شيبة الجود
جاسم المشرف
في رثاء سماحة العلامة الشيخ حسن باقر بوخمسين، في ذكراه السنوية
الحقول الندية اليانعة تحارُ على أي أشجارها تقف، وفي أيِّ جدواها تتأمل ومن أيِّ ثمارها تقطف؟، فإن اكتفيت بفيء جودها فحسب، فلم أكن في غيره من الزاهدين، ولكن لأعطي هذا الفيءَ شيئاً من حقه، ولأن الوقتَ الذي يتسربُ من بين أيدينا لا يسعفنا للمزيد
يا كتاباً سطورُهُ الرَحماتُ
وحروفاً مِن الهدى نابِضاتُ
أنتَ حجٌّ إذا سعى مِنكَ جَاهٌ
وصلاةٌ تغارُ مِنهُ الصلاةُ
كم تبدَتْ حروفُ سِفركَ
بالحبِّ وكم تستفيقُ منهُ الحياةُ
كم تناهى إليكَ صوتُ فقيرٍ
فاستقرتْ براحتيكَ النجاةُ
وارتمتْ في رجاكَ حاجةُ ملهوفٍ فضاءتْ فيما أردتَ الجهاتُ
واستظلَ اليتيمُ في فَيءِ طودٍ
بعدَ أنْ عاثَ في نَداهُ الشتات
•••
أنتَ ظِلٌّ مشى إليهِ حَسيرٌ
فرأى فيكَ كُلَّ مَن عنهُ فاتوا
يا مِدادَ السخاءِ إنْ شَحَّتِ
النفسُ وإما بهِ استشاطَ الجُفاةُ
قاربِ الخطوَ فالعروجُ عظيمٌ
والمسافاتُ حارَ فيها الحُدَاةُ
أينما سِرتَ فالنسيمُ ربيعٌ
حيثما كُنتَ تُبدِعُ النسماتُ
كُلُّ أيامِكَ السنيةُ بيضٌ
وليالكَ ضَوؤها الزكواتُ
رَحمةً رَحمةً تسيرُ إلى الناسِ
بهديٍ تؤوبُ منهُ العُصَاةُ
نَظرةً نَظرةً تُضيءُ مِنَ الحبِّ
لِنحيا وتَنتشي الأُمنياتُ
خشعَ الدهرُ مُذْ تَبَديتَ فيهِ
عَلوياً وبارَكتكَ الهُداةُ
°°°
أيها الضَّوءُ يا صَديقَ المروءاتِ
إذا لُحتَ لاحتِ الآياتُ
مُذْ قَرأتُ: الذينَ يَمشون هوناً
لاحَ لي بارقٌ ووجهُكَ ذاتُ
لاحَ لي سَمتُكَ الخفيضُ جَناحاً
مِنهُ تزكو النفوسُ تَسمو الدُّعاةُ
وتجلى البهاءُ كالنهرِ يجري
بسخاءٍ عليهِ يحيا المَوات
خيمةٌ ظِلها كدوحةِ طوبى
ما استظلتْ بفيئِها الحسراتُ
قَدْ رَمى الطرفُ مِنكَ أقصى الأماني
حيثُ كُلُّ الرضا وَحيثُ النجاةُ
لا تراعي غيرَ الذي كانَ مِنهُ
فيضُ جودٍ وكانَ مِنهُ الثباتُ
°°°
تَستضيءُ الأيامُ مِن شيبةِ
الجودِ بهاءً ويستنيرُ الأباةُ
كَفُّهُ والندى تَماهتْ معَ الجودِ
عطاءً يفيضُ فيهِ الرواةُ
فإذا جاءَ جاءَ نهرٌ من الودِّ
وإنْ غابَ غابت الأُعطياتُ
وإذا الدربُ أوعرته حَزونٌ
سارَ فيهِ فتنقضي حاجاتُ
شَهدَت بَذلَهُ دروبٌ بكوفان ودورٌ ودجلةٌ وفراتُ
واصطَفَتهُ السماءُ للخيرِ ينبوعًا لتجري على يديهِ الهباتُ
°°°
تركنُ النفسُ في بِساطِ فقيرٍ
ومُنى القلبِ كِسرَةٌ وفُتاتُ
ساكنٌ في القلوب نبضاً وروحاً
كنواةٍ يَجُدُّ منها النباتُ
إنَّهُ الجودُ لو بحثنا عن
الجودِ رأينا.. بِبيتهِ يقتاتُ
إنَّهُ المجدُ لو أردنا افتخاراً
واختصاراً وإنْ جَفاهُ الجفاةُ
كادَ مِنهُ النقاءُ أنْ يُشعِلَ
الليلَ سناءً فَقلبهُ مِشكاة
عامَلَ اللهَ عَامِلٌ ليسَ يَشقى
كيفَ يَشقى مَن في هُدَاهُ الهُداةُ