القراءة بين الشغف والاحتباس
يوسف أحمد الحسن
عندما سألت أحدهم -وقد تخرج من الجامعة وعمل لعشر سنوات – عن آخر كتاب قرأه، فأجابني بأنه لم يقرأ أي كتاب منذ أن أغلق آخر كتاب في آخر فصل دراسي بالجامعة، تأكدت حينها أن هناك احتباساً حقيقياً في القراءة بمجتمعنا. ولكنني عندما طرحت السؤال نفسه لآخر (وهو صديق) فقال لي إنه خلا عمله وواجباته المنزلية لا يقوم بأي شيء آخر سوى القراءة والكتابة، حينها أدركت بأن مجتمعنا حائر بين النموذجين، الأول: وهو النسبة الأكبر والثاني: الذي يعد عملة نادرة في سوق القراءة.
وعندما أمر على أول كلمة نزلت في القرآن (اقرأ) تجول في خاطري انعكاساتها علينا باعتبارنا مسلمين، وهل يعي أكثرنا أن لها دلالات مباشرة وغير مباشرة على ضرورة الاهتمام بالقراءة وجعلها أولوية في حياتنا، لأنها العلم والمعرفة وهما أس الحياة.
وعندما نمر بنماذج مشرفة في القراءة عربياً وعالمياً كالشاعر الأسباني لوركا الذي كان يقول: لو أنني كنت جائعاً وكنت متسولاً في الشارع فلن أطلب رغيف خبز، وإنما سأطلب نصف رغيف وكتاب، حينها لا نفهم سوى أننا أمام حالة من الشغف عالية. ولكن المشكلة هي أن هناك حالة متفردة من السعادة والنشوة تعتري القارئ أثناء القراءة وبعدها تستعصي على التوصيف، كما أنه لا يمكن أن يفهمها أو يتفهمها من لا يقرأ. فكيف تقنعه بذلك؟ وكيف لي أنا هنا باعتباري كاتباً أن أقنعه بالقراءة عبر كتابتي إذا كان لا يقرأ ما أكتبه؟ وكيف أقوم بإقناع الممتنع عن القراءة بها وبأنها تعرج بصاحبها إلى أعلى درجات التجلي في ميادين الفكر والمعرفة والثقافة إذا كان لا يقرؤني. وكيف له أن يفهم أنها كشرارة إبداع وكشلال من الجمال وينبوع لا ينضب من العطاء، وتفتح أكبر كوة في جدار الجهل وتشيد أعلى الأبراج التي تكشف آفاق الحياة.
هل نحن أمام حالة من وضع العربة أمام الحصان؟ أو كمن يضع السلم على الجانب الآخر من السور الشاهق؟ هل ندور في حلقة مفرغة أم هي طاحونة الحمار التي تدور دون نهاية؟
البرتو مانغويل (دون جوان المكتبات) الذي قال: إنني أتمتع كثيراً بمنظر الرفوف المكدّسة بالكتب، وبرؤية الكتب التي أعرفها جميعها – ولمن لا يعرف دون جوان فهو شخصية أسطورية عرف عنها حبها للنساء حيث استطاع إغواء أكثر من 1000 امرأة دون صعوبة – مانغويل نفسه قال: حين كان أصدقائي يحلمون بمآثر بطولية في حقول الهندسة والقانون والمال والسياسة، كان حلمي أن أصبح (أمين مكتبة).
وحين نقارن هذا بالواقع العربي الذي يقول بأن العربي يقرأ في المتوسط ست دقائق فقط كل عام (حسب إحصائية قديمة لمؤسسة الفكر العربي) مقابل 200 ساعة في الدول الأوربية، ندرك هنا السبب الحقيقي لتخلف هؤلاء وتقدم أولئك.