الموسى: هل الحجاب والعفاف ينافي قوانين العمل في الشركات والوزارات؟
مالك هادي: الأحساء
“مِنْ ضِمْنِ الضوابطِ التي تنظّمُ العلاقاتِ البشريّةَ: منظومةُ القِيَمِ، وهي كلُّ خُلقٍ أو صفةٍ أو موقفٍ سلوكيٍّ لهُ أثرٌ على الإنسانِ، وعلى الأسرةِ، وبالتالي المجتمع، وبعبارةٍ أُخرى: مجموعةٌ مِنَ المبادئِ والمقاييسِ والمؤشراتِ، التي يتمُّ مِنْ خلالِها السيطرةُ على الأفكارِ والمعتقداتِ والاتجاهاتِ، إضافةً للأشخاصِ أنفسِهِمْ ومُيولِهِمْ وطموحاتِهِمْ وسلوكِهِمْ، ومواقفِهِمْ سواءٌ الفرديةٌ أوِ الاجتماعية” بهذا استهل سماحة الشيخ عباس الموسى حديث الجمعة والذي كان تحت عنوان، دور القيم في المنظومة المجتمعية، بمسجد الإمام الكاظم ببلدة الحوطة في الأحساء .
و أشار سماحته إلى أن في هذِهِ الحياةِ نواجِهُ نموذجَينِ مِنَ البشرِ، نموذجٌ يمثلُ الخيرَ والإيمانَ، ونموذجٌ يمثلُ الشرَّ والكفرَ، فقال: وقدْ ضربَ القرآنُ أمثلةً كثيرةً لتعريفِ الناسِ بشخصياتٍ مِنْ هذا النوعِ وذاكَ، مِنها ما ذَكرَهُ في سورةِ التحريمِ والتي نزلَتْ بعدَ إفشاءِ بعضِ زوجاتِ النبيِّ لأسرارِهِ وقدْ نبَّأَهُ اللهُ بِما قالتْ ونبأَها بِهِ، ولكنْ لمْ يكتفِ القرآنُ بذكرِ الحادثةِ سواءٌ لزوجاتِ النبيِّ (ص) أوْ للمسلمينَ والبشريةِ على مرِّ التاريخِ فقدْ ضرَبَ لنا أمثلةً متعددةً على الإنسانِ أنْ يلتفِتَ لَها.
وشدد الموسى على ضرورة أنْ تَضَعْنَ النسوة نَصْبَ أعينهن مجرياتِ التاريخِ وما جرى على الأقوامِ مِنْ قبلِكُهم، فقال: ليسَتْ كلُّ امرأةٍ صالحةً بمجرَّدِ وجودِها وانتسابِها لنبيٍّ، وقدْ ضَرَبَتِ السورةُ مثالًا بزوجتَيْ نوحٍ ولوطٍ (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا)، ولكنْ كانَ مصيرُهُما إلى النارِ ولا شفاعة، وكانَتِ امرأةُ فرعونَ -آسيةُ بنتُ مزاحمٍ- معَ جبروتِهِ وبطشِهِ وطغيانِهِ ولكنَّها كانَتْ مؤمنةً نالَتِ الجنةَ، وذكرَها القرآنُ وخصَّها النبيُّ مِنَ الأربعِ اللاتِي لا يصِلُ إلى مرتبتِهِنَّ أحدٌ، ثمَّ خُتِمَتِ السورةُ بقدوةٍ خاصةٍ لمْ تكنْ محسوبةً على أحدٍ لا رجلٍ مؤمنٍ ولا كافرٍ، ولكنَّها أمٌّ لمعجزةِ الأرضِ الوحيدةِ، مريمُ المقدسةُ التي (أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).
ثم استعرض الشيخ الموسى نموذجين في مجتمعِنا وعصرِنا:
الأولَى: مثالُ الشَّرَفِ والطُّهْرِ والعَفافِ والقوةِ والبيانِ: وإحدَى مَنْ تمثلَتْ هذهِ العناصرَ زينبُ الكُبرَى بنتُ عليٍّ (ع)، التي حَوَتْ كلَّ الفضائِلِ وعناصِرِ القوةِ، فحينَما نبحَثُ عنْ طُهرِها فهيَ سليلةُ الطاهرينَ عليٍّ وفاطمةَ (ع) وكَفَى، فقال: نحتاجُ إلى أنْ نجعَلَ مِنْ زينبَ البطلةِ الرساليّةِ القويّةِ المصارِعَةِ المجاهِدَةِ قدوةً لكلِّ امرأةٍ، حتَّى تَشْعُرَ المرأةُ بالشرعيّةِ في ساحةِ الصّراعِ حركةً وجهاداً وتحدّياً.
وعن النموذج الآخر قال سماحته: أينَ نساءُ العصرِ مِنْ زينبَ؟ حينَما نبتعِدُ عنِ الثقافةِ الإسلاميةِ ونلجأُ إلى الثقافةِ الغربيةِ نبتعدُ عنْ منهجِ زينبَ وعفافِ زينبَ وطهرِ زينبَ، ونتساءَلُ: ماذا قدَّمَتْ لنا الثقافةُ الغربيةُ؟ نسألُ جميعَ المسلماتِ بِلا استثناءٍ، نسألُ كلَّ امرأةٍ حرةٍ وشريفةٍ: ما الثقافةُ الغربيةُ؟ ماذا قدَّمَ لنا الغربُ مِنْ قيمٍ إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ؟
الغربُ لا يحمِلُ إلَّا ثقافةَ البرمجةِ لإفسادِ الإنسانِ، وثقافةَ معاداةِ القيمِ والفضائلِ الإنسانيةِ، وثقافةَ الاختلاطِ غيرِ المشروطِ بينَ المرأةِ والرجلِ، وثقافةَ التعرِّي، الغربُ وإنْ أَوْجَدَ لنا التطورَ التكنولوجيَّ ولكنْ لغرضِ نشرِ هذهِ الثقافاتِ، وليسَ خدمةً مجانيةً للعربِ والمسلمينَ، ماذا قدَّمَ لنا الغربُ سِوى ثقافةِ التمردِ على الأسرةِ، والتفلُّتِ مِنْ قيمومةِ الأبوَّةِ والزوجيَّةِ، والعيشِ بحريةٍ مطلقةٍ، حتَّى الصغارُ عليهِمْ أنْ يَعيشُوا الحريةَ دونَ أيِّ ضابطٍ إنسانيٍّ وعرفيٍّ وشرعيٍّ، الغربُ جاءَنا بثقافةِ أنْ توضعَ المرأةُ كعاملٍ لترويجِ البضائعِ، واليومَ نجدُ المرأةَ هيَ المحركُ والعارضُ لكلِّ المنتجاتِ، لديهِمْ عارضاتُ أزياءٍ ومروجاتٌ لمختلفِ المنتجاتِ مِنْ ملابسَ وأطعمةٍ وإلكترونياتٍ وعروضٍ مجانيةٍ في كلِّ وقتٍ، ويُرادُ لنا أنْ تكونَ المرأةُ في الدولِ الإسلاميةِ كالدولِ الغربيةِ سلعةً تُستهلَكُ ثمَّ تُرمَى، ولِذا نحنُ ندركُ أنَّ تغييرَ المسارِ لبعضِ نساءِ المسلمينَ إنَّما هوَ باتِّباعِ الثقافةِ الغربيةِ، وإلَّا لِماذا تتشبهُ النساءُ المسلماتُ بالنساءِ الغربياتِ؟ لماذا هذا التمردُ على الثقافةِ الإسلاميةِ؟ لماذا نحتضنُ الثقافةَ الغربيةَ؟
وسلط الموسى الضوء على ظاهرة التفلُّتُ مِنَ الحجابِ الشرعيِّ مِنْ بعضِ الفتياتِ، فقال: أَلَسْنا كمسلماتٍ نؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، نؤمنُ أنَّنا صائرونَ تحتَ الترابِ في يومٍ مِنَ الأيامِ، أنَّنا سَنُحاسَبُ في يومٍ مِنَ الأيامِ على الحِجابِ والتفريطِ فيهِ، نؤمنُ بالنبيِّ محمدٍ (ص) كنبيٍّ أُرسِلَ لهدايةِ الناسِ، وهوَ مَنْ أمرَ بالحجابِ وأُنزلَتْ آياتُ الحجابِ عليهِ تأمرُهُ أنْ يأمُرَ زوجاتِهِ وبناتِهِ ونساءَ المسلمينَ برعايةِ الحجابِ، إذنْ لماذا التقصيرُ في الحجابِ؟
لماذا الخروجُ إلى الشارعِ ونصفُ الشعرِ مكشوفٌ؟ لماذا الخروجُ إلى الشارعِ معَ لبسِ عباءةٍ كعباءةِ طلابِ العِلمِ (البشوت) وإخراجُ كلِّ الملابسِ الداخليةِ للمرأةِ؟ لماذا الخروجُ بأكمامٍ كبيرةٍ في العباءَةِ بحيثُ ما إنْ تحرِّكِ المرأةُ يَدَها إلَّا وخرجَتْ كاملُ يَدِها مِنْ تحتِ العباءَةِ؟ لماذا الخروجُ بعباءةٍ مخصرةٍ للمفاتِنِ؟ -المؤسفُ- في بعضِ الأحيانِ تجدُ الدعواتِ لجريِ وركضِ النساءِ أمامَ الرجالِ لكيْ تتحرَّكَ كلُّ أعضائِها ومفاتِنِها أمامَ الرجالِ، لماذا؟ لماذا الخروجُ بزينةٍ، بأيِّ نوعٍ مِنْ أنواعِها؟ أليسَ وضعُ المكياجِ على الوجهِ وحتَّى حولَ العينينِ فقطْ يُعدُّ زينةً؟ أليسَ وضعُ المناكيرِ على الأظافِرِ أوْ لبسُ الأظافِرِ الاصطناعيةِ والخروجُ للوظيفةِ زينةً؟ أليسَ تطريزُ العباءَةِ حتَّى لوْ كانَتْ سوداءَ تعتبرُ زينةً؟ أليسَ الخروجُ بعباءةٍ ملونةٍ يُعتبرُ زينةً؟ أليسَ اللهُ يقررُ أنْ لا تظهرَ الزينةُ إلَّا للمحارمِ؟ أم أنَّ البناتِ العاملاتِ في الأسواقِ والمجمعاتِ والمستشفياتِ وغيرِها لَسْنَ مِنْ بناتِنا أوْ لَسْنَ مِنْ أهلِ دينِنا؟! ولِذا نحنُ نرجُو ونتمنَّى ونأملُ أن تحاسِبَ كلُّ واحدةٍ نفسَها، وتتفكَّرَ في دينِها والتزامِها بوعيٍ وتَقْوًى، كما نرجُو ونتمنَّى ونأملُ أنْ تُحاسَبَ النساءُ اللاتِي تخرجْنَ بملابِسَ غيرِ شرعيةٍ ومخلةٍ بالذوقِ العامِّ، كما هيَ القوانينُ التي سُنَّتْ ضدَّ الرجلِ عندما يخرجُ بملابسَ مخلةٍ ومخالِفَةٍ للذوقِ العامِّ جنبًا إلى جنبٍ وبدونِ فرقٍ، كما يُمنعُ الرجلُ مِنْ دخولِ الدوائِرِ الحكوميةِ إذا كانَتْ ملابسُهُ خلافَ العرفِ الوطنيِّ؛ كذلكَ المرأةُ.
وخاطب الشيخ الموسى فئة الموظفاتِ اللاتِي لا تُراعِينَ الحجابَ: هلْ عدمُ الحجابِ كانَ شرطًا للوظيفةِ، سواءٌ أكانَ مِنَ الشركةِ أوِ المؤسسةِ أوِ وزرارةِ التجارةِ، أوْ هوَ منكُنَّ؟
وأجاب: الواضحُ أنَّ ذلكَ لمْ يكنْ مِنْ وزارةِ التجارةِ ولا الشركاتِ لأنَّنا نجدُ العديدَ مِنَ الموظفاتِ يعملْنَ ويحافظْنَ على حجابِهِنَّ وعفافِهِنَّ، ولوْ كانَ هناكَ إجبارٌ لَوَجدْناهُ في كلِّ النساءِ ومعَ كلِّ امرأةٍ، ولِذا أوجِّهُ خطابِي لكلِّ نساءِ المملكةِ بالخصوصِ سنةً وشيعةً، عودُوا إلى القرآنِ وسنةِ النبيِّ (ص) وانظرُوا إلى آراءِ العلماءِ الأعلامِ المخلصينَ للأمةِ، انظرُوا يا نساءَ الشيعةِ الكريماتِ إلى مراجِعِكُمْ العظامِ وفتاواهُمْ، هلْ يجوِّزونَ إخراجَ شيءٍ مِنَ الشَّعرِ أوِ الخروجَ بزينةٍ؟ وانظرُوا يا نساءَ السنةِ الكريماتِ إلى علمائِكُمْ، إلى مُفتِي المملكةِ الراحلِ والحاليِّ هلْ يجوِّزونَ إخراجَ شيءٍ مِنَ الشَّعرِ أوِ الخروجَ بزينةٍ؟ أمْ أنَّ آيةَ اللهِ العظمى اليهوديَّ والأمريكيَّ هوَ مَنْ جوَّزَ واتبعتموهُمْ.