الشيخ الموسى: النجاح في حياتِنا يكون بالتسامح عنِ الأخطاءِ الصغيرةِ، والتغافل عن توافِهَ الأمورِ
مالك هادي: الأحساء
“يجبُ أنْ يُربِّيَ القائدُ والعالِمُ الربانيُّ والناشطُ الاجتماعِيُّ نفسَهُ على صفةِ الليونةِ حتَّى لا تفلتَ منهُ كلمةٌ نابيةٌ فَيَجُرَّ قومَهُ إلى شرٍّ مستطيرٍ” بهذه الكلمات سلط سماحة الشيخ عباس الموسى إمام مسجد الإمام الكاظم عليه السلام ببلدة الحوطة في الأحساء حديث الجمعة تحت عنوان (من صفات القائد).
وكان حديث سماحته يتمحور حول منصب القيادة بكافة مصاديقها سواء كان مرجعا دينيا أو قائداً إجتماعياً ، أو اقتصاديا،فذكر منها صفة الليونةُ والتي تعنِي (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ): فقال سماحته: فالناسُ قدْ تكونُ فيهِمْ صفاتٌ سيئةٌ وأعمالٌ خاطئةٌ، وعلى القائدِ أنْ يُصلِحَها ولكنْ بالحكمةِ.
فتحدث الموسى أنَّ هذهِ الصفاتِ إنَّما هيَ نتيجةُ ظروفٍ تربويةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ معينةٍ، فلا يتحملُ الفردُ كلَّ مسؤولياتِها، بالإضافةِ إلى أنَّ رؤيةَ الفردِ إلى تلكَ الصفاتِ والأعمالِ قدْ لا تكونُ مثلَ رؤيةِ القيادةِ، فعليها أنْ تُصلِحَ رُؤيتَهُمْ قبلَ إصلاحِ صفاتِهِمْ أوْ أعمالِهِمْ.
وشدد في حديثه على القيادة أن تتعودَ على العفوِ، وقال: ولكنْ لا يَعنِي العفوُ السكوتَ إلى الأبدِ عَنِ الانحرافِ، بلْ يجبُ العملُ مِنْ أجلِ إصلاحِهِ، وذلكَ بالاستغفارِ (طلبِ الغفرانِ مِنَ اللهِ)، والدعاءُ بالمغفرةِ كأيِّ دعاءٍ آخرَ يجبُ أنْ يُقرَنَ بعملٍ مناسبٍ، وهوَ محاولةُ الإصلاحِ.
وأشار الشيخ الموسى إلى إنَّ القيادةَ يجبُ أنْ تقومَ برفعِ مستوَى الناسِ وذلكَ عنْ طريقِ التشاورِ، إذْ إنَّ التشاوُرَ يجعلُ الناسَ يتحسسونَ مسؤولياتِهِمْ فيفكرونَ في شؤونِهِمْ بجديةٍ أكثرَ، ويحاولونَ إصلاحَ أنفسِهِمْ بأنفسِهِمْ، كما أنَّ القائِدَ يُبينُ للناسِ بالتشاورِ مختلفَ وجوهِ الأمرِ، مما يزيدُ معرفَتَهُمْ بالحياةِ ويجعلُهُمْ أكثرَ إحساساً بواجباتِهِمْ تجاهَها.
ومن جانب آخر تحدث الشيخ عباس الموسى عنفن التغافل عن أخطاء الآخرين، فقال: الإنسانُ في حياتِهِ يتعامَلُ معَ أُناسٍ يختلفونَ في أمزِجتِهِمْ وطبائِعِهِمْ وأهوائِهِمْ ومصالحِهِمْ، وعلى كلِّ إنسانٍ أنْ يُراعِيَ هذا الاختلافَ، ولكنْ كيفَ يواجِهُ هوَ الناسَ، هلْ بالانزعاجِ والتضجُّرِ مِنَ الناسِ ومِنْ طِباعِهِمْ أوْ بالاندماجِ معهُمْ ومراعاتِهِمْ، والصبرِ على أذاهُمْ؟
فأكد كلُّ واحدٍ مِنَّا يحتاجُ إلى أنْ يتَّسِعَ صدرُهُ في التعامُلِ معَ مَنْ حولَهُ، مِنْ خلالِ التغاضِي عنْ هَفواتِهِمْ، والعفوِ عنهُمْ، فربَّما يُخْطِئُ عليكَ بعضُ الناسِ مثلًا، وربَّما يَسخَرُ منكَ بعضُهُمْ، ومعَ كلِّ ذلكَ لا بدَّ أنْ تتغاضَى عنهُمْ، واستشهد بقولُ أميرُ المؤمنينَ (ع) في وصفِ المؤمِنِ: (أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً).
كما أكد أنَّ مَنْ يَحمِلُ سَعَةَ الصدرِ، لا يحمِلُ حسدًا ولا عداوةً لأحدٍ، ولا يحمِلُ الضغينةَ في قلبِهِ، بلْ سَعَةُ الصَّدْرِ عنوانٌ على رجاحةِ العقلِ، ودليلٌ على كمالِ المُروءَةِ والرجولَةِ، فلا يَغضَبُ صاحِبُها لأتفَهِ الأسبابِ، ولا يُعَكِّرُ صفوَ حياتِهِ أدنَى شيءٍ، ولا يَجعَلُ مِنَ “الحبَّةِ قُبَّةً” -كما يقولُ المثلُ الشعبيُّ- ولا يحمِلُ الكرةَ الأرضيةَ على رأسِهِ في كلِّ شيءٍ يَحدُثُ، أوْ كلِّ كلامٍ يُقالُ، وعلق قائلا: الشخصُ الذي يهتمُّ بكلِّ شاردةٍ وواردةٍ، ويُشغِلُ بالَهُ بكلِّ قولٍ لا يعجبُهُ، أوْ كلمةِ نقدٍ قيلَتْ بحقِّهِ، أوْ موقفٍ أزعَجَهُ؛ فإنَّ حياتَهُ تتحولُ إلى نكدٍ وشقاءٍ وتعاسةٍ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ: (مَنْ لَمْ يَتَغَافَلْ وَلَا يَغُضَّ [لَا يتقاض] عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ تَنَغَّصَتْ عِيشَتُهُ)، وحتَّى لا تتنغَّصُ حياةُ أَحَدِنا عَلينا أنْ تعامَلَ معَ مَنْ حولَنا بتغافلٍ في الأمورِ البسيطةِ والصغيرةِ.
وأكد سماحته أن النجاح في حياتِنا العامةِ والخاصةِ يكون بالتسامح عنِ الأخطاءِ الصغيرةِ، وأن نعفُوَ ونصفَحَ، ونتغافَلَ ونتجاهَلَ توافِهَ الأمورِ وصغائِرَها، ونهتمَّ بمعالِي الأمورِ ومكارِمِها.
وذكر مجموعة منْ فوائِدِ التغافُلِ وسعةِ الصدر منهاِ كثرَةُ المحبينَ والأصدقاءِ، وأن يكون محمودًا لَدَى الناسِ. وتعرض لمجموعة من النماذج للتغافل وتجاهل صغار الأمور فقال: ربما يصدُرُ مِنَ الزوجةِ تجاهَ الزوجِ ما يعكِّرُ صفوَ مزاجِهِ، فعليهِ أنْ يتغافَلَ، فالمرأةُ تمرُّ بحالاتٍ مزاجيةٍ صعبةٍ خصوصًا في أوقاتٍ مُعينةٍ، فعلينا أنْ نعيَ ذلكَ ونتعامَلَ معها بسَعَةِ صدرٍ وتغافُلٍ، والأصلُ في المشاكلِ العابرةِ اتِّباعُ أسلوبِ التغافُلِ معها، لأنَّ الدِّقةَ في المراقبةِ والشدةَ في المحاسبةِ مِنْ بواعِثِ الاضطرابِ وعدمِ الاستقرارِ، بينما في التغافلِ والتغاضِي كفالةٌ باستدامةِ السعادةِ، وبقاءِ المعاشرةِ الجميلةِ، واستمرارِ الحياةِ الهنيئةِ الطيبةِ.
ولا بدَّ أنْ نلتفِتَ في تربيةِ الأبناءِ إلى التغافُلِ والتغاضِي عنْ كثيرٍ منَ الأخطاءِ والزلاتِ، والتركيزِ على الإيجابياتِ، وتبنِّي لغةِ التشجيعِ والترغيبِ، مما يمنحُ الأبناءَ فرصةَ التراجعِ والمراجعةِ والإصلاحِ.
فممارسةَ التغافُلِ يقَلِّلُ مِن انتقاداتِنا لأبنائِنا، لأنَّ كثرةَ تعليقاتِنا على تصرفاتِهِمْ تُضْعِفُ ثِقتَهُمْ بأنفسِهِمْ، كما تجعلُهُمْ يتجنبونَ مجالستَنا والتحدثَ إلينا، ويُصابونَ بالعزوفِ عنْ ممارسةِ الجديدِ مخافةَ المشاحناتِ والتعليقاتِ السلبيةِ.
وختم الموسى حديثه بأنَّ جوهرَ الحكمةِ أنْ يتسامَحَ الإنسانُ عنْ أخطاءِ الآخرينَ، ويترفَّعَ عنْ صغائِرِ الأمورِ وتوافِهِها كرمًا لا خوفًا، وعمدًا لا غباءً، وقصدًا لا نقصًا، ليقينِهِ أنَّ الحياةَ قصيرةٌ، وأنَّ ما يعملُهُ الإنسانُ في الدنيا مِنْ خيرٍ أوْ شرٍّ سيجدُهُ في صحائِفِهِ يومَ القيامَةِ.