مع شخصيات الفكر والأدب إبراهيم سلمان بوخمسين {٥}
ناصر المشرف
منعطفات في العمل الثقافي والاجتماعي:
لقد آلمني كثيرا أن أرى مخطوطات العلامة الشيخ باقر حبيسة الأدراج وفيها من المعلومات ما يفيد المجتمع في كل ميدان، ولا سيما صفوة كتبه (لماذا نقدس القرآن) مما حدا بي أن أطلب من المهندس رياض وسماحة العلامة الشيخ حسن بأن يتكرموا عليَّ بأن أعمل على تحقيقه بعد التوفيق في تحقيق كشكوله الهجري. لم يكن الأمر
سهلاً عليهما إذ أنا لست مختصاً في هذا الميدان، ولكن لكل مجتهد نصيب ولا بد لهذا الكتاب أن يرى النور وإلا سيبقى حبيس الأدراج كما هي معظم مخطوطاته اليوم، أو تكون عرضة للسرقة كما حدث لبعض المخطوطات، أو الاستعارة والنسخ فتُذهب رونقها.
وبعد الإلحاح وافقوا فعكفت عليه وشحذت همتي وعاهدت نفسي بأن لا ألقي عصى الترحال في التحقيق إلا بعد أن أتمم العمل فيه. كانت في قسمه الأخير أبواب لم تكتمل، فأخذت الأذن من سماحة العلامة الشيخ حسن بوخمسين في إكمالها بنفس الأسلوب الذي استخدمه والده الشيخ في بحثه. وبعد أن اكتمل التحقيق تمت المراجعة من قبل سماحة الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن وسماحة الشيخ حسين بن عبدالهادي بوخمسين وتحت رعاية الشيخ حسن بن العلامة الشيخ باقر، وتم إقرار جميع الملاحظات.
يُعد هذا الكتاب أفضل مؤلفات العلامة الشيخ باقر بوخمسين تناول فيه واحداً وأربعين موضوعاً، ويُعد من التفاسير الموضوعية في القرآن الكريم. ومن أبوابه: ما هو القرآن، المشاريع الخيرية في القرآن، الدولة وشؤونها في القرآن، الطقوس الدينية في القرآن، الحقوق الشخصية في القرآن، الرق في القرآن، حقوق الحيوان في القرآن…
الكتاب قيم جداً بشهادة كل من آية الله الدكتور الفضلي، وآية الله الشيخ باقر شريف القرشي. وقد أوردت كلتي الشهادتين في دراستي الأدبية للشيخ باقر التي شاركت بها لكتاب سوف يصدر قريبا عن حياته.
قدم الله آية الله الدكتور عبدالهادي الفضلي بمقدمة رائعة لم تصلنا إلا بعد أن طبع الكتاب. ولعلنا ندرجها في الطبعة الثانية، ومما جاء فيها:
“ولكي يقف هؤلاء على جانب من أسباب هذا التقديس للقرآن الكريم كان هذا الكتاب (لماذا نقدّس القرآن).
وسيرى القارئ المحترم أنّ المؤلّف – رحمه الله- استخدم في تدعيم بياناته الفكر العلمي الجديد، لكن لماذا؟
ألمحت إلى هذا فيما مضى حيث الانفتاح الذي تعيشه النجف، والتطلّع للاستفادة من كلّ جديد مفيد.
إنّ هذا الاستقبال للفكر العلمي من المؤسّسة الدينيّة في النجف، وبخاصة في حقلي العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية أحدث نقلةً مهمةً في منهج التأليف عند المسلمين، فبعد أن كان المؤلّفون المسلمون العرب يعتمدون مبادئ الفلسفة والمنطق وقضاياهما في الاستدلال للإثبات والنفي والتحليل والتعليل والتقسيم والتصنيف، انتقلوا إلى استخدام مفاهيم العلم الحديث وقضاياه، وبخاصة في الكتابات التي تتعلّق بالقرآن الكريم، حتى رأينا الشيخ طنطاوي جوهري المتوفّى سنة (1940م) يؤلّف تفسيره (الجواهر) معتمداً على العلم الحديث، وقد لعب هذا التفسير دوراً مهماً في إسناد هذه النقلة.”…انتهى.
ولقد كتبت من هذه المقدمة الشيء الكثير في مشاركتي لكتاب العلامة الشيخ باقر بوخمسين الذي ذكرته سابقا.
طبع الكتاب في لبنان، وشورك به في معرض الكتاب بالنجف الأشرف ومعرض طهران للكتاب.
جاء الكتاب في 320 صفحة، وضمناه فهرس للأسماء والأعلام وفهرس للمدن والبلدان.
يوجد لدي صورة من المخطوط الأصلي والمسودات ” التي عملت عليها.
وكما قلنا في تحقيق الكشكول الهجري ينطبق على هذا الكتاب إلا أن هناك فرقاً جوهرياً فقد ذكر سماحته مصادر ستة من مصادر البحث.
الانتخابات البلدية منعطف جديد:
ما بين ذي القعدة سنة 1425 هـ ” قيد الناخبين ” إلى المحرم 22 سنة 1426 هـ، شهدت محافظة الأحساء حراكاً محموماً على أول انتخابات مجلس بلدي رسمية في بلدنا المملكة العربية السعودية. الحدث جديد بكل المقاييس وهو نقلة نوعية تجعل الناس لهم الحق باختيار ممثليهم في المجلس البلدي والتصويت، وكانت الدورة الأولى مقصورة على الذكور فقط. كانت الأحساء بمدنها وقراها ست دوائر سيمثلها ستة مرشحين، وكان للناخب الحق بالتصويت في جميع الدوائر، بخلاف الدورات الحالية فإن التصويت فقط في محيط الدائرة التي يقطن فيها الناخب. كان الصراع محموماً بين مكونات المجتمع والاصطفافات، كل يريد جر القرص إلى ناره، ارتأت مجموعة من ناشطين المجتمع والوجهاء والخطباء ورجال الدين والأكاديميين ورجال الأعمال الوقوف ودعم ممثليهم في الانتخابات مثل بقية ناشطي المجتمع في طول وعرض المحافظة، والمساهمة ببث الوعي بهذه التجربة الجديدة بشكل مباشر وغير مباشر، وبدأت عجلة العمل بالسير. إنها ثقافة جديدة دخلت بيوتنا وحياتنا وفكرنا وعلينا التعامل معها بحذر إذ أن إرساء القاعدة في كل عمل جمعي هو أساس النجاح، على عكس الاختلاف وحب المصالح الفردية والآنية فهو أساس الفرقة وبالتالي الفشل وهو ما كاد يحصل، وحصل بعد ذلك في الدورات التالية. نعود لدورتنا الأولى فقد تصدت هذه الكوكبة المذكورة لتثقيف الناس وتعليمهم بهذه الانتخابات الجديدة. وقد أخذوا على عاتقهم تعريف الناخبين وتذكيرهم بأهمية المشاركة وتذكيرهم بالمواعيد الواردة في جدول مواعيد الانتخابات، وكان هؤلاء ومن وقف معهم من المهتمين بالعمل الاجتماعي والجمعي وقد وصل عددهم قرابة الـ ” 1200 ” متعاون من مختلف مدن وقرى الأحساء، الدعامة التي قادت السفينة إلى شاطئ الأمان.
أنا شخصياً ممن دعيت للاشتراك في هذه الفعاليات، وسرنا والبقية سيراً سجحاً، وسارت الأمور وتم استقبال أسماء الذين سيرشحون أنفسهم والقابلين بمعايير العمل بعد أن تم الاتفاق عليها من جميع الأطراف، وكان عددهم 16 مرشحاً، ثم تم اختيار الأفضل والأكفأ للحصول على الدعم اللازم. أيضا كانت هناك تكتلات أخرى قد وضعت لها معايير وترتيبات لكن ليس لنا علم بها.
كان علينا اختيار ستة فقط من ضمن تلك المجموعة التي وافقت على المعايير والترتيبات (بموجب الوثائق وملف الانتخابات الذي عملنا به )، تم اختيار ستة منهم، وللحصول على مزيد من الدعم تم عرضهم على بعض الوجهاء والمشايخ، إلا أن البعض مال إلى هذا لأنه رجل أعمال وآخر مال إلى ذاك لعلاقاته الاجتماعية به، وطالبوا بأن يعمل كل مرشح على حدة…! شعرنا بأن المركب أخذ بالغرق وأن جهود المجموعة ستذهب أدراج الرياح فإما موقف للتاريخ لنصبح مثلاً لهذا البيت المشهور وإلا فلا:
كونوا جميعاً يا بنيّ إذا اعترى … خطبٌ ولا تـتـفـرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً … و إذا افترقن تكسرت أفراداً
قررت المجموعة المضي قدما ومواصلة المشوار وهذا ما تم بالفعل.
عملت المجموعة بتوفير الورش، التثقيفية للمرشحين لتعليمهم متطلبات وقوانين وأنظمة الانتخابات والتعامل مع الجمهور في المخيمات الانتخابية. كما تم إصدار نشرات تلخص جدول ومواعيد التسجيل والتصويت، وتثقيف الناس وحثهم على التسجيل في قيد الناخبين إذ أن هذه المرحلة من أهم مراحل الانتخابات.
بعدها تم العمل على تسجيل المرشحين لعضوية المجلس البلدي، ثم صدرت القائمة الأولى ومن ثم النهائية بالموافقة على من قررنا دعمهم. أقيمت المخيمات الانتخابية وكانت المنافسة على أشدها في أنحاء المحافظة ودخلنا الصمت الانتخابي يوم الواحد والعشرين من المحرم 1426 هـ. ثم الاقتراع في اليوم الثاني وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
سخرت كل السبل يوم الاقتراع للناخبين للوصول إلى صناديق الاقتراع وتذليل السبل والإمكانات المتاحة وحثهم على التصويت، كما تبرع بعض رجال الأعمال والناشطين بتوفير وسائل المواصلات أو الدعم المالي لذلك، مما كان له أكبر الأثر في توصيل الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وكانت عملية التنسيق تدار على أكمل وجه، وكنا نعمل ليل نهار. لم يرتفع مساء ذلك اليوم إلا باليقين بأن قائمتنا ستحصد أكبر عدد لعضوية المقاعد، وهذا ما تم بالفعل فقد تم الفوز بخمسة مقاعد وآتت الشجرة أكلها وكان من بين المرشحين ابن عمنا المحامي عبدالرحيم أحمد بوخمسين وفاز عن الدائرة الرابعة بالهفوف.
أسفرت هذه التجربة عن تحولات اجتماعية جماعية وفردية أثرت على العمل الجمعي والفردي على مجتمعنا، وليس هاهنا محل ذكرها وذكر تفاصيلها، ولعلنا نتطرق لها مستقبلاً أو يتصدى للكتابة عنها من كان منخرطاً في هذا العمل.
انتخابات الغرفة التجارية:
وعلى غرار الانتخابات البلدية جرت انتخابات الغرفة التجارية بعدها، وكانت أيضاً هناك مجموعات واصطفافات، ولكن على مستوى آخر إذ أن التجار والصناع والذين سجلاتهم التجارية والصناعية سارية المفعول هم فقط من يحق لهم الترشيح لعضوية الغرفة التجارية والتصويت أيضاً. طبعاً العمل هنا وطرق الترتيب تختلف عن انتخابات البلدية، إذ أن عدد المرشحين والمقترعين أقل بكثير من ناخبي ومرشحي المجلس البلدي. لم تألُ المجموعة مرة أخرى عن تقديم خبرتها والوقوف مع التجار والصناع الذين طلبوا الدعم فحققوا نتائج باهرة وملحوظة.
الطموح مرة أخرى:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ … وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
من هذا الباب وبعد انتهاء الدورة الأولى للمجلس البلدي ومع مشاورة أبناء عمومتي قررت أن أدخل لمنافسات الدورة الثانية، فاستحسنوا الأمر وقرروا الوقوف معي وسجلت اسمي للترشح، وجاءت القائمة الأولى بالقبول. على إثرها شكلنا لجنة على غرار ما حصل في الدورة الأولى وبدأنا بالعمل وعقد الاجتماعات بإدارة السيد عبدالكريم المسلم، وقمت بتعيين محل المخيم الانتخابي ومن ثم استئجاره وتقديم الطلب إلى البلدية للموافقة عليه.
كان استعدادنا على قدم وساق، وقبل يوم من إقامة المخيم الانتخابي جاءت القائمة النهائية وكأن يداً أتت من بعيد لتحذف اسمي منها. الصدمة كانت مؤلمة حاولنا أن نعرف سبب المشكلة من لجنة الانتخابات العليا بالرياض فأخْـبـِرْتُ بأن البلدية ليس لها علاقة بالموضوع وقد وافقت عليك بالقائمة الأولى وليس لدينا عليك أي إشكال، إن الموضوع خارج عن أيدينا وسنخبرك لاحقاً. تركت طلباً خطياً ورقم هاتفي، طبعا إلى اليوم لا أعرف السبب ولم يقم أحد بالاتصال. رجعنا من اللجنة وأنا اقول ” وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ” و ” الخير فيما وقع “.
أحببت أن أنقل لكم تجربتي، وكما قال الإمام علي (عليه السلام): العقل عقلان: عقل الطبع، وعقل التجربة، وكلاهما يؤدي المنفعة. وعنه (عليه السلام): في التجارب علم مستأنف.
لنترك هذه الأمور ولنعد للفكر والثقافة فإنها أريح بالاً.
إلى جانب هذه الأعمال كنت أكتب مقالات عن أحداث الساحة في أغراض متعددة وأنشرها على صفحتي في الفيس بوك وفي شبكة راصد الإلكترونية وحالياً في موقع المطيرفي الإلكتروني وموقع بشائر الإلكتروني.
قصتي ورحلة الحقوق:
دفعني حبي للإمام زين العابدين عليه السلام ومظلوميته، وما تركه لنا من كنور معرفية وأسرار الهية في رسالته الحقوقية والصحيفة السجادية، ومن الكنوز اللغوية التي مهما أوتي أي إنسان من فصاحة وبلاغة وعلم لسبر أغوارها فسيكون عاجزاً. أحببت أن أقدم خدمة قليلة لهذا الإمام وللأحبة القراء، فراودتني في السنوات الأخيرة فكرة شرح رسالة الحقوق لمولانا زين العابدين بطريقة وأسلوب غير المتبع في الشروحات الموجودة. عمدت في بحثي هذا بأن آتي ببعض سيرة الإمام بما يناسب ذلك الحق وبعض الشعر، ومن ثم تعريف لغوي من معاجم اللغة وبعض الإحصائيات من القرآن بما يخص كل حق إن وجد، ثم الشروع في الشرح والتحليل. وكذلك بالاستشهاد ببعض المراجع والكتب لمؤلفين وشعراء أحسائيين. نشرت هذه على شكل حلقات في صفحتي على الفيس بوك. ولما رأيتها شارفت على الأربعمائة صفحة قررت أن أطبعها كجزء أول. فعمدت إلى مدقق ومخرج لتدقيقها وإخراجها، فجاءت في حلة جميلة، وصدّرت الكتاب بتخميس جميل للشاعر الجميل الأستاذ ناجي الحرز لقصيدة الفرزدق الميمية المشهورة ومنها:
فــقــد حــباني ربّ الـبـيـت مُـدّكَــرَا *** تـلوتُ في فضل آل المصطفى سِوَرا
عـرفـتُ مـنها ملوك الحـق والأمـرا *** إذا أتـانـي فــتـى يــسـتـامـنـي خـبَـرا
فـإنً فـضـل علـيّ لـيس يـنـكتـم
الكتاب أيضاً استغرق أكثر من خمس سنوات من العمل.
طبعت هذا الكتاب في جمهورية مصر العربية، وأيضا لا أزال أحتفظ بمسودات الكتاب.
عودة إلى الخواطر الشعرية:
إلى شهداء مسجد الإمام الرضا عليه السلام:
لنا الموت حياة
اقــتــلونا فــسـنـحــيا … فــلـنا الــمـوت حـيـاة
إن أتــيــتــم بـحـزام … ناســـفٍ أو قــنــبـلات
في بـيـوت الله نحن … لـن نـهـاب الــطـلـقـات
سـوف نـقـضي قائمين … كالـنخـيل الـباسقات
سـوف نقضي راكعين … سـجداً في الصلوات
كل جـرح نال طـفـلاً … صار عــيـناً للـحـيـاة
وهــنـيــئاً للـشهــيـدِ … قــد قضى في الجمعات
طـيَّـبُـوا دور الـعــبادة … بالــدمـاء الـطاهرات
في عــنـود وقــديـح … وبــهـجـر تــضـحــيات
ضـحك الـموت إليها … بالــثـغــور الــباسـمـات
– وهذا وصف لرحلة عائلية من ضمن فعالية العائلة:
رحلتي للمدينة المنورة
شـوفـتـكـم أكـبـر مـكـسـب
أقــولـها والله مـن قــلــب
إن شـا الله دايــر نــذهــب
بها الرحله في أحسن حال
…..
كل واحـد مـنا اســـتـانس
وتـفـاعـل ولا تـــقـاعــس
للـطيـبـين كـلــكـم جـالس
بأحسن خدمه وراحة بـال
…..
هالـعـيـله أحـسن عـيـلـه
نـسوانـهم والـــرجــيــلـه
شـالوهـا أحـسـن شـيـلـه
شـبـيـبـتـهـا و الأطــفـال
…..
بـرنامــجــهـا كــلــه وافـي
بـوفـــيـهـا أكـلـه شــــافي
نـاقــصـها بـــس ســنـافـي
و تصـير رحله عال العال
…..
نـشـكـر كـلـمـن سـاهـــم
من كـــادر ومـن طـاقـم
ومـَنْ مـوًل ومِـــنْ داعِم
شُـكــرْ فِـعِــلْ لا أقـــوال