قاسم أمين وتحرير المرأة
ابتسام الموسى
لم يحدث أن كتاباً طيلة القرن التاسع عشر استطاع أن يهز الساحة الفكرية العربية بجميع مستوياتها الثقافيه مثل كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين.
لايزال الكتاب يثير ردود فعل ارتداديه تجاوزت آثارها زمن الكتاب حتى يومنا هذا، كما لايزال القراء يكيلون له التهم الخطرة من ناحية، ويدبجون له آيات الشكر الجزيل من ناحية أخرى.
فماذا يخفي الكتاب بين سطوره؟ وماذا تضم صفحاته ياترى حتى يثير ردود فعل متباينة بهذا الشكل؟
يمثل كتاب قاسم أمين نهضة نقلية نوعية تقوم على نظرية فكرية جديدة هدفها تغيير المرأة أولاً، ومن ثم تغيير المجتمع، وهذا هو مفتاح الكتاب.
درس قاسم أمين في فرنسا وأطّلع على مظاهر تقدّم البلدان الغربية آنذاك شأنه شان المفكرين النهضويين، ولم تَخْفَ على قاسم أمين خطورة طرحه، كما يكشف لنا الكتاب حيث قال: طرقت باباً إصلاحياً في أمّتنا، ويقصد بذلك إصلاح حال النساء.
كان قاسم يؤكد أن تخلف حال المسلمين وتقهقرهم العلمي ليس له علاقة بالشريعة الأسلامية، وكان يؤكد أنه من الممكن الأخذ بأسباب التقدم دون مخالفة الشريعة الأسلامية، وهذان البعدان حاضران في كتابه تحرير المرأة.
ينقسم كتاب قاسم أمين الى أربعة فصول:
١- تربية المراة
٢- المرأة والحجاب
٣- المرأة والأسرة
٤ – المرأة والعائلة
أما في مجال تربية المراة يقول قاسم أمين:
” إن المرأة يجب أن تحصل على التعليم والمعارف العلمية والأدبية وتاريخ الأمم ومواقع البلدان، وبإمكانها المشاركة في النشاطات الاجتماعية ومزاولة المهن والوظائف وإعالة نفسها ومساعدة الزوج في إعالة الأسرة وغير ذلك من الأمور التي تصب في مصالحها ومصالح المجتمع.
أما في فصل المرأة والحجاب يقول قاسم امين بأن الحجاب لا يقتصر على المسلمين،
فهناك أمم سابقة من غير المسلمين فرضت الحجاب على المرأة، ولكن تبددت تلك العادة مع مظاهر الحضارة، وهذا لايعني أن قاسم أمر المرأة بنزع الحجاب والتفسّخ، ولكنه يقصد عدم التشدد وتقييد المرأة بزي يعيق المرأة عن مزاولة عملها ونشاطاتها.
وهناك أمثلة لبلدان إسلامية يكون فيها حجاب المرأة مثالياً وغير مقيد وتستطيع معه القيام بأية مشاركة اجتماعية مع حفظ كيانها وحدود الشرع.
في الفصل الثالث المرأة والأمة يعد قاسم أمين انحطاط المسلمين وتقهقرهم علمياً ليس له علاقة بالدين، وإنما بالجهل المتفشي في المجتمع العربي آنذاك رجالاً ونساء.
مؤكداً على أنه لايمكن إيجاد رجال ناجحين دون أمهات قادرات على تهيئتهم للنجاح.
وأكد على أن نجاح الأمة يحتاج إلى عوامل عدة، منها الارتقاء بالمرأة وصقل فكرها، و يؤمن بأن المرأة ليست مجرد آلة للتناسل أو إفراغ الشهوة، ودعم نظريته بأمثلة عن عدة نساء في تاريخ الأسلام كان لهن دور وأثر فعّال في مصالح الأسلام والمسلمين كافة.
في كل فصول الكتاب كان يسهب قاسم أمين بالأستشهاد من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، ربما لأنه كان واعٍ بخطورة مايطرحه من نظريات جديدة
، قال: سيقول الناس إن ما أنشره اليوم بدعة، وأقول نعم أتيت ببدعة ولكن ليس في الدين بل في العادات.
وقد استنجد أمين بكل مهاراته القانونية وهو الذي درس القانون في جامعات فرنسا حتى يحتج لنظرياته ويبسطها ويجعل لها قبولاً عند العامة، ويثبت أنه في مطالبه لم يخرج عن الشريعة الأسلامية بل يحقق مقاصدها النبيلة، وقدم الحلول للخروج بالأمة عن أوضاعها المزرية.
قاسم أمين نشد التغيير، إذن: لماذا حدثت تلك الضجة والمعارضات وردود الفعل العنيفة؟
حيث بلغ عدد الكتب التي ترد على أفكاره أكثر من ألفي كتاب، ولماذا اتهم قاسم أمين بأنه يريد انحلال المجتمع المسلم ونشر فساد الغرب في بلاد المسلمين؟
لأن قاسم أمين قدّم في الفصل الرابع وهو ( المرأة والعائلة أفكاراً متقدمة عن زمانها، بل أن بعض تلك الأفكار يصعب تطبيقها وتقبلها في المجتمع العربي المنغلق آنذاك مثل:
تبديل عقد الزواج من صورة عقد تملك جنسي إلى عقد تفاهم واندماج روحي، ويصعب عليهم إن يتقبلوا أن فكرة تعدد الزواج أمر ظالم في حق المرأة على رغم ذكره في القرآن الكريم، واقترح إلغاء الطلاق الشفاهي واستبداله بعقد شرعي ضماناً لحقوق الزوجة.
صدم قاسم أمين المجتمع المتمسك بالشريعة والراكد تحت ظل الأعراف.
وقد ساند أمين في نشر دعوته شخصيات أبرزها الشيخ محمد عبدو
والزعيم المصري سعد زغلول.
تعرض قاسم أمين للنقد والتجريح ولكن ضلت كلماته فاعلة ومؤثرة في المجتمع من حوله