ملخص محاضرة الشيخ مرتضى الجمعة الليلة الأولى: المنهج العلمي في التعامل مع الرواية
قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول
بيان أقسام الرواية:
قسم بعض الباحثين الرواية إلى أربعة أقسام: الرواية العقدية – الرواية الفرعية الفقهية – الرواية التفسيرية – الرواية التاريخية
وسنتناول هذه الليلة الاقسام الثلاثة الأولى ونترك القسم الرابع لليلة الثانية، ولكن قبل البدأ يجب أن نشير إلى مقدمة مهمة: وهي أن كل قسم من هذه الأقسام الأربعة له منهج خاص متبع، فلا يمكننا تطبيق المنهج العلمي الخاص بالرواية العقائدية على الرواية التفسيرية مثلا وذلك لاختلاف المنهج العلمي المتبع. وأهمية هذه النٌقة تكمن في أن هذا الفهم وهذا التأصيل للمهم العلمي لكل منهم يكون لنا أشبه السد الذي يمنع دخول الشبهات لنا من هنا وهناك. لذلك دعونا نشرع في الحديث حول مناهج هذه الأقسام. والحديث الآن سيقع في نقاط أربع:
النقطة الأولى: بيان المنهج العلمي للرواية العقائدية
حيثُ سيكون التفصيل هُنا في زاويتين:
أ- الزاوية الأولى: ما المراد من الرواية العقائدية؟ هي الرواية التي تتحدث عن أمر عقائدي ويكون موضوعها موضوعا عقائدي، كأصول الدين ، روايات البرز ، روايات القبر ، الروايات التي تتحدث عن السؤال في القبر ، روايات الجنة والنار ، روايات يوم القيامة، الروايات التي تتحدث عن الكوثر كجنبة عقائدية. كُلها وغيرها من الروايات الداخلة في العقيدة نُعبر عنها أنها روايات عقدية او عقائدية.
ب- الزاوية الثانية: ما المنهج العلمي المتبع مع هذه الروايات؟ هُنا رئيان: الأول: مالم تكن الرواية العقائدية وصلت إلينا بطريق متواتر قطعي الصدور، لا يمكن أن تُقبل. الثاني: قال بالتفصيل وهو الذي مال إليه السيد الخوئي قدس الذي قال: أنا أفصل بين الروايات العقائدية الأصلية وبين الروايات العقائدية الفرعية، فإن كانت الروايات العقائدية الأصلية وصلت إلينا بطريق متواتر يتم قبولها، مثل الروايات التي تتحث عن التوحيد – النبوة – الإمامة – المعاد يوم القيامة ، كل هذه الأمور الأربعة إنما هي من الأمور العقائدية الأصلية الاساسية وصلت إلينا بطريق متواتر مقطوع الصدور ولذلك تُقبل. أما الروايات العقائدية الفرعية: كالبرزخ – السؤال في القبر – الصراط – الميزان وغيرها إذ يكفي في قبولها أن تكون رواية واحدة صحيحة السند معتبرة.
النقطة الثانية: بيان المنهج العلمي للرواية الفرعية الفقهية
هٌنا أيضا زاويتان:
أ- الزاوية الأولى: ماهو المراد من الرواية الفقهية الفرعية: هي الرواية التي تتحدث عن حكم شرعي. كالروايات التي تتحدث عن الطهارة – الديات – الصلاة – الصيام وغيرها.
ب- الزاوية الثانية: ما المنهج المتبع مع هذه الروايات؟ هُنا اتفقت كلمة الفقهاء على أن الروايات الفقهية حتى تُقبل ويترتب عليها أثر عملي يجب أن تكون روايات معتبرة. نعم العلماء أعلى الله مقامهم اختلفوا في تفسير الاعتبار ماهو معياره أو المراد من هذا الاعتبار، إذ أن بعض المراجع يرى أن الرواية هُنا تكون معتبرة إذا كانت صحيحة السند، وبعضهم يقول إذا كان صاحبها عادلا وبعضهم يفسر الاعتبار أنه طريقة الوثوق وبعضهم طريقة الوثاقة، بعضهم يكتفي بعمل المشهور وبعض لا يكتفي، وبعض يقول أن العدالة شرط في الرواي حتى تقبل روايته وبعضهم لا يقول ذلك … إذا: يتفقون في المعنى العام على أنها يجب أن تكون رواية معتبرة ويختلفون في تفسير المراد من كلمة الاعتبار.
ولنطرح مثالا: ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إياكَ ونكاح الزنج فإنهم خلق مشوه …
وهُنا في البداية يجب أن نُفصل: ما موضوع هذه الرواية؟ هل عقائدية أم فقهية أم تفسيرة أم تاريخية؟ وهُنا نجد أن النكاح يدخل في باب الفقه فيجب علينا تطبيق المنهج العلمي الفقهي عليها كرواية فقهية. بعد ذلك نرى كيف عالج الفقهاء هذه الرواية، حيثُ نجد أن كل الفقهاء والعلماء اتفقوا أن هذه الرواية غير معتبرة، لكن لماذا غير معتبرة ؟ هُنا اختلفوا: بعضهم قال لأن هذه الرواية وأشباهها ضعيفة السند فلا يمكن الاحتجاج بها، بينما السيد الشهيد محمد باقر الصدر وسار على هذا المنهج السيد السيستاني دام ظله الوارف يقولان: هذه الرواية غير معتبره لأنها تخالف روح المعارف القرآنية ومبادئة، إذ أن القرآن يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ويقول تعالى: ولقد كرمنا بني آدم … ومن هُنا لا نجد اي فرق عرق وآخر ولا بين جنس وجنس آخر إلا بالقوى.
النقطة الثالثة: بيان المنهج العلمي للرواية التفسيرية
وهُنا نقول: أن للمفسرين أعلى الله مقامهم مناهج متعددة للرواية التفسيرية وهُنا نكتفي بذكر ثلاثة مناهج بشكل سريع:
أ- المنهج الأول: تفسير القرآن بالقرآن وهذا منهج نص عليه السيد الخوئي أعلى الله مقامه الشريف. وهُنا مثال توضيحي: في رواية حيثُ أقبل رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال: يابن رسول الله وما يعلم تأميله إلا الله والراسخون في العلم، ما معنى هذه الآية؟ فقال: والله نحن الراسخون في العلم. قال السائل: دلني على ذلك من كتاب الله؟ قال الإمام عليه السلام: أينكَ عن قوله تعالى إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون … والمطهرون هم الذين عنتهم الآية المباركة: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
ب- المنهج الثاني: تفسير القرآن بالقرينة العقلية: وهُنا مثال توضيحي… في رواية أن رجالا أقبل إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال يابن رسول الله: الرحمن على العرش استوى ؟ ما معناهُ؟ فاقل عليه السلام: أي استوت نسبه الأشياء إليه. الله تعالى لما خلق العرش كان هذا العرش المركز ولما خلق الأشياء كانت الأشياء بالنسبة إليه اشياء متساوية النسبة، وليس المراد من كلمة استوى أنه جل جلاله قعد أو جلس. لماذا؟ لأننا لو قلنا أن الله تعالى يقعد ويجلس فهذا يعني أنه مادي له طول وعرض وارتفاع وإذا كانت له هذه الصفات فهذا يعني أنه يشغل حيزا من الفراغ وإذا كان يشغل هذا الحيز فإن معناه أنه سيكون محتاجا لذلك الحيز من الفراغ فماذا نقول في قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء والله هو الغني الحميد. فإذا كان الله غنيا فهل يعقل أن يكون أمرا ماديا يحتاج إلى أعضاءه؟ فالعقل لا يقبل أن يكون المراد من كلمة الاستواء بمعنى الجلوس او القعود في الآية الكريمة ليُحول الإله إلى أمر مادي يحتاج إلى أعضاءه. مثال آخر… قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) . هذه الآية أيها الأحبة لو نظرنا لها بعين العقل وتحكيمه ، هل يُعقل أن تكون نازلة في رسول الله ص!!! القضية أعظم من تصوير العبوس . هذه آية تصور الرجل أنه يركض وراء الأغنياء ويبتعد عن الفقراء، فهل يُعقل أن يكون ذلك رسول الله ص الذي يقول في حقه الله عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128) وفي آية أخرى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وفي أخرى يقول: وإنكَ لعلى خلق عظيم … فهذه الآية المباركة لا يمكن أن يقبلها العقل تفسيريا أنها نازلة في حق أكمل البشر رسول الله ص لمخالفتها العقل والآيات القرآنية الأخرى.
ج- المنهج الثالث والأخير: المنهج العلمي التفسيري بالعلم. وهُنا نُلاحظ قوله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. لماذا ركزت الآية على الجلود ولم تذكر مثلا ”كلما نضجت لحومهم“ وهُنا نذكر تفسيرا علميا حيث يذكر البروفيسور وعميد كلية الطب في جامعة شاينغ لاي في تايلند يقول: بأن الحروق العميقة إذا وصلت إلى العظم بعد أن تزيل هذه الجلود فإن الإنسان لا يشعر بالألم. إذ أن مصدر الألم هو الجلد. وبالرجوع إلى الآية الشريفة فإننا نجد أن التركيز على الجلد كان بغرض ”ليذوقوا العذاب“ لذلك العلم والآيات القرآنية ينسجمان ولا يتصادمان.
لذلك أيها المؤمنون: يجب علينا التركيز في هذه المواضيع وعدم الخلط بين هذه المناهج لأنها يجعلنا في مأمن من الوقوع في الإشكالات والشبهات.
اللجنة الإعلامية بالحُسينية العلوية ببلدة الجبيل في الأحساء