حكايات من عبق والدي حسين النمر(ج٧)
رباب حسين النمر
من أوائل البلدان الخارجية التي سافر إليها والدي البحرين، سألته: لماذا كنت تسافر إليها؟ وكيف كانت رحلاتكم البحرية؟
قال لي والدي:
(لما بلغت الخامسة من عمري كنت أشكو من (الفتاق) فأخذني والدي رحمة الله عليه للعلاج إلى البحرين حيث أجريت لي عملية جراحية في مستشفى النعيم، وفي الفترة ذاتها كانت عمتي أم أحمد المسلم منومة في المستشفى نفسه، وكذلك أمي رحمها الله كانت تذهب أحياناً إلى البحرين للعلاج ولها مواعيد هناك، مما يدل على أن البحرين كانت إحدى الوجهات التي تقصدها العائلة للعلاج.
وكنت أرافق والدتي فنسافر عن طريق البحر في (اللنج الخشبي) من فرضة الخبر حتى فرضة البحرين. ويستغرق الطريق ثلاث ساعات تقريباً، وأحياناً تصادفنا رياح قوية تتلاعب بالمركب ونكون عرضة لرشاش الماء، ومن حولنا الناس يصرخون خوفاً، والبحر هائج واللنج الخشبي يتخبط في ثبج البحر. كانت مواقف مخيفة ولله الحمد أعقبتها السلامة.
أحياناً كان الناس يسافرون إلى البحرين جواً بطائرة صغيرة ذات مراوح يطلقون عليها اسم (أم أحمد)”٢”، أو يسافرون في المراكب الكبيرة.
في إحدى المرات سكنا بيت محسن بن مسلم وزوجته مريم المبارك”١” وكانت لديهم غرفة واحدة فقط، كانوا يقسمونها بـ(خدار) حيث أنام مع والدتي في جهة، وفي الجهة الأخرى ينام مضيفنا وعائلته.
أحياناً نقيم في البحرين أسبوعاً، أو عشرة أيام أو ثمانية أيام.
وسافرت مع الوالد رحمه الله إلى البحرين في رحلات عمل، حيث ننفذ بعض الطلبات الخاصة بـ(شغل الشرطنة) حيث أن الذهب المصنع بالبحرين يفضله كثير من الزبائن).
*الهوايات متنفس وملاذ يسعد به المرء، ومنظور منه يرى الدنيا، غالباً ما أرى في المنزل أشياء تخص والدي وتدل على حبه لبعض الهوايات، أتصفح دفاتر جمع الطوابع، وأقلب عدسات كاميرا كانون وملحقاتها، مما دعاني إلى سؤاله عن أبرز الهوايات التي جذبته في طفولته وصباه وشبابه، فأجابني:
(كنا على الصغر في الأحساء نصنع ألعاباً بأنفسنا، مثل: (تيليفون) من قوطيين جبن فارغة أو صلصة أو فاصوليا حيث تخرم من الوسط ونصل بينهما بخيط سمك طويل ولما نشد الخيط ونتكلم في القوطي يصل الصوت إلى أذن الطفل الثاني الموضوعة على القوطي، و(حويزيچ) بعصا طويلة من شجر التوت وعصا صغيرة، وكذلك كنا نصنع (سكان سيارة) من سيم ونصنع له أنتل. فكنا نصنع جميع ألعابنا بأنفسنا في الصغر بالفترة التي كنا فيها بالأحساء وبقيق.
ولما انتقلنا إلى الدمام وكبرت قليلاً كنت في ذلك الحين أهوى النجارة،
فصنعت عندما كنت في الحادية عشرة من عمري آلة لشراء الحلوى ذاتياً، وذلك حينما فوّض والدي نجاراً ينفذ أعمال الديكور لدكانه، فأخذت من الأخشاب المتروكة على الأرض وصنعت تلك الآلة
من الخشب، وهي عبارة عن صندوق صغير فيه فتحة توضع بها النقود التي بدورها تضغط ع حديدة وموصولة بذراع يحرك قطعة حلوى تنزل مع الحديدة المائلة وتخرج للخارج.
وكنت أمتهن في المنزل إصلاح الأبواب الخشبية المكسورة، وصنعت من الخشب خزانة وطاولة.
ولما كنا في بيت الشعيبة كانت أمي رحمها الله تنزعج من الأوساخ المتخلفة عن هواياتنا أنا وأخي أحمد الذي يهوى الخط حيث تتأفف من نشارة الخشب، والأقلام المبعثرة والألوان واللوحات والمناشير وقطع الخشب وعمليات القص. كنت أقوم بحرق السكاكين على القز(الفرن) عندما أريد قص قطعة من البلاستيك، فكان البيت يتسخ وكانت والدتي تقوم بتنظيف ما تخلف من ممارسة هواياتنا.
ولما كنت في سن الثانوية وبدأت أعمل في مجال الذهب أحببت الكمبيوتر واستخدمته مبكراً، حيث لم يكن الناس في ذلك الوقت يستخدمونه، فاستخدمت برامجه في الحسابات وإدارة العمل، وقد ساعدني كثيراً على تنظيم العمل والحسابات وتحسين الإدارة وكنت من أوائل الناس الذين استخدموا الكمبيوتر وكان ذلك معروفا لدى الوسط الذي كنت أعمل فيه.
ومن ضمن استخداماته كنت أطبع ستيكرات تعريفية لقطع المجوهرات ومواصفاتها وأوزانها.
ومن الهوايات التي مارستها منذ الصغر تنظيم الحسابات، فقد كانت تلك غريزة بي أو شبه هواية، حتى المبلغ البسيط الذي يكون بيدي ( عشرة ريالات) في الصغر كنت أقوم بتنظيم حسابه.
وقد ساعدتني برامج الكمبيوتر المحاسبية على تطوير هذا الميول، وقد كنت أستخدمه في جميع مراحل عملي مع عبد المجيد العبدالله النمر ومع العم حسن، واستمر استخدامي للكمبيوتر إلى يومنا هذا، وكنت أقوم بقراءة بعض الكتب المحاسبية ودراستها من أجل تطوير الذات وإثراء المعلومات وزيادة محصول الخبرات في مجال المحاسبة.
وكنت أهوى الأحجار الكريمة. وقد استفدت مادياً من جميع هذه الهوايات.
وقد مارست تجارة الألماس مع الوالد رحمه الله، وكنت في السوق مستشاراً في عمليات بيع الأحجار الكريمة والتفريق بين الحجر الكريم الأصلي وغير الأصلي، الجيد والرديء، والنظيف والذي به شوائب.
وقد قرأت كثيراً عن الأحجار الملونة. ولذا كان عملي مبنياً على قاعدة قوية من المعلومات، وأدير محل المجوهرات، والأعمال المحاسبية والعقارية بجدارة ولله الحمد مستنداً إلى خبرة جيدة في المحاسبة واستخدام الكمبيوتر، وأفق واسع في عالم الأحجار الكريمة.
وهنا تبرز العلاقة بين العمل والهوايات في الصغر والكبر.
………..
١/ أحد الأقرباء
٢/ ذكرها محمد الغدير في مقال له بجريدة اليوم بعنوان (طيارة أم أحمد) يوم الاثنين 28/11/2011
ومما جاء فيه:
طائرة من نوع داكوتا،
أول من أطلق هذا اللقب عليها سائق أجرة صومالي نظراً لتردد عائلة بهذا الاسم عليه تسافر أسبوعياً إلى البحرين، كانت هذه الطائرة تقطع المسافة بين مطار الظهران ومطار البحرين في خمس دقائق فقط وتعمل يومياً منذ الصباح حتى منتصف الليل، وكانت قيمة تذكرة الركوب ثلاثون ريالاً.