التجديد سنة كونية
أحمد الحمد
المقدمة
اثبت العلماء بأن الكون في حالة تغير واتساع مستمر ، وهذا ما اخبر به القرآن الكريم. (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
الإنسان ايضا منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا يعيش في تطور وتغير مستمر في جميع أوجه الحياة الفكرية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية . والجديد دائماً يثير في أنفسنا الرغبة وراء البحث ويشحذ طاقاتنا للتحرك ويعطينا قدراً من المتعة واللذة النفسية.
الحياة والمحيط الذي من حولنا في حالة تغير وتبدل وتطور مستمر ، وعلينا البحث دائما على قدر ما تتطلبه الحياة منا من توافق واستجابة لمتغيراتها ، وهذا ما يؤكد ضرورة التجديد والتغيير في حياتنا.
يستوجب ذلك التحكم في أفكارنا السلبية من خلال الملاحظة الواعية للذات، وإعداد أفكار مناقضة لها والتدريب على مواجهتها وهذا احدى آليات التغيير والتجديد.
الحياة من غير هدف ولا تجديد فيها تخلق روح سلبية داخلنا والتي تحاول أن تثبط من عزيمتنا، وتشكك في إمكانياتنا، بل وتدفعنا إلى العزوف عن السعي للتكامل الأنساني الذي اراده الله لنا.
سنة التغيير في الكون
التغيير علامة مهمة من ملامح الحياة وعنصر أساسي لديمومتها، وهو سنة كونية تخضع لها كل المخلوقات، فالسمة الإنسانية المميزة لهذه البشرية هي البحث عن التكامل والتغيير نحو الأحسن. التغييرات التي تحدث للإنسان في شخصيته وايضا التي تحدث في محيطه ، تدفعه إلى السعي المستمر والحركة الدؤوبة نحو حياة أفضل ، بينما سائر الكائنات الحيّة، تتسم حياتها بنسق واحد ، فالإنسان وحده يملك العقل، وبه يتمكن من التطوير والتجديد في حياته ، سعيا منه لتحقيق اكبر درجات الكمال الذي اراده الله له.
دوافع التغيير
كلما اتجه الإنسان لعقله، واستخدم فكره، وارتقى بعلمه ومعرفته، زادت وتيرة التجديد والتغيير في حياته ، اما إذا تجاهل قدراته العقلية، وجمّد تفكيره، ولم يُنَمِّ علومه ومعارفه، عاش حياة الركود والجمود، ليقترب من حضيض عالم الحيوانات الرتيب
الرواية المنقولة عن الأمام علي عليه السلام:
(من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخِر يوميه شرًّا فهو ملعون، ومن لم يكن على الزيادة فهو في النقصان، ومن كان في النقصان، فالموت خير له)
ان الخوف العميق من المجهول ينتاب بعض الناس ،وبالتالي يقف بينهم وبين الاقبال على التجريب والتغيير والتجديد ، ولذلك نجد الحث على تخطي الخوف
الرواية المنقولة عن الأمام علي عليه السلام: (اذا خفت من امر فقع فيه)
البعض يخشى الخروج عن المألوف الذي اعتاده في حياته، وكبر معه او عليه ، لذا تجد رهبة في الاقبال على المستقبل الذي عنوانه بلا شك التغيير، والمثل الانجليزي المعروف (Human resist the change) اي الأنسان بطبعه ينبذ التغيير ، ويقبل هؤلاء اكثر على التشبث بـما هو معلوم، ومعروف اي بمعنى اخر تقليدي وثابت في حياتهم. التغيير في حياة الانسان العمرية تفرض عليه التجديد في حياته العملية والاجتماعية وبالتالي مواكبة المتغيرت مع كل فترة حسب مقتضيات العصر.
بالأمس الامي من لم يقرأ ولا يكتب ، بينما اليوم الأمي من لا يعرف كيف يتعامل مع لغة التقنيات والتكنولوجيا العصرية
ان حس المغامرة يغذي شعور الانسان بوجوده وبالتالي يعطي طاقة ايجابية تكسر روتين الحياة حيث ثبت ان الاستسلام لانماط الحياة التقليدية، هي اقصر الطرق للاصابة بالامراض الجسدية والنفسية والروحية. الأحساس بالملل يطال حتى الشخص الذي يعيش في انفسنا ، لذا فالتجديد يزيل الملل ويكسر الرتابة وينعش الروح.
فكل شيء في هذه الحياة يحتاج إلى تجديد أو تغيير – وأحياناً إزالة ! – وهذه سنة الله في خلقه فعندما نمر بحالة من الضيق والخمول والرتابة يجب علينا أن تعرف مسبباتها، وأن تعمل على إزالة دواعي الملل التي قد تقودنا إلى حالة من الحزن والكآبة والسوداوية والسلبية
ان كل تعلم جديد أو دخول أمر جديد مشوّق على الحياة لم نألفه من قبل يكسر الروتين فهو متعة وتحفيز للعقل، وتنمية للذات ويعمل على تحسين المشاعر مما يجعلنا مقبلين اكثر على حياتنا العبادية والعملية والاجتماعية وماشابه.
التغيير الفعال:
بعض الناس يرغب بالتغيير والتجديد ولكن تصيبه حالة انتكاسة بعد البدء بعملية التغيير، ويتوقفون دون الوصول إلى نهايات خطة التغيير، وغالبا الأسباب تتمثل في بعض مما يلي :
• عدم وضوح لألية التغيير.
• أن يكون غير مؤمن في أعماقه بمبدأ التغيير.
• عدم وضع خريطة طريق واضحة تمكنه من التغيير.
• العيش في بيئة لا تساعده على التغيير.
التغيير من الداخل هو جوهر التغيير في البشر وهو العامل الأساسي لمعظم المتغيرات في حياتهم. الآية الكريمة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ، يسعى الإنسان إلى هذا النوع من التغيير بهدف رفع الكفاءة ومواكبة التطور والقضاء على الشعور بالملل والكآبة وحل مشكلاته. الحياة ميدان سباق يتفوق فيه رواد التطوير والتجديد، فالمجتمع الأكثر تجديداً، والأسرع تطوراً، يحرز التقدم ويفرض نفوذه وهيمنته، بينما المجتمع الراكد البطيء الحركة تتأسن أوضاعه، ويصيبه الهرم، ويصبح متخلفاً، يخضع لهيمنة المتقدمين. ينقل عن برنارد شو قوله (التقدم لا يأتي الا بالتغيير)
من الإشكاليات التي تصادف معظمنا عندما ينوي التغيير هي عدم المداومة عليه. السؤال الذي يتبادل لدى ذهن الكثيرين في هذه الحالة هو كيف لنا أن نستمر؟
والإجابة تكون من خلال معرفة وتحديد النية من التغيير، وهل هو هدف أم غاية، والتأكد من أننا فعلاً نحتاج للتغير، وقادرين على التخطيط بوعي له، هذه العوامل تكشف لنا حقيقة مولدات التغيير وعمقه في النفس البشرية
والجهل أهم أسباب رفض التغيير، وأن الطموحين هم أقدر الناس على النجاح في تحقيق نواياهم تجاه التغيير.
الاحتكاك بالمتميزين يزيد من إمكانية نجاح هدفنا في التغيير، والصبر والتفاؤل والمرونة والتخطيط السليم أهم أدواته .
بعض الأمثلة على التغيير والتجديد:
الحياة الفكرية والمعرفية:
تنمية الجوانب المعرفية ، التوسع في الاطلاع والقراءة ، وضع خطط لقراءة كتب جديدة مفيدة ، الاستفادة من المواقع المعرفية في تطبيقات الهواتف الذكية ، الالتحاق بالدورات المعرفية والثقافية ، انتقاء مجموعات الواتس اب المفيدة معرفيا ، حضور الجلسات والمحاضرات المعرفية المفيدة.
الجوانب العقائدية والعبادية:
القراءة اكثر عن علل الشرائع وفهم الحكمة منها ، فبمقدار فهمنا للعبادة سنمارسها باقبال وفهم اكثر ، التجديد والأكثار في المستحبات التي لم نتعود على ادائها كصلاة الليل ، قراءة الأدعية التي نادرا من نطلع عليها ، مثل دعاء مكارم الاخلاق والجوشن الصغير ، وهذه بعض الادعية التي تحفز على التغيير والتجديد والالتفات لنعم الله علينا.
حياتنا الأقتصادية والعملية:
محاولة الحصول على شهادات ومؤهلات اعلى لتزيد من نسبة الفرص الوظيفية ، التطوير الذاتي لرفع كفاءة الاداء في العمل مما يحسن موقعنا في وظائفنا ، تعدد الدخل بوظائف واعمال متعددة لتحسين الحياة المعيشية ، الترشيد في الاستهلاك والمشتريات.
حياتنا الأجتماعية:
القراءة اكثر في الذكاء العاطفي وتعلم الاساليب التي تخلق بيئة اجتماعية حاضنة ، مراجعة ادبياتنا وسلوكياتنا لأصلاحها وتغيرها للأفضل لخلق حياة اجتماعية افضل ، تعلم اساليب اجتماعية جذابة ، التطوع لأعمال اجتماعية ، المشاركة في المؤسسات الأجتماعية كالجمعيات الخيرية ، متابعة شئون الحي لتطويره وتحسينه وما شابه ذلك.