الشيخ السمين : الدين له امتياز على الرؤى الفكرية الغير دينية في الاهتمام بالأخلاق
رقية السمين: الدمام
سلط الضوء سماحة الشيخ محمد السمين على الفضائل والقيم الأخلاقية وكيفية تشكيلها منظومة لارتكاز الدين والتشريع الاجتماعي والإسلامي عليها، وقال:” الدين يبتني في أصله على منظومة الأخلاق الفاضلة التي فُطر عليها الإنسان، ويقويها ويعمقها وينتفع بها، كما نلاحظ التوصية المستمرة على القيم والأخلاق من قبيل العدل والإنصاف والإحسان والعفو والعفاف وعدم الاعتداء والخيانة وغيرها”.
أتى ذلك في محاضرته لليلة الثانية من محرم الحرام بلجنة مناسبات بسيهات تحت عنوان (الدين والأخلاق إكمال وتكامل)
وصنف سماحته الأخلاق وموقعيتها الى جانبين الجانب الاول إلزامي يتوقف عليه النظم العام، وهو الذي ترجم إلى (قانون) ويعبر عنه بمستوى العدل، والآخر غير إلزامي وتكون رعايته فضيلة إنسانية، كالتبرع للفقراء والمحتاجين، ويعبر عنه بمستوى الفضل.
كما لفت إلى أن علاقة الاخلاق بالدين تقع في موضعين أولهما “نفع الدين للأخلاق الفاضلة” من حيث أنه يؤصلها ويغرسها في الفرد كـ بناء التشريع الاجتماعي الذي لايبنى على جانب الدين وتوافقه بشكل عقلاني عبر السلوكيات الأخلاقية في العلاقات.
وقال:” شارك الدين في بعض ما شارك فيه المناهج الغير مبنية على الدين، كبناء التشريع الاجتماعي من خلال تحري السلوك الفاضل وهو أمر فطري بغض النظر عن كونه دينيا أو غير ديني، فالدين يؤصل هذه المعاني ليؤكد بأنه يوافق المذاق العقلاني وذلك أن البنية الصحيحة للتشريع هي القيم الفطرية”.
وأكد في ذات السياق أن الدين له امتياز على الرؤى الفكرية الغير دينية في الاهتمام بالأخلاق، من حيث: التوكيد على أن قوتيّ (العقل والضمير) المودعتين في داخل الإنسان هما الباعث لخلق الإنسان من قبل الله تعالى، حتى يتعرف الإنسان بعقله على الله، ويتعامل بضميره الضابط للسلوك معه عز وجل بالخلق الجميل والشكر.
وذكر سماحة السمين في الموضع الثاني انتفاع الدين بالأخلاق :” أن الحاضنة الإنسانية المستقبلة للدين كلما كانت أكثر اتصافاً بالأخلاق الفاضلة كانت وعاء أنسب للدين من حيث الفهم له ولتعاليمه العمل به، والعكس كلما كانت الحاضنة أكثر مزاجية وانفعالا وتسرعاً كانت أقصر عن الوفاء باستيعاب الدين وعن العمل به، بل يؤدي إلى تشوه الدين في فهم صاحبها، ووقوعه في الشبهات في تفقهه والعمل به”.
وأضاف أنه من هذا المنطلق اختار الله تعالى لرسالته لعباده أمثل الناس في الأخلاق وسلامة الفطرة، كما وصف القرآن الكريم نبي الإسلام (وإنك لعلى خلق عظيم)، كما يكشف التاريخ بأن حملة الدين بالخلق الفاضل عملوا عمل المنبه الفطري على حقانية الدين في أنفس الخلق، ممثلا بذلك بالمسيحيون وماوجوده في شخصية المسيح والمسلمون في شخصية النبي الأكرم.
وختاماً استعرض سماحة الشيخ محمد السمين أهم الإشكالات التي طرحت حول الدين الأخلاق والتي تقول أن الدين ينحى منحى المثالية في الأخلاق من حيث الاهتمام ببعض القيم الغير مفروضة فيجعلها ملزمة، كـ جعلها جزءا من القانون الإلزامي الشرعي، واستحقاق العقوبة على مخالفتها، مثل تحريم الكذب غير الضار، والعناية بتنفيذ العقوبات بمخالفة الاخلاقيات المفروضة بالأدوات المحددة لتنفيذ التشريعات القانونية، مثل الصد العملي، وجعل الحكم الجزائي الدنيوي عليها، بينما المفروض أن يقتصر على الإلزام التشريعي بها من غير متابعة من خالفها ما دامت لا توجب ضررا اجتماعياً.
وأجاب على ذلك بقوله أن اهتمام الدين بالقيم والفضائل في المنظور الديني إنما جاء بما يناسب أهميتها في الفطرة الإنسانية واستتباعها في عالم الآخرة، ويوافق مقتضيات التربية النفسية والاجتماعية، ليس هناك عقوبة دنيوية شرعية على مخالفة كل حكم إلزامي، فلا عقوبة على مجرد الكذب أو الغيبة أو السخرية، أو كتمان الشهادة أو السب، كما أنه لا عقوبة دنيوية على ترك بعض الفرائض عمداً فما جاء في الشرع من العقوبة عليه إنما هو فيما إذا كان هناك هتك إجتماعي للدين، كالإفطار المعلن في شهر رمضان، أو كان هناك إضراراً أو إيذاء عملي للآخرين مما يقتضي الردع عنه.