أهداف رمضاننا تنادينا
د. خليفة علي الغانم
أحبائي لسنوات عديدة مضت أعتدت أن أزف إليكم مع تبريكاتي الأخوية بحلول شهر رمضان الفضيل موضوعا يطرق بعض الظواهر السلبية أوالمشاكل العالقة أو الأزمات الطارئة فمثلا لآخر ثلاث سنوات مضت كانت المواضيع في ٢٠١٨ رمضاننا الكريم والتغيير المنشود ، وفي رمضان ٢٠١٩ جرعة رمضانية مساعدة لعلاج الاكتئاب ، ورمضان ٢٠٢٠ رمضاننا ونكبة الكورونا وهذه السنة وقع الإختيار على موضوع (الشخصية المتلونة ) ، أو متلازمة ذو الوجهين وهذا مرض خطير ينهش في المجتمعات الإنسانية عامة بدرجات متفاوتة ، بينما المجتمعات العربية والإسلامية والدول المتأخرة عن اللحاق بالركب الحضاري متفشية فيها هذه العقدة النفسية بصورة أكبر لعدة عوامل منها تربوية وثقافية وقد تتعدى أن تكون جينات وراثية مرضية .
وقد شرعت في كتابته وأوشكت على خاتمته إلا إني آليت على نفسي أن أقدم موضوعا آخر تداهمنا أثاره بين الحين والآخر ؛ وهو أن يحدث في مجتمعاتنا جرائم قتل عمد يدمى لها الجبين لاسباب تافهة ومهما كانت هذه الأسباب التي يتشدق بها المجرمون كمبرر لما ارتكبوه فإنها تبقى هزيلة أمام صيانة النفس البشرية من أي إعتداء جسمي أو لفظي باستثناء الدفاع عن العرض والمال والنفس مع امتلاك الأدلة الدامغة في ذلك التي يقرها القضاء والقوانين المعمول بها لحفظ النفس الإنسانية وكرامتها .
لهذا أستعرض ثلاث جنايات الأولى كان المنفذ لها شباب والجريمة الثانية فاعلها سبعيني العمر ، وكلتا الجريمتين البشعتين حدثت قبل عدة أيام وتم الإعلان عنها في بعض وسائل التواصل وعرض ماتم تسجيله بالفيديو من كاميرات موقع الجريمة .
الأولى :- كما يبدو أن شابا وقف بسيارته في إحدى مواقف السيارات فاعترض عليه شاب آخر يرى أنه أحق بهذا الموقف وأثناء مغادرة الأول سيارته مترجلا للدخول في المبنى الذي يقصده تبعه الآخر مسرعا بسيارته وصدمه من الخلف على غفلة وقذفته الصدمة كأنه كرة ملقاة على أرض ملساء ، ثم نزل الجاني من سيارته ليجهز عليه بركلات من رجليه وقبضتي يديه ليشفي غليله كما يظن ، ليتأكد أن المجني عليه لفظ أنفاسه .
الجريمة الثانية :- في بيت من بيوت الله وبسبب تنافس وقع بين شخصين كل يدعي أنه أحق من الآخر بالإذان للصلوات في هذا المسجد يتطور الخلاف باستخدام أحدهما السلاح الأبيض في قتل منافسه مسددا له عدة طعنات في صدره كما اعتدى على آخر في موقع الجريمة ، ربما ظن الجاني أن هذا الشخص وقف إلى جانب خصمه المقتول أو أنه حاول منعه من ارتكاب جريمته .
الجريمة الثالثة :- من الملاحظ سنويا أن هناك مناوشات ومشاجرات بعضها تصاعدت إلى حد القتل في شهر رمضان الكريم ورمضاننا هذا لا أظن أنه مستثنى من هذا السلوك المدمر في وضح النهار إلا إذا إستجبنا إلى مناداة أهداف رمضاننا هذا .
هذه الجرائم وأمثالها التي تحدث دون أن تكترث بالزمانكية ولهذا لا تعتري أية إهتمام لأمكنة مقدسة كدور العبادة ، ومثلها في بيت الله الحرام بجوار الكعبة وفي مسجد رسول الله بالمدينة بجوار قبر نبينا محمد عليه وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام أفضل الصلاة والسلام ترتكب مثل هذه الجرائم ، للأسف لايردعهم الزمان كشهر رمضان والعمرة والحج ولا المكان .
حاول الإسلام من انطلاقته أن يجعل شهورا حرم ، لايسفك فيها الدماء ومن أهم أهداف ذلك التدريب على الاقلاع عن هدر الدماء والتعود على سلوك الخير .
الموضوع ذو شجون وسأستعرض بعض التساؤلات لعلها تستنطق الأسباب والعلاج مع بعض المقترحات والتوصيات كل حسب عمق رؤيته وثقافته وخبراته .
س١- على مرور أكثر من ١٤٠٠ سنة على التعاليم الإسلامية بشأن محاربة الجرائم والعمل على حفظ النفس الأنسانية وكرامتها في عدة شواهد صريحة من القرآن الكريم وسنة نبينا محمد (ص) لماذا هؤلاء المجرمون لايعيرون هذه الموانع أية اعتبار وهم يدعون أنهم قرآنيون ومحمديون ويصدحون بذلك ليلا ونهارا شتان بين النصوص والسلوك ؟
س٢- هل الأسباب تعود إلى إخفاق في التربية المقصودة والتربية الغير مقصودة ويطلق على الأولى التربية اللامدرسية التي لاتخضع إلى معايير ويتلقاها عادة من الوالدين والأقربين وبعض المؤسسات المحسوبة على الشأن الاجتماعي والتربوي ، والثانية التربية المدرسية المقننة الخاضعة للقوانين المتخصصة ؟
س٣- هل يتم فقط الأكتفاء برصد هذه الجرائم وايقاع العقوبة على المجرم وتنتهي المشكلة دون التوسع البحثي في دراسة الأسباب والدواعي التي تجعل مثل هذه الجرائم تطفو على السطح دون تبني العلاجات العلمية اللازمة وفق توصيات ومقترحات الدراسات البحثية في هذا الشأن ؟
س٤- هل هؤلاء الجناة مرتكبوا هذه الجرائم على وجه الخصوص كانوا أسوياء قبل شروعهم في ارتكاب جناية القتل العمد بحجة أنها ثورة غضب لايمكن السيطرة عليها وهذا لايعفيهم البتة لإن هناك من يتمكن من السيطرة على غضبه دون الوصول إلى سفك الدماء ؟ أم لديهم مؤهلات تربوية ووراثية وبيئية وثقافية مغلوطة ومكتنزة في غرائزهم تدفعهم لارتكاب جريمة الإعتداء بشتى أنواعه على الأقارب والأباعد كما يعلن عنها بين الحين والآخر حتى الوالدين أوالأبناء أو الأخوة أو الأصدقاء لم يسلموا من ذلك ؟
احبائي أزف اليكم تبريكاتي الرمضانية لعام ١٤٤٢ه – ٢٠٢١ وكلي أمل وتفاؤل أن لكل مشكلة حل إذا حسنت النوايا والعمل العلمي الخالص البعيد عن الجهل والخرافة معتذرا عن الإطالة عليكم ، راجيا من الله العلي القدير لكم ولجميع غواليكم السلامة من فيروس الكورونا كوفيد ٢٠١٩ والفيروسات البشرية الأكثر ضررا وفتكا ، والتي من المهم العمل على تطعيم لقاح أخلاقي وتربوي وتعليمي وثقافي ووراثي يبعد عنا شرور أصحاب النوايا السيئة والأعمال الخبيثة ويقلل من انتشارهم بيننا .
وهذا مصداقا لقول نبينا محمد (ص)
(إن من ورطات الأمور التي لامخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) .