـــبُ
صــبـيُّــنا، صــبــيُّــــكُم * كـــلاهــــما يُـــــعـــــــذِّب
يــفــتنُّ في إزعــاجِـــنا * أفــــكــارُنا يُـــشـــقـــلـــبُ
وذا عــليُّ نـــــجــلُــــنا *مُــــحــــيِّــــرٌ ومـــتـــعِــبُ
يـشـدُّ شـعـري ضاحكاً * يـــجــــرُّني، أُعــــصّــــبُ
وإن أرى الـتـلـفـاز في * وقـــت ِ فــراغـي يـشـغَبُ
يـعـــبــثُ فــي أزرارهِ * يــطـفـــئُــهُ ويــــهــــــرُبُ
يـثـيـرُهُ الــماءُ فــيــــغـ * دو عــالِــما يُــــجــــــرِّبُ
فــتــارةً يــــســـكُــبــُهُ * مـــلابـــسا يُـــــرطِّـــــــبُ
وتـــارةً ذراعُــــــــــه * تــســـبــح ُ فــيه قــــــاربُ
وكـــلما أبــصر كأسا * في الجـــــــوارِ يــــسـكُــبُ
أو شـــربــةً بـ(مَـمّةٍ) * يـــــدفــــــقـها و يـحـــلُـــبُ

وردّ الرستم:
شــكــراً لــكـم جيراننا * فــإنــــني مــرحّـــــبُ
فـكــلــنا في خــنـــــدقٍ * والصــبـرُ منا واجب
فـالـطـفـل ُ دوما يشتقي * والــفـعــلُ منه غالبُ
واللـعــبُ دوما شـغـــلُه * لأنــــه مــــلاعـــــبُ
أذهــانـهـم صـغـيـــــرةٌ * كأنـــها الــــعــقـاربُ
وفــرحــةُ الأطـفـال ِفي * حـــيــاتــنا رغـائــبُ
فــــهــذه حــــــياتــهـــم * دوما لهــم مقــالِــــبُ
ويلٌ لطـفـلٍ صــامــتٍ * ويـلٌ لـطـفــلٍ يــلعــبُ
فــلـيــلعــبـوا ولــيـضـربوا * فالـــصـمــــتُ فــيهــم سالِــبُ
ولــيــلةُ الأمــس ِ غـــــدت * إني علــيـــهم مُـــغـــضِــــــبُ
حــيـث ُ غــدا تــلــفـــازُكم * صـــــوتا رخـــــــيما يُــــلهِـبُ
أيــقـظــني مــــن رقـــدتي * ومــنّي نـــــــوما سلـــــــبـــــوا
من غرفــــةٍ لـــغـــرفـــــةٍ * ومــــني دوما يــــــهــــــــــرُبُ
فإنـــــــــنـي مــســـــامــحٌ * لــــــــفـعـلهـــم إن شاغــــــبـــوا
فـــهـــاهــــــمُ أطـفــالُــــنا * نــــحــبُّــهـــم إن خــــاطـــــــبوا
والــعـذرُ دوماً مــــنــكـــمُ * إن كان لــــــــفـــــظي مرعـبُ
فـــعـــندنا ما عــــنـــــدكم * والـــــقــــــولُ دوما أعــــــجـب ُ
فــعـقّــبـوا وعــــقّــــبــــوا * فإنـــــــني مــــــعــــــقّـــــــــــبُ

ولها جولة وصولة في خمرة الملايين الذهبية التي تشرب في استكانة مخصرة زينت وسطها بتيجان حمراء وتارة زرقاء كعروس تزف إلى زوجها ساخنة مخدرة. قال الشاعر سيف بن ينزي الكعبي:
إسـتكانة شاي جاد بْـهَا ( بـريق) * ذوَّبـــتْ في قـَـــلْــبـها قـَـلـب الـقـصَـبْ
أحتسيها من عَـلَى جَـنـْب الطريق * في اسـتراحه تـَـنـفِـتضْ غُـبَار الـتـَّعـبْ

فكانت لها هذه المساجلة في “الشاي” وهي من المشروبات الشعبية العالمية، وخصوصاً في المجتمعات الخليجية، حتى أصبح جزء لا يتجزأ من ثقافتهم، فتناولتها الناس في صفحاتهم الفنية من مصورين وشعراء، ومما قيل عنه.. ما كتبته الشاعرة رباب النمر:
أيُّ سـحــرٍ أنــت تــسحـــر؟ * أيــها الــشــايُ الـمُخــدّر ؟
في زجـــاجٍ عــــــــبـــقــريٍّ * وكــؤوسٍ مــثــل مرمـر
ســــاخــناً، عــــذباً، لــذيـــذاً * تــخــلبُ الـقـلبَ وتأســِر
فـــــيـــطـــيشُ اللــــبُّ لمــــَّا * فـــوقَ جــمــرٍ تـتـصدّر
في نــــخـــــيل الـروحِ تـشدو * بـلبــلاً، زهـراً مُـعــطَّـر
يا جـــمالاً يــــــوســــــفـــيّـــاً * والــشّــذى مــنك تَـقَطّر
حـــولك الآمــــــال ُ تـــصحو * والأحــــاديـث ُ تَـجمهَـر
وارتـــــــشافُ الشِّــعـرِ يـحـلـو* وحــكــاياتٌ تُـــثـــــرثِر
فامــنـــحِ العُــشّــــــاقَ حُـــــــباً * سرمـــديّ الــروحِ مُـزهِـر

وتفاعل الشاعر ناجي الحرز فكتب:
كـم سقـى روحًـا فــأروى * وجــــدَها الــغــافي فأســكَـــر
فــتــغــنّـــتْ بــنــشـيـــــدٍ * حـــالم الـــشّـــدوِ مُـــعـطـــــر
فــحـسِــبـنا كل بــيــــــتٍ * مُـــتـــرفٍ قــــطـــعــةَ ســكّـر

فردت الشاعرة رباب النمر:
أيـهـا الــشـاعــر شكــراً * حـــرفـــك الـــمعــجــون عــنــبر
حَــلَّ في الآفــاق نـــوراً * وعـــلى الــــسطــــــرِ تَــبَــخْــتَـر
وكفـاهُ الشــاي فــخــــراً * عــــاشــــقٌ، عـــــذبٌ، مُــــفـكِّــر

وكتب الشاعر عادل الحسين معقباً:
إنــه سـحــر مــســحــر * هــكــذا الشــاي المعــطــر
في غــوار راقـــصـات * وأبــــاريــق تـــــخــــــــدر
يا لــها من فــاتـــنـــات * حار عــــقــلي وتــــــفكـــر
لا مـــثيلا لــــشـــــراب * سـره فــيــــــما تـــــصـدر
طــعــمه شــيء رهـيب * أذهــــــب العــقــل وأسـكر

وإذا أردنا أن نخرج من باب المساجلات والإخوانيات وولجنا الى باب الأشواق والآهات وتضمين المكونات الطبيعية، واستخدام الرموز وتطويقها في قوالب جميلة فستعيش عالم الأحلام، تقول في:

بائيّة الشوق

طغى شـوقـي إلى (دمّامِ ) قـلـبِـي * فأنْـــحَـلَ مُــهجــتي وأطـارَ لُــبّي
متى يا كـتــلةَ الأشــواقِ أمـــضيِ * لــبـحـرِ نـداكِ ؟ كي أُسـقـيه حُــبّي
أُغــازِلُ فــيـكِ أَشــرعـةً تـسامَت * لـوجــهِ الـشــمــسِ ، لِلُّــقــيَا تُــلبّي
وتـشــتاقُ الخُــطى لـتـرابِ أرضٍ * تَــدَلّــت لــحــظةَ الــمــيـلادِ قُـربي
تــــخــاتـلـُــني الأماني كلَّ حـيــنٍ * بوعـــدٍ كــاذبٍ ، فــيمــوجُ دربي
الى أن تقول:
ورائــحــة ٌ مــن الأحــبــاب مــرّت * تـــعـانــقُــني فــتمـسحُ أيَّ كَــرْبِ
خـــذيـنــي يا صُــبــاباتي خُــذيـــني * خــيالَ بــنـفــســجٍ لــحـقـولِ حُبي

أما رفيق السمر في البحار والأنهار والبراري والبحار الذي تسمت به النساء والرجال والأماكن والبلدان، هذا المخلوق الجميل العجيب الذي يحبه الناس جميعاً ويغيب فيزداد فيه حباً وتغزلاً، وتشبه به الحور والولدان الذي خلقه الله وجعله نوراً وحسباناً فقد كان له نصيبٌ من شاعرتنا في ليلة قد اكتمل فيها بدره فاتخذته رفيقاً:

(رفيقي السماوي يكتمل هذا المساء!

البـدرُ يــنـزفُ كــتــلةَ الأشــواقِ * ويـــصـبُّ عــذب الـنّـورِ بالأحـداقِ
يا بـدرُ رفــقــاً بالـقـلوبِ فإنــــني * حــين اكــتــمالِكَ تــصـطلي آفـاقي
ويمـوجُ فيّ الـكـونُ بحــراً هائـجاً * فأمــوجُ حــرفاً حــطّ فــي أوراقي
الســحِّـرُ أنــت تجُــرّني وبـلهــفـةٍ * وتــلـــفُ حــولي هــالةَ الإشــراقِ
يا ليــلُ لا تـرحلْ فــفــيك تجسّدت * روحــي بــروحِ جــمالِك الرّقـراقِ
دعـني أدثّـرُ بالصَّـبابةِ مــهــجــتي * وبـنــور بدرِك.. كُـحِّــلت أحـداقي
الفـجــرُ يـسلـبـني رحــيــقاً كــلــما * غابــت بعــتــمــته وجــوهُ رِفـاقي)

ما أجمل تضمين الحروف في الشعر حيث تقول: فأموج حرفاً حط في أوراقي.

ومن جمال الترميز لديها في مقطوعة (خيط وحرف) ومن عجيب هذه الخاطرة على قصرها إلا إن فيها رسالة جميلة: إن الأنامل المبدعة في مسك السنارة ” الخطافة ” وخياطة وحياكة الكروشيه‘ هي أيضا مبدعة بمسك القلم لرسم أروع اللوحات الفنية والشعرية. كم جميلة هذه الرمزية للحرف اليدوية التي تشتهر بها منطقتنا مثل خياطة وحياكة البشوت. ما أجمل هذه الرمزية للحفاظ على الحرف اليدوية لأنها من روافدنا الاقتصادية.

(حرف وخيط

أشتهي خيطاً ناعماً وانسيابياً
يداعب يديّ كما تداعب الأمواج الباردة قدمي طفل..
أو يلاحق أصابعي كما يلاحق الرمل الناعم قدمين راكضتين في كثيب!
أشتهي خيطاً يربّت على يديّ ، ويحكي لي حكايات المساء عندما يتحرك في رأس الخطّافة..
أشتهي خيطاً يونسني..
وينزع الحزن والاغتراب عن قلبي..
أشتهي خيطاً يطول، ويطول .. فلا ينقطع، ولا يتشابك! يبتسم في عينيّ ويمطرني بعطر لا يشمه سوى المخلصين!
أشتهي خيطاً يتجسد أمنية..
أو خطوة تأخذني إلى جزيرة خارقة..
أو قارب نجاة يلتقطني من قاع النسيان..
أو جناح طائرة يتعلق به أملي ليفتح لي بوابة فرج)

أما هذه الأنامل التي نكتب بها ونأكل بها ونبطش بها ونمسح بها على رؤوس الأبناء والمساكين، ونسبح بها، وقال فيها أمامنا زين العابدين” ولكن توقّرها: بقَبْضها عن كثير ممّا يحلّ لها، وبسطها إلى كثير ممّا ليس عليها، فإذا هيَ قد عُقِلَتْ وشُرِّفَتْ في العاجل وَجَبَ لها حُسْنُ الثواب من الله في الآجل”. هذه الأنامل جعلتها شاعرتنا ليست فقط حساسة بل مبصرة ترى كما نرى، وتشكر الباري عليها إذ كانت سبيلاً لنجاحها:

(أنامل مبصرة

الشمسُ تشرقُ في فؤادي كلما نحت الصباحُ وجودَه في ذاتي
ويضجُّ في عقلي الضياءُ فأرتوي بالــنـورِ حين تلـفُني آهاتي
لا النورُ أبصرُه بعينيَّ التي قد غاب عنها اللونُ في بـسماتي
إن كانت العينان سحراً غافياً
لا يبصرُ الأشياءَ والآياتِ
والكونُ من حولي ظلامٌ دامسٌ يلقي ظلال الرعبِ في عثراتي
لا اللونُ أعرفُ كنهَه في وهلةٍ
أو أعرفُ الأشكالَ في نظراتي)
إلى أن تقول:

(وأناملي عزفٌ ينيرُ بصيرتي
إذ فيهما وهجٌ يعززُ ذاتي
حلّقتُ بالكفّين فهي حمائم
تصغي لصوتِ القلبِ والخفقاتِ
تندسُّ في كتبي فأقرأ خافياً
عن ناظريَّ فتزدهي كلماتي
عشرٌ حباني اللهُ بين أصابعي تلتذُّ بالإبصارِ في عتماتي
وبها صنعتُ عجائباً في عالمي بالمعجزاتِ تكلّلت خطواتي
يا ألفَ شكرٍ في فؤادي نبضُها ضجّت بها الأفكارُ في خلواتي)

ومن الترميز تصور لنا شاعرتنا كلمة ” النص ” في مقالها النص المدفون في الذات كأنه كائن مختال حي يريد سرقة هدوءها وراحتها:

(أيها النص المراوغ دعني
دع لي الليل ليميل الرأس على وسادة ناعمة من الأحلام
وليسافر إرهاقي المُتعب على ظهر غيمة!
دع العطر يتنفس في غرفتي
نص مخاتل .. نص مجرم
يسرق الليل ولا يجيء)

بابنا التالي لا يخلو طرافة وإمتاعاً في رسم الصور وتسخير الشعر للتراث وسرد التاريخ للأجيال التالية وما هذا الأوبريت التي عارضت به نص
جبران خليل جبران(أعطني الناي)، وأوبريت(قصتي ونجاحي) الذي لحنه مسلم المسلم، وأداه شباب العائلة إلا نموذجاً من القصائد التي لا ينضب معينها، ولا ينزف بحرها:

(أوبريت قصتي ونجاحي
المقطع الأول: من

ّمـن أيــن أبــدأ قصتي ؟ ونجاحي * صــرحٌ بــناه تــفــوقي وكــفاحي
مذ كــنتُ تـلمـيـذاً يـوضيء فـجـرَه * بالجــدِ كي يحــظى بــنـيـل فلاحِ
ويـــلـوّن الآفـــاق َ مــجــداً كــلــما * نهــض الصباحُ بـوجهه الوضّاحِ
يــتــلو على خــيـر المــآذن شـمسه * فــيــلــوح إشــراق الــندى اللماحِ
فــيجــدد العــزم الأكــيد لــيـبـــتني * مســتقـبلاً يرعــاه كُلَّ صـــبـــاحِ )

ومن المقطع الثاني:

(وعلى بــساط الــريح روحي سافــرت * عــبــر الــزمان إلى رؤى الأجــداد
تـستــنـطـق الــتاريــخ عــبر رمـــوزه * وتــفــتـــشُ الــماضي مــن الأمجادِ
فأطل (شــيــخ العــلم ) كــهلا عــاقــلاً * وعــلــيه ســيــماءُ الــوقارِ يُــنـادي
يتــوكأ ( الــتـقــوى )، ويـتــلـــو ورده * يـــــــروي حــكايــاتُ مـن الآمـــادِ )

ومن باب استغلال المناسبات، هذه الأبيات بمناسبة قرقيعان 1441هـ في أبيات فلكلورية:
(قرقيعان قرقيعان
لا لا تدقوا البيبان
رفعوا إيديكم لله
وطلبوا الفرج والغفران
*
لوما الحسن ما جينا
ما تمنعنا كورونا
وسط القلب محفلنا
والزكي يشفع النا
جينا جينا يا إمام
من تويتر وأنستقرام
من واتساب وتلجرام
نحيي هالفرحة وكل عام)

ومن المعلوم أن الشاعر دائماً يدخل السرور على الناس مهما كانت المناسبة لأنه يواسيهم، إلا أن يكون ذماً وهجاء وهذا بعيد كل البعد عن شعرائنا وشاعراتنا، وفي مقال لها بعنوان: (إبداع النكتة في زمن كورونا) ترصد لنا شاعرتنا مجموعة من النكات حيث تقول” النكتة لون من ألوان الأدب الشعبي القائم على اللغة الدارجة، الذي يقدم الإضحاك في حياتنا اليومية، وإثارة السخرية من وضع حياتي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو أسري” نختار منها:

‎ومنها ما تم تداوله في كثير من مجموعات الواتساب، مثل:
جلسة البيت ذكرتني بهذا النشيد
‏أنا أحــب بــيـــتــنا لأن فــيه جـدنا
‏وفيه أمي وأبي وفــيـه أخــتي وأنا
‏وحوله حــديـقـة أشـجارها تـظـلـنا
‏وجـــارنا نــعــزه كأنــه أخ لـــــنا
‏يا بيتنا يا بيتنا فيك السعادة والهنا

أتحدااااك ما تلحنها

وجميلة هي النكتة التي تقول:
..( (تم إلغاء حكمتين هذي السنه 2020 وهما
اطلبوا العلم ولو بالصين و كل الطرق تؤدي الى روما)
والبقاء على حكمه واحدة هي “من خرج من داره قل مقداره! )

من سمات الشعراء رصد الأحداث والمناسبات وتحويلها الى صور رائعة بلوحات شعرية أو نثرية ويعد هذا أداة من أدوات حفظ التاريخ، وقديماً قالوا: الشعر ديوان العرب، أما الآن فهو ديوان العالم، ولم تكن شاعرتنا خنساء الأحساء بدعاً من الشعراء بل لها باع جيد في هذا المجال وهذه نماذج من الرصد ستأتي في هذا الباب والباب الذي يليه:

بمناسبة فوز المبدع جاسم الصحيح بجائزة السنوسي:

كلُ الجــوائــزِ في رِحـابِـك تُــسْـكــرُ * أنــت النــبــيذُ لنــشــوِها والجــــوهرُ
دانــتَ لهـيــبـتِـك الصـفـوفُ وكـلّــما * بَصروا نجومَك في الوجودِ تجمهروا
ِ وعـلت هُـتـافــاتُ الـتحــايا ريــثــما * يــخــتالُ (وزنُــك) للســباقِ ويـأسِــرُ
أنـت الجوائــزُ ، روحُـها يا جــاســمٌ * إن رُمــتَ سَــبْــقاً ، نِــلْــتَها وتأخّروا

وكان لها رصد جيد لجائحة كورونا سواء عبر الكلمة أو القصيدة وقد ذكرنا بعضها في الباب السابق لمناسبة الموضوع، ونذكر بعض منها هنا للمناسبة:

دعــوتُ الله يــحــمــــيــنا * مـــن الـــمــدعــوّ (كــورونا )
ويُــنــجي الـنـاس من ألــمٍ * تـــقــلّــــب بــيـــن أيــدـــينا
ســعى في الأرض إفـساداً * و أحـــبـــط من مـــساعــينا
و أغـــلـــق ايَّ أبــواب ٍ * تــــبــثُّ حـــيــاتَها فـــيــنا
أمات ( الــدرسَ) مبتهجاً * وقــهــقــه من ( تَــلاقـيـنا )
وأوقــف كلّ (مــجـتـمع) * و بــات ( الهم ) يـسـقـيـنا
مـشى في الكون طاووسا * وبـــالغ في تـــحـــدّيـــــنا

حسبي الله عليها من كورونا

وتتأوه شاعرتنا وتشكو بثها إلى الله مما فعله كورونا من تغيير الأحوال، هذا وقد حصد الأحبة، وهي هنا تحكي حال الناس جميعا:
عيد التباعد

سَـكَـبتُ على مـدى الأيَّامِ صَبـري * وأَوْكَــلْــتُ الــرَّحـيمَ عـسيرَ أمـري
فـــلا الكـَمَّــامُ يــنجيِ مــن وَبَـــاءٍ * ولا الــقُـفـَّازُ يَـحـرُسُ بَابَ عــمري
ولا غَــسلٌ، يــزيحُ الـخـوفَ عنّي * ولا الـتـعـقيـمُ يُـبريءُ شرخَ كَسْرِي
َركِـبـتُ سـفـيـنةَ الـضُّـعـفـاءِ لـمــَّا * طـغَى مـوجُ الــوَبَاءِ يـثـيـرُ ذُعـرِي
وطــوفـانٌ مـــن الأرقــامِ أَرْسَــى * عـلى شَــــطِّ الأَذَى قَـلَــقاً لِـفـِكْــرِي
أُراقِــبُــهَا فَـيَـصعَــدُ في كــيَـــاني * وجـــومٌ كُـــــلَّــــما تــزدادُ إثْــــرِي
وقــافــلةٌ من الــفــيـروسِ هَــبَّــتْ * تــقــاتـلُ في الـمَدَى كـجـيوشِ كُـفرِ
الى أن قالت:
إذا الأحــبـابُ لاَحُــوا في فَــضــَاءٍ * يُجـَـمِّـعُـــنا وبَـانــوا مـثــلَ بـــــدر
تلاحــقُ (طـيفَـهم) روحي اشـتـعالاً * ويــلــتـهـبُ الحنينُ بعمقِ صَدرِي
ويَضـْطَـرِمُ احـتـضــانٌ في فــؤادي * وتــقـبـيـلٌ يغـيـبُ بِـشَـوْقِ ثَـغْـرِي
تَـصَافُــحُـنا (افــتـراضـيٌّ)، ولــكـن * على بـعــدٍ نــزورُ، بـطـيــبِ ذكْرِ
سـيـتلو الـعــيــدُ شـوقاً بـعـد شــوقٍ * بــــلا قُــربٍ، ولا صــِلَــةٍ وبِــــــرِّ

وفي مقال لها: (ترى هل سنهزمه) تتساءل شاعرتنا وهي تصف هذا الوحش الهلامي الأخضر الذي لا يرى وكأنه ذلك الرجل الأخضر الضخم الجثة الذي يأتي في الأفلام إذا انفتل من عقاله دمر كل شيء أمامه:
(هربت إلى سريري خوفاً، وخبّأت رأسي تحت الوسادة، وغطيته باللحاف هرباً من ذلك الوحش الذي يلاحقني في كل مكان أذهب إليه، ولم أسلم.
أغمضت عينيّ علّني أشعر ببعض أمان فتمثّل لي بصورة كرة خضراء عملاقة مخيفة يمتلئ جسدها بالمجسّات البارزة تتدحرج على سفوح خيالي، وتخرج من دنيا أحلامي إلى الخارج.
كانت تتدحرج في سرعة مخيفة، وفي صورة هُلاميّة خفيّة. كانت تتنقل في رشاقة بين البشر وهم لا يرونها).

ونعود مرة أخرى للشعر في زمن كورونا حيث تصور لنا الشاعرة الخنساء كيف تغيرت أحوال الناس فأصبحت الرجال كمثل ربات الحجال:

(كل شـيء قــد تـسـكّــر * وعــن الــنــاسِ تــأخّــر
مسـجـدٌ، ســوقٌ، وحـتى * شاطــيء الــبحـر تعـثّر
ورجــــالٌ فـي بـيــــوتٍ * مثـلما الــمرأة تُــحـجـر
وارتـــدوا أي لــــــثـــامٍ * مــثل حـــوّاء تــســــتّر
وعن (الأعـمال) غـاـبوا * كــمــريضٍ قـد تـجـمّر)

بوابتا الأخيرة هي بوابة الرثاء: ولا يختلف معي اثنان بأن مصيبة الحسين عليه السلام بالطف قد أثارت ولا تزال أشجان الشعراء فراحوا يسطرون أحلى القصائد والقطع الشعرية التي تبكي العيون وأصبحت مضرباً للأمثال يرددها الكبار والصغار والرجال والنساء سواء على الأعواد أو في المجالس العامة والخاصة. وقد أثرت هذه الحادثة التي لا تزال طرية وحية في وجدان الشعراء حتى في قصائد رثائهم للأحبة والأهل والإخوان:
شاعرتنا المبدعة واحدة من تلكم التي أخذت قصائدها تتردد على المنبر الحسيني، وما أجمل أن يرى الإنسان نتاج عمله شجرة مثمرة تؤتي أكلها كل حين، والأجمل من ذلك أن يتبارى الخطباء بقراءة نتاجنا المحلي. إن شعراءنا لا يقلون شأناً عن غيرهم في تصوير المصيبة بكلمات شجية وحزينة.

(شجن مموسق)
عـبأتُ من عـطـشِ الـحسـينِ دواتي * وتــرقـرقــت من نحــرِه كلـماتي
لما ارتـقـت سُـغْـبُ الـوحوشِ بنعلِها * أمَّ الــكــتابِ ومــحــكمَ الآيــــاتِ
وسكـبتُ مـصرعَـه الحزينَ بمقلتي * دمــعا يــؤرقــني لحـين مـمـاتي
فامـتـد عــامٌ ألــف ُ عـامٍ من شجى * يــبـدي الـعـويلَ ويثمرُ الحسراتِ
يتـلو على ثـغـرِ الــزمانِ مــواجعـاً * خُـطَّـت على الأشـلاءِ بالـويـلاتِ
خــطـَّ الحسـيـنُ مـدادَه في كربــلاءَ * دماً يـنـــيــرُ الـكـونَ بالــبــركاتِ
وبـنى بأشــلاءِ الـضـحــايا قــبةَ الإ * صــلاحِ جــيـلا بـعــد جــيلٍ آتي
وتــلوح ( لا أشـرا ولا بـطــرا) إذا * ذُكِــرَ الحســينُ تـحـفُّـهُ صلـواتي
أحــيا بـثــورته الـعـقــول فــكــم له * من عـــبرة في أنـــة الـعــبــرات

هكذا ثرتي شاعرتنا سيد الشعائر السيد محمد علي العلي السلمان:

هكذا هم الروّاد حينما يودعوننا نقف منكسري الأفئدة ، مطأطئي الرؤوس!
فسلام عليك زعيم الحوزة العملية
سلام عليك يا محيي الشعائر..
سلام عليك مذ النَّفَس الأخير حتى جنان الخلد عند مليك مُقتدر..

سيّد الشعائر

جــرت الــمآقي في مـصـابِـك أنـهُـرا * وتــدفّــقــت ســيـلاً عـتـيـداً مـمـطرا
لمّا نـعـاكَ الــموتُ طــوداً شـامـــخا * فــهــويـت للـعـلــياءِ بــدراً مُــقــمرا
فاهــتـزت الأحـساءُ تـلـطـمُ صــدرَها * آها لــفـقــدِك بالـنـحــيـبِ تــفــجّــرا
تــفــديـك كـلُ نخـــيــلِــــها يا سـيّـــداً * ملأ الـبــطــاحَ عــطاؤه فــتـعــطـّرا
يا ســيّـداً أحــيا الـشعــائــرَ فالـمــدى * يـرثي الـشـعائـرَ، والــعـزاء مُـكــبّرا

ما أجملها من أبيات وذكرني بيتها الأخير ببيت شعر من قصيدة للعلامة الشيخ باقر بوخمسين في رثاء السيد محمد العالم السلمان قاضي الأحساء من قصيدة عنوانها دمعة على أستاذ:

طافـوا بـنـعـشـك يـهـتـفون فـكبـروا * هـل أنــت فاتـحـة الكـتـاب وأحـرمـوا

وتقول في الفارس الذي ترجل وآلم الأحساء قاطبة الذي دخل بيوتنا جميعا بصوته الشجي ومقاطعه المرئية من خلال رسائله وحكمه القصيرة التي أخذت بمجامع القلوب في وسائل التواصل الاجتماعي، كم هي جميلة ومؤثرة قصيدة “ذبول في عيد أم”

يمسح عن جبينه تعباً ثم يرحل وقد كانت تنتظره اليوم..
إن يفِد إليها حاملا باقة ورد وهديّة.. فإذا بالهدية تتحول إلى فاجعة
كلمات بلون قلب الأم وكل الأحساء أمه .. وعياله، للفارس الراحل ( الشيخ عيسى الحبارة ) يوم تشييعه ..

” ذبول في عيد أم ”

ّأَفْـجَــعـتَ ( أُمَك ) بالـبكاءِ طـويلاً * وأَفــَلْـتَ يا بـدر الــتــمام أُفُـــــولا
في عــيـــدِها قــدمــت أيَّ هـــديّـة ؟ * وردٌ ؟ و دمعٌ ؟ والغيابُ رحيلاً ؟
أمٌّ على رَفِّ انــتـظارِك أمـّـــلّـــتْ * مــنـك ابــتـساما و اللــقــاءَ جَـذِيـلا
وسَــقَـتْ ورودَ الأمنـياتِ رحـيقُها * كيـما تـكــحّلُ عـيـنُها تـكــحـيــــلا
بــبهاءِك الـمـنـشـودِ ، أيَّــةَ قُــبلــةٍ * رامــت تُــقــبِــلُ رأسَــهَا تـقـبـيلاً ؟
دَعْــها تـوسـدُ خَـدَّها حـرَّ الـثّـرى * فـلـقـد مضى من جـوفِــها ( قِـنـدِيلا )
رجـلٌ يـضاهي الأنـبـيـاءَ جــلالُـه * ويـــــفيــضُ مـن ثـغـرِ العذوبةِ قِيلا

الى أن قالت:

وإذا أطــلَّ على الـوجـودِ دمــاثةً * مـلــكَ الــقــلــوبَ ودقّــهـا إِزمِــيــلا
كـتـبتـك أغصانُ الحسينِ بدوحِها * روضاً تـفـجّــرَ حـكـمـةً و نَـخــيِلا
آخــيـتَ بـيـنَ الـمؤمـنـيـن محـبّـةً * وصـنـعـتَ كــوناً هـادفاً ، و نـبـيلا

ولها في الشابة غفران التي اغتالها كورونا ثاني عيد الفطر شوال 1441هـ، هذه الأبيات المؤثرة:

أيُّــها الــنــسـريـنُ مـاذَا أَعْـجَـلَـك؟ *عــنــدما الـمـــوتُ رحـيـلاً جـلَّـلــك؟
هل تـركـت العـيـد مـذبوحاً على * صــــدر أيـــــامــي، إذا ما دَلَّـــلَـــك؟
أيُّ عــيــدٍ يا فــــؤادي أذبَـــــلَــــك؟ * ومــصــابٍ بالــرزايا زَمَّــلَــك؟
هل دخــونُ الـعـيـدِ رامـت ثـوبَهَا؟ * أو لأكــفانِ الـــمنَـــايَا أوصـلك؟
الى أن قالت:
فابــتــدت غــفــرانُ عــمـراً آخــراً * من نـــدى الــقــرآنِ نـوراً بلَّـلَك
من خــشـوعِ الــفـجرِ صاغت سُلّما * لـرضا اللهِ، فـجَــافَـاهَا الـحَـلَــك
وأراجــيــــحَ ابــتــهاجٍ خِـــلـــتُــــها * بـين أغــصانِ الـثُــريّا والــفَـلَك

وختاماً تجود بهذه الأبيات في رضيع لها فجر عاطفة الأمومة:

يا صغيري وبكاءٌ لامَـــس الإحــساسَ * منِّي.. ونداءٌ قد رَوَانــــــــــــــــــي
وَ سَـــقَــــاني نـشــوةَ الأُمِّ غَـــــــــــرَامــــاً * جوعُكَ الــغــافي على مَـــرِّ الثَّـــــواني
يا رضيـــــعاً بَـــثَّ في دُنيـــايًَ سِـــــحراً * وعــبـيـراً مخــملـــياَ فاحـــــــــتًوًانــــــــي
ثغرُك البســـامُ يَا نَـــفحَـــة روحــــــــي * كُلَّمًا نَاغَيتَ يــحلــــــــــــو لافتتانـــــــي
وابتسامُ يمًلأ البيتُ ســـــــــــــــــــــروراً * كُلما قهقهتَ ناياً أقــــــــــحوانــــــــي
اختصرتَ الكون في عينيكَ لمَّــــــــــــــا * راقني التجوال في رمشيك هـــــــــــاني

***
تقول شاعرتنا: كثير من الكلمات ألقيت على المنصات، وعلى المنابر في محافل رسمية واجتماعية، وكثير منها نشرت في صفحات ورقية، وإلكترونية، وكثير منها لم تُنشر وبقيت بيني وبين الرفيقات وأصحاب الشأن، وسيضمها بمشيئة الله (شهقة الفردوس) بعد انتهاء أزمة كورونا
في نهاية هذه القراءة المتواضعة لا شك عزيزي القارئ أنك عرفتها إنها الشاعرة الأديبة الأستاذة رباب حسين النمر” خنساء الأحساء”.
هذه قراءة لبعض ما نشر فكيف لو كان بين أيدينا ما لم ينشر؟ لا شك أن هناك جوانب كثيرة لم تتطرق لها هذه الدراسة المتواضعة، وهنا ندعو لمن لديه ملكة الكتابة والتحليل بتناولها، وكذلك مسيرة كل الأدباء والأديبات التي لم تأخذ حقه من القراءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى