خليفة الله ونائبه
أحمد الهبدان
من أجلك أيها الإنسان يدور الحوار، بين الملك الجبار والملائكة الأبرار، قبل أن تأتي لهذا العالم الدنيوي.
حوار هادئ وهادف، يُخبر الله ملائكته بخلافتك في الأرض، وأن لك شأن وعظمة ومنزلة تفوق منزلة الملائكة، ولكن وفق شروط محددة وعبر مواصفات خاصة، متى ماتوفرت فيك نلت شرف الخلافة، وكنت خليفة الله ونائبه في أرضه. ولعظم هذه المنزلة وخطورتها، كانت محل تساؤل واستغراب الملائكة على هذا الجعل.
الآية رقم (٣٠) من سورة البقرة، لخصت هذا الحوار ومادار بالقول: ﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾.
لكي تُدرك أيها الإنسان بأنك عظيم عند الله، فقد جعلك خليفته ونائبه في أرضه. “فحين شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفته، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها ومافيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإنسان”، فهل أدركت هذا، وتنبهت لذلك؟.
قال لهم: إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً.
قالوا له مستفسرين: أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.
فأجابهم: إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ.
ماحدث ويحدث على هذه الأرض، منذ بدء الخلق، ونزول أبو البشر -أول الأنبياء والمرسلين- آدم (ع)، وأول جريمة قتل، في قصة قابيل مع أخيه هابيل، ومايجري منذ ذاك الزمن وحتى هذه اللحظة، سلسلة لا تحصى من الجرائم، وسفك للدماء، وفساد كبير، إنما يجري على يدي هذا الإنسان؛ الذي من المفترض أن يكون خليفة الله ونائبه.
وهنا، نعود إلى قول الملائكة، وأن ماقالوه قد حدث بالفعل، وأن هذا “الخليفة” قد أفسد في الأرض، وسفك الدماء، بينما هم يسبحون لله ويقدسونه.
ونرجع السبب لذلك والإجابة على هذا التساؤل بقوله سبحانه لهم: إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ.
في تفسيره (التفسير المبين) يقول سماحة الشيخ محمد جواد مغنية -رحمه الله- :﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾: وهو آدم وذريته ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾: وعرف الملائكة ذلك منه تعالى بطريق أو بآخر ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾: التسبيح تنزيه الله تعالى، وبحمدك في موضع الحال أي نسبّح حامدين ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾: نطهّر أنفسنا بطاعتك ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾: أبداً لا يفعل سبحانه شيئاً إلا لحكمة بالغة، وكثيراً ما تختفى عن إدراك الناس والملائكة أيضاً.(انتهى).
فكم أنت عزيز عند الله أيها الإنسان، وقد ورد في الأثر: «يا ابن آدم خلقت كل شيء لك، وخلقتك لنفسي، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له». فمتى أخلص العبد طاعته لربه، وعبده حق عبادته، وذاب في ذات الله وأطاعه، تحققت فيه الخلافة، وفي الحديث القدسي: ﴿عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون﴾، وكفى بهذا الحديث تبياناً ووضوحاً، لمنزلة خليفة الله ونائبه، إذا تحققت فيه الطاعة التامة لله عز وجل.
نسأل الله أن يعيننا على طاعته وعبادته، وتحمل هذه المسؤولية والأمانة.