أقلام

إذا عرفت من المستفيد عرفت معالم المشروع

زاهر العبدالله

قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ﴾آل عمران
مقدمة:
علينا أن نتأمل كثيراً في الحركات التي تلبس ثوب التجديد والثقافة والحريات والفكر الحديث، وكل كلمات تؤجج روح الأنا وتدغدغ مشاعرها ولذا لمعرفة أي حركة نحتاج أن نجيب على سؤال مهم للغاية وهو:
من هو المستفيد الأول من هذا الطرح الجديد؟
طبعاً لسنا ضد النقد الهادف والمبني على الأسس العلمية وحفظ الكرامات وهيبة المذهب وصيانة علمائنا ومراجعنا العظام حفظهم الله تعالى، بل هو المتعين في أبحاث الخارج في مختلف البحوث في شتى المسائل الكلامية والأصولية والفقهية والرجالية وغيرها.
تفسير الآية:
ومعنى قوله: ” واعتصموا ” امتنعوا بحبل الله واستمسكوا به أي بعهد الله، لأنه سبب النجاة كالحبل الذي يتمسك به للنجاة من بئر أو نحوها. ومنه الحبل الأمان، لأنه سبب النجاة. ومنه قوله: ” إلا بحبل من الله وحبل الناس ” ومعناه بأمان، قال الأعشى:
وإذا تجوزها حبال قبيلة * أخذت من الأخرى إليك حبالها
ومنه الحبل الحمل في البطن وأصله الحبل المفتول قال ذو الرمة:
هل حبل خرقاء بعد اليوم مرموم * أم هل لها آخر الأيام تكليم
وفي معنى قوله: ” بحبل الله ” قولان، قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه كتاب الله. وبه قال ابن مسعود وقتادة والسدي. وقال ابن زيد ” حبل الله ” : دين الله ، أي دين الإسلام. وقوله: ” جميعاً ” منصوب على الحال. والمعنى اعتصموا بحبل الله مجتمعين على الاعتصام به. وقوله: ” ولا تفرقوا ” أصله ولا تتفرقوا، .. ) (١)
بحث روائي:
روي عن أبان بن تغلب عن الصادق (ع) نحن والله الذي قال: (واعتصموا بحبل الله جميعا). أبو الصباح الكناني قال: نظر الباقر إلى الصادق فقال: هذا والله من الذين قال الله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) الآية.
الصادق في قوله: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا أولوا الألباب. رواه سعد والنضر بن سويد عن جابر عن أبي جعفر (ع).
عمار بن مروان عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) فقلت: ما معنى ذلك؟ قال: ما أخبر الله عز وجل به رسوله مما يكون من بعده يعني أمر الخلافة وكان ذلك كما أخبر الله رسوله وكما أخبر رسوله عليا وكما انتهى إلينا من علي مما يكون بعده من الملك، ثم قال بعد كلام: نحن الذين انتهى إلينا علم ذلك كله ونحن قوام الله على خلقه وخزنة علم دينه، الخبر.
يحيى بن عبد الله بن الحسن عن الصادق(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) الآية، قال: نحن هم.
أبو حمزة عن الباقر، وضريس الكناسي عن الصادق في قوله تعالى: (وكل شئ هالك إلا وجهه)، قال: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه) (٢)

نقاط البحث سترتكز على:
١-من هو المستفيد الأول من إضعاف شوكة المسلمين؟
٢-مكامن قوة المذهب بشهادة أعدائه.
٣-طرق الوقاية من السقوط في مشروع أعداء الإسلام والمسلمين.

[١]من هو المستفيد الأول من إضعاف شوكة المسلمين؟
هم أعداء المسلمين قديماً وحديثاً ولازالوا كذلك يكيدون للإسلام وأهله شتى أنواع التفرقة والتمزيق وتمييع الهوية ويتغلغلون في أوساطهم بوسائل شتى ولا يذهبن بحلم أحدكم أني أنتصر لنظرية المؤامرة بالمطلق ولكن الأمر لا يخلو من ذلك عبر الشواهد الكثيرة المرئية منها والمسموعة ..
إن من الغرائز المودعة في النفس البشرية هي حب التملك والرئاسة
وحب الثروة والنساء والكلام كما ورد في الرواية عن السجاد عليه السلام حيث قال:
(ما من عمل بعد معرفة الله جل وعز ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا… فتشعب من ذلك: حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب العلو، والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة ) (٣)
فمن الطبيعي أن تجد من يمارس هذا السلوك خصوصاً من لم يحمل عناصر التقوى وكان من أهم مفرداته: الغاية تبرر الوسيلة ومن أعمدته فكره البقاء للأقوى.
والمتأمل في الحركة الشيعية ولاسيما أنها بقيت صامدة رغم كل الأزمات التي عصفت بها من قتل وتشريد وتهجير وما سوى ذلك عبر الأزمان والدهور في طبقات التاريخ فلم تواجه حركة بكل هذا إلا وأبيدت وانتهى أمرها إلا مذهب أهل البيت عليهم السلام خاصة والسر يكمن في ثلاث مفردات كما لا يخفى على أدنى متتبع للحركة الشيعية.
[٢]مكامن قوة المذهب بشهادة أعدائه:
١-الشعائر الحسينية التي تولد شحناً عاطفياً وعقلياً ضد حركات الاستبداد والظلم في كل زمان ومكان حيث أجملها سيد الشهداء عليه السلام بقوله لطغاة عصره:
(ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام…) (٤)

٢-المركزية في القرار والمتمثلة في المرجعية العليا لما تحمل هذه الشخصية من كارزما استمدت قوتها من واقعها العلمي واتباعها للثقلين كتاب الله وعترته حيث ينجذب لها كل حر إذا رأى فيها القدوة والزهد في الدنيا والحرص على الآخرة والعلم والحلم والسماحة والشجاعة
والمساواة مع ضعفة الناس وتحسس آلامهم وقضاء حوائجهم وخدمة المجتمع وذلك برفع مستوى الوعي في الأمة والحث على الوصول إلى قمم العلوم في مختلف الميادين المعرفية.
٣-الاستقلال المالي للمرجعية التي هي حصن من أن تقف أمام أبواب من أحب الدنيا وزبرجها وزخرفها فكان ثمرة ذلك قرارها السيادي الذي لا يخضع لأي قرار مهما كان بل القرار الاستقلالي هو محور هذه الحركة وعدم التورط في أتون السياسة ودهاليزها إلا ما اقتضت الظروف بشكل عام وكلي دون التفاصيل التي هي من شأن الحكام والسلاطين.
هذه المقومات الثلاث جعلت من المذهب الحق عصيّاً على كل من أراد أن يفرق شمل المسلين وتفريق كلمتهم فكان المشروع الأول بالنسبة لهم هو استهداف منابع القوة في هذا المذهب فكل صوت أيا كان من داخل المسلمين أم من خارجه قاصداً أو عامداً أو جاهلاً مباشراً كان أم غير مباشر يخدم مشروع تمزيق الأمة وزلزلة هذه المنظومة ومكامن القوة فيها، فهو مصدر ترحيب قوي لهم وهم أول مستفيد منه فكلما احتدم الصراع داخل المسلمين أو داخل المذهب كان ذلك أهم الأهداف التي يترقبها ويسعد بها من يحبون الهيمنة والسيطرة على مقدرات وقرار الشعوب ولذا حث القرآن الكريم وكذا الروايات على الوحدة والتكاتف والتآزر والتسالم بين الشعوب والقبائل ولم تفرق بين أحد من الناس أيا كان انتماؤه وقوميته وعرقه وجعلت ميزان التفضيل بينهم هو التقوى الذي يحجب صاحبه عن التعدي على الآخرين ولو بكلمة واحدة فضلاً عن فعل حيث قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}المائدة

وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}الحجرات

وأي ميل تجاه أعداء الدين والإسلام يؤثر سلباً على سلوك المسلم هذا لا يعني بالضرورة مهاجمتهم أو التعدي على حقوقهم بل المحبة لهم يبرر أفعالهم خصوصاً التي تخالف الفطرة فضلاً عن العقل في بعض جوانب حياتهم المادية المرتكزة على المصالح دون النظر لمصلحة غيرهم كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى
﴿لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ أُولئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحونَ﴾ [المجادلة: ٢٢]
الآية تشير أن من يبتعد عن مودة من يخالف أوامر الله ونواهيه له جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ورضي الله عنهم وهم حزب الله وهم المفلحون غداً.
وهنا نشير أنه لا مانع من الاستفادة من علومهم النافعة التي تخدم البشرية ولا يعتبر هذا ميلا لهم بل هذا منسجم مع رؤية العقل التي حث عليها الإسلام العزيز كما قال تعالى :
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}الزمر.

كلامنا متمركز حول مفردة الأطماع والغرائز المبادئ التي يعتمدونها في السيطرة على العالم التي من مواردها البقاء للأقوى – الغاية تبرر الوسيلة – نحن لنا الحق في التدخل في كل شعوب العالم وليس لغيرنا وغير ذلك.
[٣] طرق الوقاية من السقوط في مشروع أعداء الإسلام والمسلمين:
١-كما أشرنا في مقدم المقال الاعتصام بحبل الله جميعاً وأجلى صور الاعتصام هي كتاب الله وعترته التي أشارت لها كتب الفرقين كما في
الخبر المجمع عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال:( إني مستخلف فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ما إن تمسكتم بهما لم تضلوا).(٥)

كما قال تعالى:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} الأنفال.
٢-الالتفاف الحقيقي حول مكامن القوة ودعوة المؤمنين لها وحثهم عليها .
٣-إفشال المخططات الهدامة التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في سعادة العدو وذلك بسلوك البحث العلمي الراقي البعيد عن التسقيط والتهميش لمكان القوة في المذهب بل بالطرق التي أشار إليها القرآن الكريم والعترة الطاهرة حث قال تعالى :
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} النحل.
٤- عدم الانتصار للذات وتصفية الحسابات وإذكاء موارد الفتنة على حساب إيمان المؤمنين ومحبتهم واستغلال عواطفهم وإثارة كوامن الكره والحقد والضغينة بينهم وبين من يختلفون معهم في الفكر والرأي أو محاسبة نواياهم .
٥- معرفة حدود الذات وعدم إعطائها أكثر من حجمها الطبيعي مهما كثر المصفقون لها بل كلما كثر المصفقون و كثرة النعل خلفها كان ذلك أدعى للخوف من الله سبحانه وأكثر مسؤولية بين يديه سبحانه كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في صفات المتقين:
(..لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بنفسي مني ” اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك أنت علام الغيوب وستار العيوب… ) (٦)

المصادر :
١- التبيان – الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٥٤٥.
٢- مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب ج ٣ -ص ٣٤٣.
٣- ميزان الحكمة – محمد الريشهري ج ٢ ص٨٩٦.
٤- معالم المدرستين – السيد مرتضى العسكري ج ٣ ص ١٠١.
٥-بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٢ ص ٢٢٦.
٦- مكارم الأخلاق – الشيخ الطبرسي ص ٤٧٦.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى