بهذا نحيي ليلة النصف من شعبان ..؟
الشيخ صالح آل إبراهيم
وقفة في الفكر والاجتماع (١٦)
البناء الروحي ونقاء القلب وتجديد العهد من أهم مصاديق الإحياء ..
من المناسبات البارزة التي تحتفي بها الكثير من المجتمعات الإسلامية هي ليلة النصف من شعبان ويومها، إذ أنها الليلة التي أعطيت فيها تمام الشفاعة للنبي (ص)، وفيها تم تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، وهي الليلة المباركة التي سميت بليلة البراءة، والصك، والرحمة. عن النبي (ص) قال:إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، ( أي ينزل رحمته وليس النزول المادي، أو ينزل مناديًا) فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر )- سنن ابن ماجة باب “ليلة النصف من شعبان”، وسئل الإمام الباقر (ع):عن فضل ليلة النصف من شعبان، فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنها ليلة آلى الله على نفسه ألا يرد سائلا له فيها ما لم يسأل معصية..).الأمالي – الشيخ الطوسي – الصفحة ٢٩٧.، و زاد هذه الليلة شرفًا ومكانة ولادة منقذ البشرية، ومخلص الإنسانية، وناشر العدل والصلاح الإمام الحجة المهدي (عج) سنة ٢٥٥ه، الذي وعد الله به في كتابه وبشر به النبي (ص) وجعلت وراثة الأرض له .
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ).
ولعل من أبرز ما يمكن الوقوف عليه والاهتمام به في هذه اللية ثلاثة أمور :
١- الاجتهاد العبادي: إذ أنها ليلة مباركة تنزل الرحمة فيها، وتفتح أبواب السماء للداعين، والمصلين، والسائلين، كما يقدر فيها ما يكون على العبد طيلة سنته، ومن ثم في ليلة القدر يمضى ذلك التقدير، لذا سمية بليلة القدر الصغرى، وهذا يدعونا لمضاعفة الجهد العبادي، فهي فرصة للبناء الروحي وترميم العلاقة مع الخالق سبحانه، فلا تغفلوا عنها وأحيوها بالعبادة.
٢- تطهير القلوب: فمن ابرز موانع استجابة الدعاء وحبس الرحمة تلوث القلب بالأمراض من “الحقد والمشاحنة والظغينة وسوء الظن وحب الأنا والتسلط والتفرد و الأنانية” وغيرها الكثير التي تعلق بالقلب فتفسده .
وعلى المرء هذه الليلة أن ينظر في داخله ويحاول تصحيحها وتنقيتها وإزالت تلك الرواسب التي تحبس الدعاء وتمنع الإجابة حتى لا يذهب عنائه هباءً منثورا . عن النبي (ص): «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن»، وحرص الرويات وتشديدها على سلامة القلب ونقائه يأتي من حرص الإسلام على انسجام العلاقات الاجتماعية العامة، إذ أن سر استقامتها ومتانتها سلامة القلوب ونقائها .
٣- تجديد العهد مع صاحب المناسبة الإمام الحجة المهدي (عج): عبر الاحتفال بمولده، والدعاء له، وعمل الخيرات والمبرات باسمه، وتهيئة أنفسنا أن نكون من أنصاره، وممن يرضى عنهم ويقبلهم جنودًا تحت لوائه.