أقلام

أكلات شعبية محلية مُصنعة في الصين

أمير الصالح

بعد أن نجحت الصين في الاستحواذ على قطاعات عريضة في مجال الصناعة الثقيلة
والصناعات التقنية،
وأجهزة الاتصالات،
والمعامل الكيميائية،
والصناعة التحويلية،
والفضائية والصناعات العسكرية، حيث المردود المالي العالي والمجزيء، تفاجأت بولوج وريادة الصين في الصناعات الغذائية المحضرة والجاهزة للأكل والمطابقة للأذواق المحلية في بعض الدول العربية ذات القوى الشرائية المرتفعة.

قبل أربعين سنة، بالحد الأقصى اعتدت أن أرى مُربى البطيخ الصيني المعلب كمنتج غذائي صيني وحيد على مائدة الإفطار. أما الآن فإن معظم البقوليات المعلبة المصفوفة على أرفف السوبرماركت، كالفول والفاصوليا والخضار المشكلة الجاهزة للأكل أضحت صينية المنشأ. آخر ما تفاجئت به هو ورق العنب المحشي المعلب والمنتج في دولة الصين. ولك أن تتخيل أن عدة ماركات تجارية وليست بالقليلة من ورق العنب المحشي المُعلب يُصنع ويستورد من دولة الصين. شخصياً ذهبت إلى دولة الصين عدة مرات ولم أجد أي شخص صيني يعتبر وجبة ورق العنب كمقبلات على مائدته، كما أني لم أجد أحداً يبتاع ورق عنب محشي هنالك من أبناء دولة الصين. ولك أن تتخيل أن معظم علب الفاصوليا المطبوخ، والفول الجاهز المعلب يعد في الصين ويُباع محلياً طبقاً للذوق المحلي في الدولة التي يوردون إليها. حتى أنه بلغني أن هناك بعض من الطاجن المغربي المعلب مُحضر في الصين ويُباع في دول شمال أمريكا.

في البداية كنت أتساءل كيف وعلى أي أساس يقوم المستثمر الصيني في بناء مصنع أو خط إنتاج غذائي لمنتج هو غير ملم به ومجهول لديه مدى إقبال الجمهور في تلكم المناطق في الدول العربية التي لا تشترك معه في الثقافة الغذائية بالعموم فضلاً عن منتجه غير الشعبي في بلده.
وفي جانب آخر وعلى ضوء جائحة كورونا، فإن معظم الناس في بعض الدول شرق الأوسطية في حالة نفور من الوجبات الصينية. فمن أين يأتي المستثمر الصيني بكل تلك الجرأة في التصنيع والاستثمار في طبق مقبلات شعبي بحيث يخوض المعترك ويواجه المنتج المحلي والمنتج المصنع في دول الإرث التاريخي لذلك الطبق بمنتج مُصنع خارج نطاقه الجغرافي المعتاد؟ أليس هذا الأمر يذكرنا بمقولة سيد البُلغاء ” كحامل التمر إلى هجر ” . استدركت في ذات الوقت بأنه في عصر المعلومات الحالي، أضحى المستثمر الأجنبي بعد حصوله على بيانات المبيعات أو قراءته لبيانات الاستيراد لسلعة محددة في دولة معينة القدرة على تحليل تلكم المعلومات وإطلاق صناعات متوافرة الخامات في بلده، حتى يتمكن من خلق قيمة مضافة، ويشارك في الكعكة بالسوق المحلي لتلك الدولة المستوردة. وفي المقابل فإن المستثمر الصيني استطاع أن يفتح باب رزق لأبناء بلده وتنويع نطاقات استثماراته وتوسيع نطاق تصديره ولاسيما مع وجود ميزات تنافسية كبرى، مثل بخس ثمن المواد الأساسية في أرضه وتدني أجور العمالة في بلده، وارتفاع منسوب الأتمتة، وتلقيه لدعم غير محدود في مجال التصدير والتصنيع. وفي ذات الوقت، دار في خلدي بأنه قد يكون كامل المصنع المقام في الصين لأنتاج ورق العنب المحشي هو لمواطن مستثمر وجد لنفسه الأسباب بأن ينشئ خط الإنتاج في دولة الصين، حتى يعمل هامش ربح أعلى مقارنة بقيامه بإنشاء ذات المصنع في موطنه؛ وكذلك قد يكون حصل على تسهيلات إدارية ولوجستية وتصديرية أكثر هنالك. وفيي سيناريو ثالث مفاده بأن المستثمر ليس صيني الجنسية وليس مواطن محلي التبعية وإنما شركات عابرة للقارات لديها أجهزة بحث وتطوير تسويقي وتجاري تستقريء به أسواق وأنماط الاستهلاك المحلي لكل سوق ولكل شعب ولكل منطقة جغرافية في مجال الأطباق الغذائية الشعبية. وعلى ضوء تلك القراءة تحدد تلكم الشركات العابرة للقارات مناطق المصنع لتغذية المستهلك، والصين في العادة هي الأكثر نصيباً في مناطق التصنيع. وهناك احتمالات أخرى لم أوردها هنا لمنع الإسهاب في هذه الجزئية. وكل الاحتمالات واردة سواء وجود مستثمر صيني جريء أو مستثمر مواطن في مناطق بعيده أو شركات عابرة للقارات أو مستثمرين عرب كانوا يعملون مندوبي مبيعات، إلا أن الأمر يقدح فكرة وجوب تشجيع الصناعات الغذائية المحلية ودفع الخطى لتوطين الصناعات الغذائية محلياً، لما لها من عوائد اقتصاديه واستقرار اجتماعي وخلق فرص وظيفية.

في العادة يلجأ المستورد المحلي (التاجر) لجلب طعام معلب أو غير معلب من الخارج إذا ماكان هناك نقص شديد من المعروض للمنتج المحلي، أو تميز جودة المنتج المستورد. ولكوننا نتكلم عن ورق العنب فالمشهور بأن تركيا واليونان هما الرائدتان في إعداد ورق العنب المحشي، وذاع صيت لبنان ودول الشام أيضاً في ذلك. ويبدو أن أحد رجال الأعمال اكتشف لاحقاً أن ورق العنب الخام الأمريكي هو الأفضل كلقيم لإعداد ذلك الطبق فتم استيراده كمواد خام.
إلا أن هناك تجار عقدوا النية على استيراد ورق العنب المحشي المصنع مسبقاً من دولة الصين بسبب هامش الربح الكبير وبسبب زيادة الفجوة في مستوى الطلب المحلي وكمية المصنع محلياً.

لعل البعض يتساءل: كم هو مستوى العائد المالي في منتج ورق العنب المحشي بالرز المصري مع بعض من خليط الطماطم وأوراق خضراء والبصل وملح وسماق وملح الليمون والبهارات وزيت الزيتون؟ شخصياً أعددت دراسة اقتصادية بسيطة لحساب التكاليف لإنتاج حبة ورق عنب واحدة محشية جاهزة للأكل بناءً على أسعار المواد الأساسية المتوافرة محلياً بأسعارها في السوبرماركت، ومقارنة بسعر بيع الحبة الواحدة من المنتج النهائي، وحساب الفرق السعري لمعرفة الهامش الربحي. فسجلت أن من يصنعها محلياً أو في دولة تركيا أو اليونان أو حتى الصين يكون هامش الربح متفاوت ببن ٢٥٪؜ إلى ٢٥٠٪؜ . نعم كما قرأت مائتان وخمسون في المائة هامش ربح مع التحفظ في حساب المواد الأساس وسعر البيع. ولم أحسب سعر ورقة العنب المباعة في الفنادق أو المطاعم الراقية. نقول ربي ارزقني وارزق من هم حولي وجميع أبناء وطني. إلا أنني أود أن أهمس في إذن المصنعين المحليين من الأسر المنتجة والمخابز والمحلات المتخصصة لمنتج ورق العنب المحشي، بأن يزيدوا من حصتهم من المبيعات من خلال تقليل سعر البيع ومنافسة المنتج المستورد سعراً.

توافر ورق العنب المحشي والمعد محلياً بنكهة ومذاق وأيدي محلية ستزيد عدد انخراط الأيدي العاملة من الفتيان والفتيات المحليين، وتقليل منسوب كمية المستورد من الدول الأخرى يخلق فوائد اقتصادية أخرى ويقلل من تسرب الوظائف إلى أسواق أعالي البحار. نفس الأمر ينطبق أيضاً على أمور أخرى يمكن تصنيعها وتوفيرها محلياً. إهمال هذا الأمر البسيط وغيره قد ينتج عنه مع مرور الزمن ومن دون أية مفاجئة رصد هريس معلب مُصنع في الإكوادور أو عصيدة مثلجة معلبة مُصنعة في الفيتنام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى