خطر القراءة
يوسف أحمد الحسن
يقال إن الغبي إذا قرأ الكثير من الكتب الغبية فإنه سيتحول إلى غبي مزعج وخطر جداً، لأنه سيصبح غبياً واثقاً من نفسه وهنا تكمن الكارثة! ذلك أن هذا النوع من الناس ينتقي من الكتب ما يميل إليه وما يتوافق مع أفكاره الضحلة، فبدلاً من أن يتطور فكره ويرقى في المعرفة تجده جامداً على أفكاره لا يتزحزح عنها قيد أنملة، ويظل طوال حياته متمسكاً بأفكاره باحثاً طول الوقت عن أي إثبات لوجهة النظر التي يتبناها وبالتأكيد فإنه سيجد مبتغاه. ذلك أن هذه النوعية من الأشخاص لا يزيد عن قيامه باغتراف الأفكار من هنا وهناك ثم فلترتها وانتقاء ما يرغب منها ونبذ ما لا يرغب.
وأمثال هؤلاء كثر في مجتمعاتنا، حيث لا شغل لهم إلا تكرار أنفسهم واعتبار ما لديهم هو الحق والحقيقة، بينما يعترف أكثر المفكرين والمخترعين بأن حجر الزاوية في نبوغهم أو بروزهم هو حالة التشكيك الدائمة التي يعيشونها في حياتهم تجاه ما يصادفونه كل يوم، والتي لولاها لم يتقدموا، على قاعدة وجود علاقة عكسية بين العلم والثقة بامتلاكه. ذلك أن حالة العجب الدائم بما يعرفه أي شخص، لا تدع له أي مجال للتفكير في الخيارات الأخرى أو احتمالية الخطأ في أفكاره. وهكذا فبدلاً من أن تكون القراءة وسيلة لإزاحة الصدأ عن الأفكار القديمة، فإنها تزيد من هذا الواقع سوءاً وتجعله يبدو براقاً من الخارج رغم ما ينخر أساسه.
إن بعض القراء إذا ما قرأ بعض الكتب وأعجبته يقوم بالبحث عن الكتب الذي تتماهى مع هذه الكتب، ولا يقترب أبداً مما يتعارض معها، فتتضخم لديه الأنا الثقافية ويتلاشى لديه الآخر فلا يكاد يراه. وهنا خطر الانجراف نحو الهاوية أو المجهول أو التحول إلى ما يطلق عليه المثقف اليقيني وهو المثقف الذي دائماً ما يكون متيقناً من ذاته ومن أفكاره خلاف المثقف القلق الذي يبحث عما هو جديد أو ما ينقض ما هو عليه. ولا يجب أن يفهم من هذا التأكيد على حالة التمرد الدائمة على الواقع الفكري وإثارة الجلبة عليه، بل مواصلة إثارة الأسئلة ومحاولة إيجاد الإجابات عنها وهو ما تتكفل القراءة الحرة القيام به لا القراءة الانتقائية.
وليس ببعيد عن الصواب القول: إن قليلا من العلم خطير جداً، لذلك فقد قيل دائما إن (نصف المعرفة أكثر خطورة من الجهل. جورج برنارد شو) وقبله قال الشعبي: العلم ثلاثة أشبار فمن دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه لا يعلم. أو كما قيل (خذ حذرك من اثنين جائع جمع قرشين وجاهل حفظ سطرين).
وأخيراً فهناك من يرى خطرا آخر في القراءة وهو خطر الانحراف بسبب قراءة كتب منحرفة وهي فكرة ومهما تم تبريرها فإنها تدل على ضعف الفكرة التي يخافون من الانحراف عنها.