ما الفرق بين المتعة والسعادة؟
بشائر: الدمام
نبحث عن السعادة حتى ونحن لا ندرك أننا نبحث عنها، أو نبحث عنها في وجبة لذيذة أو ثمينة، أو في فيلم مضحك أو مشوق، أو في رحلة ممتعة. لكننا لا نجدها وذلك لأننا نبحث عن الشيء الخاطئ في المكان الخاطئ، فبينما نبحث عن السعادة نجري وراء المتعة التي تؤدي لعكس ما نريد: للتعاسة.
إطلاق لفظ السعادة على المتع كان مقبولًا في الماضي الذي كانت فيه المتع محدودة ومقيدة، أمّا الآن -ومع سهولة الحصول عليها- صارت التفرقة بينهما بمثابة تفرقة بين نجاح وفشل، وبين حياة ممتلئة وأخرى سطحية.
ومع مكائد الشركات لجنيّ الربح باستخدام الإعلام والإعلان، صار الخلط بين المتعة والسعادة هو الطبيعي، إذ لا يمكن للشركات أن تبيع السعادة، ولكن بيع المتع ممكن.
ولاحتياجنا للسعادة، صرنا لقمة سائغة نشتري ونشترك لنسعد فنشقى، ففي حين نبحث عن الثانية، نحصد الوفير من الأولى. وكلما زادت محصلة المتعة، قلت محصلة السعادة فنقع في حفرة عميقة نحاول الخروج منها لكن بحفر المزيد.
الفرق بين المتعة والسعادة
المتعة وقتيّة نتحصل عليها بوسائل مادية ملموسة، كلعبة نلعبها، هاتف ذكي نقضي معه وقتا طويلا، حذاء جديد أو نزهة في مركب. وفي الوقت الذي نحتاج فيه المتعة، يقتل الإسراف السعادة.
ولذا نرى أثرياء ومشاهير يعانون من التعاسة. أما السعادة فتأتي من الذات، ومن الإنجاز.
يقول د. روبرت لاستيغ بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، لبرنامج تلفازي بالجامعة، إنّ المتعة تتحقق بأشياء وسلوكيات، أما السعادة فنعيشها من خلال علاقاتنا الشخصية، ومن خلال إسهاماتنا كأفراد ومن خلال قدرتنا على التكيف مع العالم من حولنا، ومن خلال “أكل حقيقي”.
ويزعم د. لاستيغ أنّ المجتمع زجّ بنا بعيدًا عن تلك الأربعة، وعلينا أن نعيد التفكير فيما نأكل ونشرب وكيف نعيش وماذا نلعب، وما الذي يثير اهتماماتنا، وأن يقودنا هذا التفكير إلى تقييم علاقاتنا بأصدقائنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا.
ما أهمية التفرقة بين المتعة والسعادة؟
الخلط بين المتعة والسعادة قد يكون بسيطًا إن كنا نتحدث عن شخص اشترى طقم ملابس جديدا بدلا من أن يغسل ما عنده، لكن لو صارت تلك الطرق المختصرة أسلوب حياة فاشترى سيارة جديدة -عبر الاستدانة مما سيقلب حياته- بدلا من صيانة القديمة، ولو شاهد فيلمأً بعد آخر في وقت امتحانات أو عمل، فقد أوقع نفسه والناس المسؤولة منه في هوّة تزداد عمقا مع كل خلط بين الأمرين.
الوجبة الدسمة التي نرى آثارها على أجسادنا وصحتنا تسبب التعاسة مع انتهاء آخر لقمة فيها، والسيارة الفارهة التي سنزهدها بعد شهور ويضغط علينا قسطها أعواما ستخرج في صورة غضب على من حولنا وعصبية على صغارنا، يجب أن تجعلنا نتساءل عن سبب تعلقنا بها.
هذه ليست سعادة ، السعادة لا يمكن أن يستشعرها من يفضل عليها المتعة كل يوم.
كيف يكون الإنسان سعيدا في بلد مبتلى؟
تصدر الأمم المتحدة كل عام تقريرا عن السعادة على مستوى الدول، ورغم أنّه من المحال أن نحسب السعادة بالأرقام فإنّه طالما أنّ معايير التقييم واحدة، فيعد ذلك مؤشرا قيّما.
يفيد تقرير 2020 إلى أن جائحة كورونا لم تؤثر كثيرا على مستوى السعادة بالدول، فالناس تنظر إلى الجائحة كعدو خارجي موحد فيقاومونه ويتأقلمون مع مستجداته، وفي هذا رد على فكرة أننا لا نملك أي إسهامات في المعادلة، فتطوير ذواتنا ومهاراتنا من ناحية والتكيف مع قواعد العالم من حولنا من ناحية أخرى يزيد سعادتنا.
ولا يمكن النظر إلى سعادة الفرد بمعزل عن المجتمع، فمساحة الحريّة المطروحة للمواطن وتوفير الوظائف والطعام والمسكن والعلاج والتعليم المناسبين كلها تصب في سعادة الفرد، لكن هذا لا يعني أننا كأفراد ليس لدينا مسؤولية تجاه سعادتنا، فنحن لو قمنا بتلك المسئولية فسوف يؤثر ذلك إيجابا على أقرب الناس لنا، وكلما سعد شخص باختياراته ألهم غيره تحمل نفس المسؤولية، وبالتالي ترقى الأسرة والمدرسة والجامعة ومحل العمل والشارع والمجتمع.
فتأثير المجتمع على الفرد، والفرد على المجتمع، تبادلي. وفي النهاية كلنا يريد السعادة لكن المتعة أسهل، ولمقاومة السهل نريد سندا محفزا، فلم لا نكون نحن هذا السند؟