العمل عن بعد يصطدم بقرارات كبرى الشركات
بشائر: الدمام
انتزع نظام العمل عن بعد، موقعًا مميزًا للغاية، وبات طريقةً شائعة لإنجاز الأعمال، وبعد أن كان يرتبط في الماضي بالكسل والجلوس بلا هدف، تحولت تلك الطريقة خلال 20 عامًا مضت، من مجرد ميزة يستفيد منها قلة من الناس إلى امتياز يطالب به الكثيرون، كإمضاء بضع ساعات في الصباح لإرسال بعض الرسائل الإلكترونية أو العمل بدوام كامل من المنزل.
يؤدي حوالي 20 بالمئة من الموظفين حول العالم أعمالهم من المنزل، ولا يشمل هذا من يجتمعون في مكان عام للعمل؛ حيث أتاحت التطورات التقنية كتوفير شبكة الواي فاي (Wi-Fi) والمحادثات عبر الفيديو، تأدية المهام خارج بيئة العمل التقليدية بطريقة عملية في الكثير من الوظائف، لكن البعض يرى أن حرية العمل من أي مكان تأتي على حساب الثقافة المؤسسية والإنتاجية، لدرجة أن بعض رؤساء العمل يرغبون بوضع حد لموجة العمل عن بعد.
الوضع الحالي
أتاحت 20 بالمئة من الشركات الأمريكية فرص العمل عن بعد، في عام 1996، والآن أصبحت 60 بالمئة من الشركات تفعل ذلك، وأصبح العمل عن بعد رائجًا في الهند وإندونيسيا والمكسيك، وبعد عقود من انتشار هذه السياسات، بات بعض أصحاب العمل يميلون إلى إعادة النظر فيها.
وشهد منتصف عام 2017، قيام شركة “آي بي إم” (IBM) الرائدة في مجال العمل عن بعد، بتوجيه إنذار لآلاف العاملين يُخيّرهم ما بين الانتقال للعمل في أحد مكاتبها أو إيجاد وظيفة جديدة، ليترتب على ذلك خسارات في الأرباح استمرت حتى 20 ربعًا متتاليًا، وذلك لاعتقاد الشركة أن أداء العاملين سيتحسن عند تواجدهم على مقربة من زملائهم.
ونفذت شركة “ياهو إنك” (Yahoo! Inc.) خطوة مماثلة خلال مرورها بأزمة مالية عام 2013، وكذلك شركة “بيست باي كو”Best Buy) Co. Inc) و”هوني ويل انترناشونال انك” .(Honeywell International Inc.)، وثبت أن تقليص العمل عن بعد قد يثير استياء الموظفين، فالمرونة التي يُقدمها العمل عن بعد تُعد ميزةً هامةً بالأخص في وقت يرتفع فيه عدد الأسر التي يعمل فيها كل من الأب والأم.
الخلفية
وظهر اقتراح “العمل عن بعد” كبديل للدوام بمقر العمل، للتخفيف من التلوث والأزمات المرورية واستهلاك النفط، وفي كتابه الذي صدر عام 1973، تخيّل جاك نيلز (Jack Nilles) المهندس السابق في وكالة “ناسا” (NASA) عالمًا يعمل فيه الموظفون من مكاتب صغيرة قريبة من منازلهم، بدلًا من العمل في المقرات الرئيسية للشركات، وتخيل وجود “نظام تخزين متطور ومعقد للمعلومات والاتصالات” – أو شبكة الإنترنت، والتي لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
واندفعت بعض الشركات الأمريكية نحو تطبيق ما تصوره نيلز أو ما يشبهه، إذ سمحت شركة “جي سي بيني” (J.C. Penney) لموظفي مراكز الاتصال بالعمل عن بعد في عام 1980؛ لكنه لم يلقَ رواجًا إلا بعد إجراء تعديل على قانون الهواء النقي عام 1990، والذي ألزم الشركات التي تضم أكثر من 100 موظف والموجودة في المناطق التي تعاني من تلوث شديد مثل شيكاغو ونيويورك بالحد من تنقل الموظفين.
ومما لا شك فيه فإن ظهور الإنترنت قد عجّل من انتشار هذا التوجه خلال التسعينيات، كما أدركت الشركات من جانب آخر إمكانية توفير المال من خلال التقليل من عدد المكاتب، حتى بات اليوم يُروّج للعمل من المنزل كميزة تجذب العاملين الذين يسعون للتخلص من التنقل وانعدام الخصوصية والضجيج الذي يهيمن على المكاتب الحديثة.
النقاش الدائر
تدرك الشركات التي تسمح بالعمل عن بعد، الطبيعة المتغيرة للعمل، واليوم، وفقًا لدراسة أجرتها شركة “ديلويت” (Deloitte)، تصنف الشركات ما لا يتجاوز الثلث فقط من الموظفين وفقًا لطبيعة عملهم، وبدلًا من ذلك، فإن أغلب الشركات تُخصص فريق عمل لكل مشروع، بحيث يتألف كل فريق من عدة أشخاص بتخصصات مختلفة.
ويعتقد الأشخاص الذين ينتقدون العمل عن بعد أن أفراد الفريق يعملون بفعالية أكبر حين يتواجدون في نفس المكان، بدلًا من أن يكونوا موزعين على أماكن مختلفة، كما أنهم يشكون في أن بعض الموظفين يستغلون العمل عن بعد للتقاعس عن أداء المهام الموكلة إليهم. بينما أثبتت الدراسات أن العاملين عن بعد يتساوون أو يزيدون في إنتاجيتهم عن العاملين في المكاتب، لكن هذا ينطبق على أنواع معينة من الموظفين فقط.
وأُجريت أغلب الدراسات على موظفي مراكز الاتصال؛ لأن طبيعة عملهم لا تتطلب العمل ضمن فريق، وفي مراجعة للدراسات تبين أن التجارب الناجحة تترتب على شرط تواجد الموظف في المكتب لبعض الوقت، كما يقول الباحثون إن زيادة فرص العمل عن بعد ومرونة ساعات العمل تساهم في سد الفجوة بين أجور الرجال والنساء.
وتواجه الأمهات العاملات صعوبة في التقدم بالعمل؛ بسبب الوظيفة التي تفتقر إلى المرونة والتي تجعل الموازنة بين متطلبات رعاية الأطفال ومهام العمل أمرًا في غاية الصعوبة. وفي المقابل، قد ينطوي العمل عن بعد على بعض السلبيات، فقد يؤدي بالموظف إلى العزلة، ما يدفع البعض إلى السعي نحو العمل في مساحات العمل المشتركة، مثل “وي وورك” (WeWork). كما بينت إحدى الدراسات أن من يعمل من المنزل يحظى بحصة أكبر من الأعمال المنزلية.