حسن الربيح يرقّص قوافيه للغة العربية في(العصفورة تتكلم)
رباب حسين النمر: الدمام
كثيرة هي الدواوين الشعرية التي تهتم المؤسسات الثقافية الرسمية، ولا سيما النوادي الأدبية بطباعتها، استقطاباً لشعراء الوطن الشباب، وإسهاماً في الحراك الثقافي والأدبي الوطني، وارتفاعاً بذائقة المواطن والمثقف. ولكن قلّما يقع بين أيدينا ديوان شعر موجه لشريحة الأطفال الذين يشكلون ما نسبته ٣٩% من سكان المملكة العربية السعودية طبقاً لإحصاءات الهيئة العامة للإحصاء عام2016م، فمعظم الدواوين التي تصدر هنا وهناك تكون معنيّة بخطاب البالغين، وتصعب لغتها على فهم الطفل واستيعابه، وربما يعود جزء من المسؤولية على عاتق الشعراء والمبدعين أنفسهم الذين لم يدر بخلدهم استغلال مواهبهم في خطاب الطفل، والاقتراب بقوافيهم ومعانيهم إلى عالمه وفهمه الذي يحتاج المشتغل فيه إلى استعداد خاص ودراية بخصائص النصوص الموجهة للطفل، وتقنيات الكتابة الموجهة للأطفال، وقبل ذلك بسيكيولوجية الطفل.
ومن القليل الذين اشتغلوا في مجال النص الشعري للطفل الشاعر حسن الربيح الذي أصدر ديواناً موجهاً للطفل في فئته العمرية( من ثمانية إلى اثني عشر عاماً) ووسمه بـ(العصفورة تتكلم)، وهو من إصدارات النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية، وطباعة مؤسسة الانتشار العربي عام ١٤٤١هـ.
الجدير بالذكر أن الشاعر السعودي حسن بن مبارك بن محمد الربيح
– من مواليد الأحساء 1393هـ/ 1973م.
حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمحافظة الأحساء التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ويعمل معلماً بالمرحلة الثانوية وله العديد العديد من الإنجازات الشعرية ،منها مجموعتان شعريتان للأطفال الأولى:(اسمه أحمد) وهي مجموعة قصائد تتناول محطات من السيرة النبوية مستفيدة من الجوانب التربوية بالدرجة الأولى في بناء النشء ومن بعض الجوانب الأخرى في تنمية الذوق الجمالي والمعرفي، أما المجموعة الثانية فهي: (أصدقاء مريم) وهي مجموعة قصائد تتناول الحياة بخيال طفولي محض،
وهذه هي المجموعة الثالثة التي يوجهها الربيح للطفل.
ويأتي الديوان القصير في تسع قصائد رشيقة تُرقّص اللغة العربية على أراجيح القوافي، كانت عناوينها جاذبة للطفل، وتركز على موضوعات وكائنت يعشقها ويتجاوب معها في عالمه الصغير، ومنها:
مُعلِّم بغير لسان، والكلام دليل البشر، وسؤال عن الإصغاء، وماذا أكتبُ؟،
وبحرٌ له مفاتيح، والبلابل الضاحكة.
وقد اختار الربيح كائناً صغيراً ولطيفاً أقرب ما يكون إلى قلب الطفل ومداعباته وشغف قلبه وهي (العصفورة الصغيرة) حتى تكون القصائد مصاغة على لسان تغريدها، وقد وفق الشاعر في ذلك كون العصفورة رسولاً مناسباً لنقل الأفكار إلى الطفل،
يقول الشاعر في القصيدة التي عنونها بـ( بداية):
عصفورتي الصغيرة
في ثغرها
قصائد مثيرة
تراقصت من حولها الأشجار
لما شدت بأجمل الأشعار.
عصفورتي الصغيرة
رأيتها مسرورة
فاستمتعوا بالشدو
حتى اللحظة الأخيرة.
وتنسجم البداية التي تقدم العصفورة باعتبارها شادية ومؤدية للقصائد مع العنوان الذي أسند الكلام إلى العصفورة، وكثيراً ما يعمد المبدع إلى إضفاء صفات البشر على الكائنات حتى تكون أقرب إلى الطفل يلتذ بالاستماع لحديثها وكلامها.
ويعمد الربيح إلى تقديم حروف الأبجدية العربية على نظام(أبجد هوز) إلى الطفل العربي بطريقته الراقصة، ويربط بذكاء بينها وبين تطلعات الطفل في صفه الدراسي، واعتزازه باكتساب اللغة العربية ومظاهرها، فيقول:
أبجد … هوز
أنا في فصلي
كنتُ الأبرز.
حُطي .. كَلمن
أنا من درسي
عندي حكمُ
سعفص قَرَشَت
أختي عرفت جُملاً
وحكت
ثخذٌ ضظغُ
يحلو صوتٌ
فلهُ أصغوا
حرفاً حرفاً
تسمو لغتي
وهي الأصفى.
لافتاً إلى تفوق اللغة العربية بطريقة سهلة ميسرة ومحببة بعيداً عن التعقيدات.
وجعل الربيح الشّدّة تعرّف بنفسها، وشبه حرفيها بشخصين يربط بينهما حب عميق، يقول:
نحن حرفان
تشابهنا تماماً
شدّنا حب عميق
ثم أصبحنا من اللهفةِ
حرفاً واحداً
يأبى انقساما
جلست فوقي سكونٌ
مثل تاج الملكة
وأخي امتدت عليه حركة
وبقينا في اختلافِ الشكلِ
حرفاً واحداً
يأبى انقساما
اسمنا الشَّدَّة
يا من تبحثون
ولنا القوة
يا من تسألون
كن إلى صحبك في الشِّدة
حرفاً واحداً يأبى انقساماً.
وتشترك قصائده التسع في اتكائها على قصر مقاطعها وأطوالها، واعتمادها على بحور مجزوءة، أو قصيرة التفعيلات، وتنغيمها الحلو، وكلماتها السهلة المقتبسة من قاموس الطفل.
وحري بالأدباء أن يولوا جل عنايتهم بالطفل، ويوجهوا شيئاً من قصائدهم وإبداعاتهم إليه بأسلوب وخطاب يقترب من عالمه ويناسب فهمه وإدراكه.