الشيخ آل سيف.. يؤكد على أهمية دراسة الحركة الزُبيرية
بشائر: الدمام
شرح سماحة الشيخ فوزي آل سيف رواية لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام قال فيها: (انظروا أهل بيت نبيكم فإن نهضوا فانهضوا، وإن لبدوا فالبدوا، ولاتتقدموا عليهم فتضلوا، ولاتتأخروا عنهم فتهلكوا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى، ولن يدخلوكم في ضلال)، مشيراً إلى أن الله جل جلاله اختار للبشر قادة وسادة هم آل بيت محمد المصطفى، ذاكراً ذلك في الليلة الـسادسة والعشرين من محرم.
وأشار إلى كلام أمير المؤمنين في هذا المقطع حيث يخاطب الناس ويوجههم في تتبع أهل البيت، في كل صغيرةً وكبيرة، معللاً بأن في اتباعهم لن يكون الخروج من الهدى، ولن يكون الدخول في الضلال.
وأكد على المسير بخُطاهم، فإن التقدم عليهم يُوقع في الضلال، في جانب التأخير عن متابعتهم يُوقع في الهلاك، لافتاً إلى أن هذ الأمر ليس مجرد نظرية، وإنما طبقت الأمة تجربة التأخر عن أهل البيت فحصدت ماحصدت من الخيبة والخسران،
تحديداً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث تأخر الناس عن بيعة أمير المؤمنين، موضحاً رؤية التاريخ من جهتين: من جهة تولي الأمويين للخلافة، ومن جهة الثورات التي حدثت ضد الأمويين على غير نهج أهل البيت.
وذكر مثل ثورة عبد الله ابن الزبير الذي ثأر ضد الأمويين وحاربهم، ولكن كان على الطريق المضاد لمنهج أهل البيت، حيث وقع في أخطاء كأخطاء الأمويين ومستنقعات أسوأ من مستنقعاتهم، مشيراً إلى الطرفين الأموي وهو الحاكم، والزبيري وهما يسيران على غير منهج أمير المؤمنين.
وأكد سماحته على أهمية دراسة الحركة الزبيرية والتطلع عليها؛ لما فيها من البرهان الجلي على خطأ النظرية السياسية التي يتبناها أتباع مدرسة الخلفاء، منبهاً إلى وضوح الأمور في المدرسة الإمامية منذ زمن رسول الله حيث تم تعيين الأئمة والقادة وولاة الأمر، وهم علي وذريته إلى ٢٥٠ سنة معينة ومجسدة واضحة بالأسماء، ومشيراً إلى صفاتهم من حيث العصمة والعلم والكمال من الناحية العلمية والعملية، وأن يكون منصوصاً عليه، متطرقاً إلى المدرسة الأخرى التي يكون التعثر واضحاً في الوالي، ويكون هو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين.
واسترسل ذاكراً اختلاف منهجيتهم، فكل خليفة يأتي بطريقة مختلفة عن الطريقة الماضية، فلا يوجد تشخيص واضح للنظرية، مفصّلاً: الخليفة الأول جاء بمنهج يختلف عن الخليفة الثاني، والخليفة الثاني والثالث والرابع كُلٌ له منهجه وطريقته، فلا توجد وحدة في النظريات بخلاف الإمامية.
كما وضح نظريتهم قائلاً: “في نظرهم الذي ينتصر هو الحاكم، فمادام أن معاوية ابن أبي سفيان تغلب واستطاع أن يأخذ بزمام المبادرة، إذن هو أمير المؤمنين وهو الذي بيده الأمر، وهو الذي ينبغي أن يبايع، وولى ابنه يزيد بن معاوية، يزيد: الفسق والخمر والفجور عندهم أيضاً، فبالتالي اضطروا إلى أن يبتكروا نظرية أخرى؛ وهي يجوز أن ينصب الفاسق، وليست هناك مشكلة في هذا الشيء
مكان رسول الله في الخلافة، يأتي ويصعد على هذا المكان ويستلم هذا المنصب فاسق فاجر، لما يكون هو أمير المؤمنين هو الذي بيده يُعين الصوم والجماعة والإفطار والجمعة والحج وغيره، ولابد أن يتبع في ذلك”.
واستنكر قائلاً: “مادامت القضية ليست قضية مؤهلات وصفات، ليس الأعلم بين الناس، ليس الأكمل ليس المنصوص عليه، مثل ما أنت عليك حق، هو عليه حق، بمعنى الذي يغلب يصير بيده الأمر والنهي!، إذن؛ أصبحت القوة العسكرية هي التي تعين الإمامة والإمارة وولاية الأمر، أين هذا وأين القرآن الكريم الذي يعين (وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)”.
ومثّل سماحته -لتقريب المعنى- بِـواليين اعتركا أحدهما غلب الثاني، أو العكس، وذلك الثاني هو الوالي، وهذا بالضبط الذي حدث في قضية ابن الزبير، مبيناً أن هذه النظرية السياسية في الحكم عند مدرسة الخلفاء نظرية غير صحيحة، وهي تمكين المجرمين بالحيله والقوة أن يصبحو أئمة المسلمين، ويصبحون خليفاء رسول الله وأمير المؤمنين، دون أن يمتلكوا أي مؤهل من المؤهلات، وهذا الذي حدث في ثورة ونهضة عبد الله ابن الزبير، موضحاً الفرق بين النور والظلام، بين نهضة الإمام الحسين وبين نهضة ابن الزبير.
وأضاف: إن نظرية الإمامية هي النظرية الإلهية المستقيمة في السياسة والحكم بخلاف النظرية الأخرى، لافتاً إلى أن عبد الله بن الزبير هو أحد صغار الصحابة، وعمره مقارب لعمر الإمام الحسين، وقد قال فيه أمير المؤمنين علي: (مازال الزبير منا أهل البيت، حتى شب ابنه المشؤوم عبدالله).
وتابع: إن الزبير بن العوام كان من أكثر أنصار الإمام علي حماساً له، في قضية الخلافة، ومن جهة القرابة يكون ابن عمتهم صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله، فهو من هذه الجهة هَاشِمِيّ طَالِبِيّ، لديه قرابة مع أهل البيت، من جهة الأم، وكان منسجماً تمام الانسجام مع أهل البيت، ذاكراً أن الزبير تزوج أسماء بنت أبي بكر بنت الخليفة الأول، وأنجب عبد الله، عبد الله كانت مواقفه من البداية غير منسجمة مع أهل البيت، مثلاً في قضية عثمان كان من أشد المناصرين له، ولما أصبحت الخلافة بيد أمير المؤمنين بانتخاب الناس جميعاً، كان من أشد المعارضين لأمير المؤمنين علي بعد أن بايعه ثم نكث، مستشهداً بقوله تعالى: (فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ).
واستشهد بمواقف الزبير مع رسول الله،
حتى قيل إن أمير المؤمنين علي قال له: (هل تذكر ذلك اليوم عندما كنت واقفاً مع رسول الله، وقدمت أنا من مكان فتبسمت فتبسم لي رسول الله، وأنت قلت حينها إلى النبي: لايدع علي زهوه -بمعنى أن الإمام علي يريد أن يفتخر- ، فقال لك النبي: يا زبير ليس في علي زهواً ولتقاتلنه وأنت له ظالم)، مكملاً أن الزبير تذكر ذلك الموقف وأراد الانصراف، ولكن عبد الله ابنه جاء وأنهى الأمر بقتل والده.
وبين الصورة الحقيقة الزبيرية مع أهل البيت، واستغلال نهضة الإمام الحسين واستثمارها قدر الإمكان، موضحاً خروج الزبير من المدينة إلى مكة، وانتظاره فيها، متسائلاً: “نحن هنا نطرح سؤال: بما أن الزبير لديه إشكال على سياسة الأمويين وعدالتهم، لماذا لم يخرج مع الإمام الحسين؟؟؟!، بل قيل إنه عندما جاء الإمام الحسين إلى مكة المكرمة، وبقي فيها من شهر شعبان إلى شهر ذي الحجة لم يكن أحد أثقل على ابن الزبير من الإمام الحسين، كان ينتظر الوقت الذي يخرج فيه الإمام الحسين، وكان يترقب متى تنتهي المعركة بين الحسين وبين بني أمية، ويستثمر الوضع”.
وأجزم على الحدث، عند استشهاد الإمام الحسين وتتابع الأحداث وهو لازال باقِ بمكة، في سنة ٦٣ هـ، وذلك بعد سنتين من شهادة الإمام الحسين، تم إعلان الزبير معارضته إلى يزيد بن معاوية، مشيراً إلى انتهازية الأمر وتدبيره، وتأخيره عن آل بيت رسول الله (ولا تتأخر عنهم فتهلكوا ) فهذا من التأخر المنتج للهلاك.
واستنكر قائلاً: “ونصب عبدالله بن الزبير نفسه إماماً في مكة! القضية عندهم هكذا نظرية الخلافة لاتحتاج إلى مؤهلات، لاتحتاج إليها عصمة، لاتحتاج إلى نص!، هكذا أحارب، وأصبح أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وفعلاً رشح نفسه، وجاء بعده الحصين بن نمير التميمي، وهذا له دور سيء في كربلاء فهو من طعن حبيب بن مظاهر برمح في ظهره، وغير ذلك، فأصبح قائد الجيش في مكة، وقام بإطلاق المنجنيق، وأحرق الكعبة وهدم أركانها، إلى أن مات يزيد، واضطرب الوضع مع بني أمية، لمن يسلم الحكم فقيل إلى ابنه معاوية بن يزيد، وكان عمره آنذاك ٢٠ سنة”.
وشرح نظرية مدرسة الخلفاء التي لاضير أن يأتي شخص عمره ٢٠ سنة، يكون خليفة أبيه ويتولى الحكم، مشيراً إلى أن يزيد كان عمره ٣٢ سنة أو ٣٥ سنة وبتلك الصفات السيئة كان خليفة وتم تسليم الحكم إليه، فعين بعده مروان بن الحكم، الذي ذمّه أمير المؤمنين في سنة ٣٥ أو ٣٦ هـ، وقال: “أما وإن لهُ إمرةً كلعقة الكلب أنفهُ”، لافتاً إلى أن التشبيه جدًا بليغ من أمير المؤمنين، وبالفعل كانت خلافته قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر فقط، و مات ميتة سيئة.
وذكر أنه جاء بعده عبد الملك بن مروان، الذي اجتهد في مقاومة عبد الله بن الزبير، وابن الزبير لايوجد أحد يعارضه في مكة بعد موت يزيد، فالوالي في مكة انسحب، فبدأ يسيطر على مكة، وعين والياً على المدينة، وبني أمية في حالة تشتت، مبيناً دور ابن الزبير الذي ظهر بالنهج الأموي تماماً من بخل شديد جداً، ومن عداء وحقد، قائلاً: “إن أول من توجه إلى ظلم أهل البيت هو ابن الزبير، فضلاً عن أن جدته من أهل البيت من الأسرة الهاشمية، فمكث ابن الزبير ستة أشهر يترك الصلاة على النبي محمد (ص)، حتى في خطبته، إلى أن اعترض عليه جماعة من جماعته، وقالوا حتى بني أمية لم يفعلوا هذا الأمر!”.
وتابع مستنكرا:ً إنه رغم عدائة معاوية ويزيد لم يفعلوا هذا الأمر!، بينما ابن الزبير لديه قرابة مع أهل البيت وترك الصلاة على النبي وآله!، مستشهداً بالروايات الواردة التي ذكرت معاندته ورفضه للصلاة على النبي (ص)، مؤكداً إنه في هذا الجانب أصبح أسوأ من بني أمية.
وأشار إلى أخيه عمر بن الزبير الذي أصبح موالياً للأمويين، فعندما كانت مواجهة بين جيشه، وَكّل أخاه عمر بن الزبير لقتاله، وانتصر بن الزبير على جيش الأمويين الذي يقوده أخوه، فأسرى أخوه فجيء به إلى عبد الله فقال إلى الناس مخاطبا:ً إن أي أحد عنده مظلمة فليأتي ليقتص منه، فجاء الناس هذا يضربه وهذا يلكمه، منبهاً إلى الأمور التي تقوم بالعدالة، رغم ظلامة الطرفين، فضلاً عن إنه أمر بقتله وصلبه أيضاً!!، متطرقاً إلى موقفه مع أهل البيت الذين تأخروا عن مبايعته مثل: محمد بن الحنفية، وجمع من بني هاشم، الذين لم تكن لديهم الرغبة في مبايعته لمواقفه السابقه.
وأكمل: إنه أمر بحفر خندق وأضرم فيه النار وهددهم بالإحراق، متسائلاً قائلاً: “كيف هذه ثورة تغييرية؟!، كيف هذه خلافة؟!، كيف هذه نهضة من أجل إحقاق الحق؟!”، مُبيناً وجه الاختلاف بين مواقف الإمام الحسين ومواقفهم، وكلامه (ع): (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أُريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).
واستشهد بموقف الإمام الحسين حينما رأى أحد أصحابه مديون قال له الإمام: (أدفع دينك ثم التحق بنا فقال إلى الأمام: سأوصي فقال له الإمام: هذه مجموعة من الدراهم أذهب وادفع دينك بها)، ملاحظاً
الإلتزام الشرعي الكامل الدقيق بالقيم،
إبن الزبير كان على خلاف هذا المنهج فذهب وراء تلك الأمور وأصبح خليفة وأخذ يجيش الجيوش هنا ويصطدم، مشيراً إلى أن المختار ثأر ضده، وغيره من بني أمية الذين استفادوا من أخطاءه، بكونه لا يستطيع أن يدير الأمر بأبسط القضايا، منبهاً إلى أن بني هاشم أسرة عريقة، وهم تيار فكري في الأمة، مستنكراً: “ويأتي إبن الزبير ويعمل على تجمعهم حتى ترمي بهم في خندق نار لأنهم لا يريدون البيعة له، كيف هذا؟”.
كما نوه إلى عديمة إبن الزبير من أبسط أوليات الإدارة الصحيحة، لذلك سقط بسرعة من سنة ٦٣هـ الذي نصب نفسه إلى سنة ٧٣هـ سنة، مشيراً إلى المشاكل والاضطراب في هذه العشر سنوات، متطرقاً إلى الفائدة الوحيده في هذه الفترة التي برهنت على أن نظرية الخلافة عند مدرسة الخلفاء نظرية باطلة.
وختم سماحته بإتخاذ النظرية الصحيحة التي ينبغي أن يلاحظها الإنسان، وهي كما قال أمير المؤمنين: (انظروا أهل بيت نبيكم فإن نهضوا فانهضوا، وإن لبدوا فالبدو، ولاتتقدموا عليهم فتضلوا ولاتتأخروا عنهم فتهلكوا)، مؤكداً على إتباع الأمة منهاج أهل البيت، لكن للأسف الشديد هذه الأمة خذلت الإمام الحسين، وأسلمته إلى مقاديره.
يذكر أن يزيد ابن معاوية هلك سنة ٦٤هـ وقد تمسك بالحكم لمدة ثلاث سنوات، أولها في ارتكابه المجزرة العظيمة مع الإمام الحسين بكربلاء، وفي السنة التي بعدها كانت واقعة الحرة في المدينة وأمره بإباحتها، والسنة الثالثة هي قضية الكعبة المشرفة، لافتاً إلى أن إبن الزبير أعلن معارضته ليزيد وبدأ يتحرك باتجاه حشد الجموع لمقاومة يزيد.