أقلام

قراءة في (بريد الليل)

حسن الحجي

أتناول رواية بريد الليل للبنانية هدى بركات، وهي رواية حاصلة على جائزة البوكر.
مجموعة من الرسائل المطولة بين الشخصيات التي لا أسماء لها، وكل رسالة تقع في يد الآخر وتعرض التفاصيل عن طريق رسائل تبادلية مطولة، علما بأنني لم أجد أي ترابط بين الشخصيات.
بدأت الرواية بطريقة رومانسية بكائية تتحدث عن شخصيتين واقعتين بحب بعضهما البعض بطريقة مختلفة نبدأ مع رسالة رجل لا تصرح له الكاتبة باسم بل كل الشخصيات دون أسماء، ولكننا نعرف كل شيء عنه من خلال الرسالة فهو شخصية معذبة الطفولة حيث تخلت عنه والدته حينما أودعته القطار كي يسافر لإكمال دراسته ولم يعش مع والده.

صديقنا يراسل حبيبته التي يحبها بطريقة غريبة فيبثها جميع عيوبه التي من أهمها شخصيته الغرائزية ذات التنوع في العلاقات النسائية ويطرح تعجبه من تمسكها به وهو على ما هو عليه من تنوع علاقات وتجاهل لها يصل حد الاحتقار!

سخط الرجل على والدته بدا غير مبرر وفيه تجنٍّ ولكن هل يمكن للأحداث مهما كانت أن تبرر كل ذلك الحنق على الأم؟

ننتقل إلى متحدث آخر وهو انثى هذه المرة تجد رسالة في فندق وتتحدث عنها فهل هي رسالة الرجل الأول الذي مر علينا أم غيرها لا يتضح ذلك في الرواية بصورة صريحة لكنها بالتأكيد نفس الرسالة.

تبدأ المرأة تتحدث عن بواطنها حتى تشعر بالملل من ذلك الأسلوب الخالي من التنوع فتتمنى لو تنقلك الكاتبة إلى أسلوب آخر لكنها تستمر بذات الوتيرة التي تبدو مملة لكنها مناسبة لشخصيات كهذه تعج بالصراعات والتحولات النفسية.

ندخل في شخصية ذكورية جديدة لا نعلم أهي نفس الشخصية الأولى أم غيرها فالشخصيات بلا أسماء وهذا لم يخدم الرواية إطلاقا إذ أبهم الشخصيات التي تنقلت الكاتبة بينها بطريقة جعلت القارئ يتوه ولا يدري هذه من وتلك من؟ ولكني أتفهم ذلك لأن الكاتبة تريد أن تجعل الانفعالات الوجدانية هي بطل الرواية بغض النظر عن شخصية صاحب أو صاحبة الانفعالات.
شخصيتنا هذه المرة معذَب سابق ومعذِب سابق وتائب حالي يبحث عن الطمأنينة فهو رجل تعرض لأبشع أنواع التعذيب، ولاحقا حينما استسلم واستنام وانضم إلى معذبيه ليصبع واحداً منهم عرض الأبرياء إلى صنوف التعذيب حتى بدأ يستلذ بذلك والآن هو في منزل امرأة أجنبية متقدمة في السن يحظى بالدفء ويبحث عن السكينة النفسية.
يخبرها أنه يحبها فلا تكذب العجوز خبراً فتنساق إليه فيخفي التقزز منها حتى يقع المحتوم إذ يقتلها بطريقة غير واضحة المعالم.
يكون الحديث على صورة رسالة مكتوبة وموجهة لأمه ينوي إتلاف الرسالة لما فيها من اعترف بقتله العجوز لكنها بطريقة وبأخرى تقع بيد السلطة فتلقي القبض عليه.

ثم نرى المرأة التي تهاجر طلبا للمعاش تاركة ابنتها مع أمها التي تتبيغ من مصاريفها رغم أن أم البنت ترسل للجدة الأموال، أموالها من ممارستها البغاء ورغم ذلك إلا أن الجدة تزج بابنة ابنتها القاصر في زواج من ثري خليجي كي تتخلص من مصاريفها.
تعود أم البنت ناقمة على أمها وتبحث عن ابنتها حتى تجدها.

يمكننا القول أن الكتاب هو عبارة عن مجموعة قصصية مسيجة بإطار روائي عام يجمعها، وقد اكتست المجموعة بوحدة بنائية لا تخرجك واحدتها من أجواء البقية.

واجهت مشكلة في البداية في الاندماج مع الرواية الأمر الذي تطلب مني إعادة قراءة البداية أكثر من مرة، لكن تحسنت الأمور مع تقدمي في الرواية.
كذلك جمالية الرواية لم تظهر إلا مع قطع ثلث الرواية تقريبا.

اللغة عادية جدا والشخصيات كئيبة حزينة سوداوية ولكنها متقنة من حيث أبعادها النفسية.

الجرأة في الرواية تعدت مرحلة الجرأة ووصلت حد الوقاحة… لدرجة كانت الألفاظ السوقية التي تمجها النفس متوزعة في فصول الرواية بانتظام لذلك الرواية لا تصلح للقراء المحافظين مع مرتبة الشرف.

لا شك أن الرواية مؤلمة فمن تعذيب إلى علاقات أسرية مفككة ومن فقر إلى انجرار خلف الرذيلة ومن دعارة إلى تزويج القاصرات ومن شذوذ إلى تشرد إلى قتل.

وباختصار هي رواية الحياة ولكن في جانبها المظلم.

ولو سألنا أنفسنا هل تستحق الفوز بجائزة البوكر؟
من وجهة نظري تستحق الوصول للقائمة الطويلة كحد أقصى، ولو كانت هذه الرواية هي الأجمل بين روايات القائمة الطويلة وكان القرار بيدي كنت سأحتفظ بالجائزة إلى حين تأتي رواية تستحقها بجدارة.
وربما فوزها كان نتيجة لأنها مفصلة على ذوق لجنة التحكيم بالمقاس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى