الشيخ السمين: اللذة صراع بين الشهوة والعقل
رقية السمين: الدمام
“يواجه الإنسان في حياته الدنيوية اختبار يشبه الاختبار المدرسي لتسلم درجة النجاح أو الرسوب في اجتياز الشخصية للدار الآخرة، ويترتب على هذا الاختبار أن تواجه الشخصية شدائد أو إحباطات لـ اللذة، بمعنى صراع بين الشهوة والعقل، أو بين الذات والموضوعية”.
هذا ماتطرق اليه سماحة الشيخ محمد السمين من على المنبر العاشورائي في ليلته السابعة بلجنة مناسبات بسيهات، حول الملذات الدنيوية في المحاضرة المعنونة بـ ” اللذة بين التعجيل والتأجيل”.
وحذر الشيخ السمين من الوقوع في أحد الخيارين نتيجة عدم التقيد والايمان بالمبادئ السماوية في تأجيل الملذات أولاهما الصراع: فما لم يقترن التأجيل للذة بتحقيق اشباع سيقع في صراع نفسي عنيف لا يهدأ له قرار، حتى وان التزم بمبادئ الواقع لكن بلا قناعة مشروعيتها لن يتمكن، ولعله من التمرد عليها خوفاً من فقدان التقدير الاجتماعي وهذا من شأنه أ، يجعل الفرد تحت وطأة الضغط والامراض النفسية.
وتابع قائلاً في ذات السياق عن الخيار الثاني وهو الإحباط:” أنه يتولد نتيجة البحث عن الاشباع الطليق لكل الملذات المنشودة وهو أمر لا يمكن أن يتحقق، فلذلك قد يزج الفرد بنفسه في حضيض الاخلاقيات إذ سيتحول إلى شخصية لا تراعي مبادئ الآداب العامة، وهو ما لا يسمح به القانون، وسيعرضه بعد ذلك لمواجهة الإحباط فالصراع فالمرض النفسي”.
في حين أبان سماحته أن المحرك للسلوك الإنساني هو البحث عن اللذة والذي يتخذ طابع ثنائي هما الشهوة والعقل يتجاذبان السلوك وقال:” اللذة الموضوعية المتوازنة مع اللذة الذاتية أو الشهوية، إنها تتميز بقدر أشد إمتاعاً من اللذة الشهوية أو الذاتية”، موضحاً أن الملذات لها ثلاث أشكال: الحسية كالحاجة للطعام، اللذة النفسية كالحصول على التقدير الاجتماعي، واللذة العقلية كالحاجة للتنقيب في الحقائق والمعرفة.
وأضاف قائلاً هذه الأشكال الثلاثة تنشطر إلى شهوي وعقلي، ومعيار الشهوي هو الإشباع الطليق، وأما معيار العقلي فهو الإشباع المقيد المنضبط”، ممثلاً على ذلك بالتقدير الاجتماعي وسلك الوسائل المشروعة للوصول إلى منصب معين أو سلطة معينة يكون إشباع للذة النفسية المتمثلة في انتزاع التقدير الاجتماعي موضوعياً عقلياً، أما لو سلك وسائل غير مشروعة كالتزوير أو الرشوة يكون هذا الاشباع شهوي ذاتي بحت.
ونبه سماحته الى أن (التأجيل) يتمثل في اختيار الدافع الموضوعي العقلي الذي لخصه قانون السماء في ثلاثة مبادئ هي:
1ـ التأجيل المعوض: بمعنى أن تأجيل أي لذة حسية كانت أو نفسية إنما يعوض عنها بلذة من نمطها في الدار الآخرة، وقد تكون في الدنيا ولكن في زمان لاحق، فالجوع مثلا أو الصبر يعوض عنهما براحة في الآخرة أو زمن لاحق بحيث تنفرج الشدة يوم ما.
2ـ التأجيل المثمَّن: والذي يقترن بتقدير وتثمين من السماء بغض النظر عن التعويض الاخروي أو دنيوي وهي الرضا والذوبان والتسليم بالمسلمات في أحلك الظروف وهذا من شأنه يجلب والراحة.
3ـ التأجيل القيمي: وتعني أن السماء تحمل دلالة لها قيمتها الموضوعية والعقلية من إرادة وعلم وإبداع وإحسان، وهو ما يحقق لذة عقلية باستكشاف هذه الحقائق.
وختاماً أكد الشيخ محمد السمين أن تأجيل الملذات مالم ينطلق من تصور إسلامي، سيكون قدر الإنسان الوحيد إما الاحباط أو الصراع، فالأبحاث الأرضية تجمع على أن الشدائد هي السبب وراء الأمراض النفسية، لذلك توصي بتحمل الشخصية شدائد الحياة إما بالرضا بقدر محدود من الإشباع أو استبداله بآخر، أو التقبل لهذا الحرمان أساساً مادامت تركيبة الحياة أساساً لا تسمح بإشباع الحاجات جميعا.