استمع لهدير المحرّك
طه الخليفة
رغم تخصصه في الهندسة الميكانيكيّة، لم يكن الكاتب مهووساً بالمحرّكات، والسيارات الرياضيّة، فمنذ سنوات الشباب، وحتى الكهولة، فضّل اقتناء السيارات الكلاسيكيّة، التي يميل إليها الأكثريّة، ولكن بدافع حب التجربة، استأجر سيّارة رياضيّة في إحدى رحلاته. كانت الرحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، والغرض منها مرافقة الابنة الغالية في أولى رحلاتها للدراسة الجامعيّة.
استلمت السيّارة من شركة التأجير، وبدأت التجربة، وللأمانة لم أشعر بفارق كبير، إلا بالتفكير في ضيق المكان في المقاعد الخلفيّة التي من الممكن أن تستخدم عند مقابلتنا لبعض الأقارب الدارسين هناك في تلك الفترة.
بعد عدة أيام، ركبَ معي ابن أخي، الذي كان يدرس هناك في تلك الفترة، وقدت السيّارة كالمعتاد، وإذا به يقول: “عمّي، كيف تسوق السيارة بهذه الطريقة؟ محرك هذه السيارة قوته هكذا حصان وسعته هكذا ليترات، والسيارة لا تقاد هكذا!”. أعطاني شعوراً بأني اخطأت بحق السيارة، ويجب أن اطلب الصفح الكريم.
رددت عليه بابتسامة: “حقك علي، لا تتوتّر، كيف تقاد إذاً؟”، فأتاني الرد سريعاً: “اسفط على جنب وأوريك”.
تولى ابن الأخ العزيز القيادة، وبيني وبينكم، أنا كنت في البداية مشدود الأعصاب، ومثبّت نفسي بكل وسيلة، وإحساسي كان أني على وشك خوض تجربة ركوب قطار الموت(Roller Coaster). لكن واقعاً التجربة لم تكن مخيفة، فقيادتة كانت ضمن القوانين المروريّة، إلا أنها أظهرت مزايا السيّارة من حيث قوة الآداء، والتسارع، والثبات، والتوازن في المنعطفات. أتذكّر قوله لي: “استمع لهدير المحرّك، إنه كالنغم”. عندما دققت الاستماع، وجدت أن ما يقوله واقعيا، وتفهّمت أكثر حب البعض للمحرّكات، والسيّارات الرياضيّة، ولماذا هي صناعة كبيرة، وتحتاج إلى مهنيّة خاصة.
عندما أفكّر في تلك التجربة، أجدني كنت أجهل أمرين:
١-الطاقة الكامنة الكبيرة التي تمتلكها تلك السيّارة،
٢-الطريقة المثلى لإبراز تلك الطاقة.
وما يستهويني فكريّاً أكثر، هو محاكاة هذا على واقع الإنسان عموماً، والشباب خصوصاً.
إننا نعتقد أن لكل إنسانٍ طاقة كامنة كبيرة جداً، يحتاج إلى الوصول إليها، وإظهارها، ولكنّه يغفل عن ذلك، وينسى المقولة المأثورة، “وتحسبُ أنك جرمٌ صغيرً وفيك انطوى العالمُ الأكبر”، أو أنه لا يهتدي إلى الطريقة المناسبة للوصول لتلك المكامن، واستغلالها لينتفع بها، وينفع الآخرين. إن أمثل طريقة لتحرير تلك الطاقة الكامنة هو استكشافها، والاستعانة بتجارب الآخرين الذين سلكوا هذا الطريق وحققوا الإنجازات محليّاً، وعالمياً، وتوظيف تلك التجارب لاختصار الطريق، وإضافة الجديد.
في تغريدات على منصة تويتر للدكتور عبدالجليل الخليفة (@JaleelAlkhalifa) مؤخراً، في مجال تطوير الذات، وتحقيق الإنجاز، ذكر أن هناك سبع خطوات:
١- تحديد الطموح.
٢-تعيين القدوة.
٣-اختيار البيئة المناسبة.
٤- تسخير الوقت، والجهد.
٥- رسم خارطة الطريق.
٦- التنفيذ، والمراجعة.
٧- الصبر، والاحتفال بالإنجاز.
كما أنه قدّم الكثير من التفاصيل عن كلّ خطوة، وضرب الأمثلة، ونقل آراء أبرز المفكّرين في هذا المجال، ونصيحتي للجميع عموماً، وللشباب خصوصاً، أن يستفيدوا ممّا طرحه الدكتور مشكوراً، وأن يبدأوا المسير في هذا الطريق.
ما يمكنني ان أؤكده، أن لسلوك هذا الطريق لذة خاصة تفوق كلّ اللذّات الماديّة، وأن للاستماع للمحرّكات الإنسانيّة نغماً، وطرباً خاصاً، لا يضاهيه طرب المحرّكات الميكانيكيّة، فهو استماعُ لهدير محرّكات الفطرة الإنسانيّة، والعقل البشري العظيم. ابدأ المسير واستمتع بهدير المحرّك.
تويتر: @TahaAlkhalifah
انستقرام: @taha_hsk