مطلوبون للعدالة
سهام بوشاجع
وجدوا في مكان لا يليق بهم أن يكونوا فيه وفي زمان كان من الأولى أن يحمل لهم ذكريات جميلة، إلا أن الفكرة خانتهم وغدرت بهم بعض أحاديث النفس الأمارة بالسوء، وشتتهم الأحزان المنساقة عبر أحداث الحياة المتواترة، فغرقوا في ديون وحقوق وواجبات حتى أصبحوا مطلوبين للعدالة.
فحين تقرأ العقول في كتب الاختلاف بين الشعوب وتحدد بالأقلام الفسفورية مذاهب الشقاق وكيف نشأت ومن بدأ بنثر بذور الفساد ثم تنغمس في حلاوة الكلمة ومعسول الفكرة، وتقرأ الكتاب تلو الآخر وتشرح وتفسر وتفند ما بين الأقواس، حتى تشرئب بالسموم، فلا تجد نفسها بعد ذلك إلا أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما بين الحب والكراهية، يتخذ مبدأ الوسطية وينجي من حياد اللونين إما الأبيض أو الأسود، فمثل هذه العقول مطلوبة للعدالة المجتمعية والإنسانية؛ لتصحح مسارها وتريها مالم تراه بين أسطر الكتب الرئيسة، فما بين السطور ما يستحق أن يقرأ ويؤرخ ويترجم ويطبق.
وعندما تحيد الجوارح عن خطها الفطري المرسوم لها الموسوم بالرأفة والرحمة، فتضرب وتبطش وتطيش وتخترق، حتى تنزلق إلى زقاق الفساد ودهاليز الجور، فبدل من أن ترسم لوحة جميلة تقتنص بها ابتسامة، تجدها تخرب ما أودعه الله من سكون في هذه الطبيعة، وبدل من أن تشارك في بناء الحضارة، تجدها تشارك في إزالتها، وبدل من أن تصنع مجدا تراها تزيف حقائق وتخلق كهوف عميقة ترفل بالعتمة والألم، تلك النوع من الجوارح مطلوبة بشدة للعدالة، مطلوبة للقصاص، مطلوبة من قبل الإنسانية والمجتمع قبل العدالة الدولية.
وللبطون مسارات عدة، فحين تختار مسار الشراهة والتخمة بلا سؤال وتتلذذ بكل ما هو متاح تدخل نفسها ضمن دائرة لا نهاية لها، فصور الناس وهي تأكل الضفادع والقواقع والحشرات واللحوم، لا يعرفون مصادرها، أذهلتهم الألوان وزينة الأطباق، وأغراهم الفضول وأبواب الدخول بانفتاح غير مسبوق على العوالم الأخرى، فأكلوا وأكلوا حتى ضجت البطون، وأصبحت مطلوبة هي الأخرى للعدالة الصحية والاجتماعية والنفسية قبل العدالة التشريعية.
حين استعرضت ثلاثة من المطلوبين للعدالة الإنسانية والمجتمعية والنفسية والقانونية والتشريعية، أكون قد اقتبست من ضمن كشوف المطلوبين على جدار الحياة بعض البعض، فقد أتعبني معرفة سبب تجريمهم وكونهم مطلوبين للمحاكمة وإعادة تأهيلهم من جديد؛ ليسيروا على جادة الطرق السليمة التي نصتها الفطرة الإنسانية والتشريعات الكونية، فأذهلني عن تتبع قائمة المطلوبين الآخرين، فهم كثر يحتاجون إلى من يكتب عنهم باتساع قلب، ولعلي أعرج بين الحين والآخر على عدد منهم وأعلن عنهم أمام الجميع.
أنت وأنا وغيرنا نعرفهم، ولكن نحتاج فقط لوقفة وتأمل حتى ندركهم ونستوعب حجم التهمة التي أحيطت بهم وجعلتهم ضمن المطلوبين لأي نوع من أنواع العدالة.