السليم: القتل غيلة ليس من أخلاق النبي.. والإيمان قيد الفتك
رباب النمر: الأحساء
سلط الخطيب الحسيني الشيخ محمد السليم بؤر الضوء على قوله تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، متناولاً الحديث عبر محورين؛ الأول يدور حول مضمون الآية الكريمة، والثاني حول مرويات تاريخية في كتب الحديث بهذا الصدد.
وحول المحور الأول قال:
(يذكر مضمون الآية الكريمة ثلاثة أصناف من الابتلاء، هي: الابتلاء في المال، والابتلاء في النفس، والابتلاء في القول.
وقع منهما نوعان في مكة، ونوع واحد في المدينة.
النوع الأول: الابتلاء في المال حيث ترك المهاجرون إلى المدينة أموالهم في مكة فقامت قريش بمصادرة،
أموالهم، وممتلكاتهم، وبيوتهم، فأصبحوا فقراء. وقد عمد الرسول صلى الله عليه وآله إلى المؤاخاة حتى يجبر فقرهم.
وتعد مصادرة الأموال نوعاً من الابتلاء لأي سبب كان.
النوع الثاني: الابتلاء في النفس؛ فالهجرة نوع من الابتلاء، ولو كان سببها وجيهاً، مثل: طلب العلوم الدينية، أو الأكاديمية، أو طلباً للرزق، أو طلبا لحرية الممارسات الدينية.
فإن ترك الإنسان بلده، وجيرته، ومعارفه، وأقاربه، وجماعتك ابتلاء، فهو ليس بالأمر الهين.
النوع الثالث: الابتلاء في القول؛ لما هاجر المسلمون إلى المدينة صار هناك ابتلاء ثالث، (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً) بمعنى أنه سيحصل كلام على المسلمين من بعض اليهود وبعض المشركين ويتساءلون لماذا جاء هؤلاء؟)
وأضاف السليم:
(كان كعب بن الأشرف يهودياً سليط اللسان يهجو المسلمين، وسلاطة اللسان صفة ذميمة تنفّر الآخرين، وتجعلهم يتحاشون مجالسة صاحبها. تقول إحدى المرويات:
هجا كعب المسلمين،
فأمر النبي ص بقتله فقُتل ( الأشرف).
وتتناول الآية الكريمة
كيفية التصرف عند حصول الابتلاء،(وإن تصبروا وتتقوا) وهو
الصبر والتحمل والسير على نهج الله)
وفي المحور الثاني تناول السليم قصة كعب بن الأشرف كيف قُتل؟ ولماذا؟وكذلك عند عصماء بنت مروان، فقال:
(هجا كعب بن الأشرف الرسول صلى الله عليه وآله، وأمر النبي بقتله، كما تقول إحدى المرويات في صحيح البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله، قال نعم، فواعده أن يأتيه ليلاً (وقد كان صديقه) فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة؟ وقال غير عمرو (حيث شعر بالأمان) فقالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم، قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعى إلى طعنة بليل لأجاب.
ثم دخل محمد بن مسلمة واستدرجة الجماعة بعيداً حتى قتل، ثم أتوا النبي صلى الله عليه واله وأخبروه.
حسب هذه الرواية يسمى هذا القتل: غيلة وغدراً.
ويُذكر أنه من الشعراء الذين هجوا الرسول صلى الله عليه وآله امراة، هي: عصماء بنت مروان التي هجت النبي صلى الله عليه وآله، فقام عمير بن عدي يترصدها وجاء إلى بيتها ونظر من كوة فوجدها نائمة وبجانبها رضيعها، فسحب رضيعها وسحب السيف ووضعه في صدرها وأخرجه من ظهرها، وأخبر النبي بالأمر وباركه النبي)
ولفت السليم إلى استغلال بعض الملاحدة والعلمانيون هذه المرويات، فهم يتهكمون بمثل هذه الأعمال على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الإسلام.
وبيّن (نحن في واقع الأمر لا مشكلة لدينا في نفي هذه المرويات، فلا يوجد لدينا كتاب صحيح إلا القرآن، وكل رواية لم تتفق مع القرآن والقوانين العامة للدين لا نقبل بها، ونحكم عليها بأنها غير صحيحة لأنها تخدش قداسة شخصية الرسول صلى الله عليه وآله) مضيفاً:
(إن مثل هذه الأعمال تتعارض مع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، وهي لا تناسب ماوصفه به القرآن الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم) ولا مع الآية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، كما تتعارض هذه المرويات مع سبب نزول الاية المذكورة التي علمتنا كيف نتصرف إذا تعرضنا للابتلاء أياً كان نوعه
-والهجاء نوع من الابتلاء الكلامي- وهذه القصة تتعارض مع الآية، فلا يمكن أن تكون هذه القصة سبباً لنزولها) وتناول السليم الأسباب الشرعية التي تبيح القتل في الإسلام، وهي: القصاص، أو حد الحرابة، أو في الحرب رجلاً لرجل،وضرب مثلاً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي لم يقتل أحد غدراً ولا غيلة، وحينما يؤتى بأسير مربوط فيقول أحدهم: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق، ولكن الإمام علي لا يفعل ذلك أبداً، والرسول صلى الله عليه وآله يمتاز عن سواه بالرحمة، ولذلك خرّج البعض المسألة أن ذلك كان تصرفاً شخصياً من هؤلاء.
ثم سلط السليم محرى الحجيث حول الدعاء المشهور عند المسلمين
(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، فقال: (أرسل النبي محمد صلى الله عليه وآله بعد فتح مكة خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من قبيلة بني كنانة التي تسكن يلملم -ميقات أهل اليمن، ولم يبعثه مقاتلاً، فخرج فِي ثلاثمائة وخمسين رجلاً مِن المهاجرين والأنصار وبني سليم فانتهى إليهم خالد، وقد أخذوا أسلحتهم لأنهم لا يعلمون من القادم حبث ظنوه عدوّاً، فَقَالَ : ما أنتم؟ قَالُوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد فِي ساحاتنا وأذنا فيها! قَالَ: فما بال السلاح عليكم؟ فقالوا: إن بيننا وبين قوم مِن العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هُم فأخذنا السلاح! قَالَ: فضعوا السلاح! قَالَ: فوضعوه، فَقَالَ لهم: استأسروا، فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضاً وفرقهم فِي أصحابه، فلما كَانَ فِي السحر نادى خالد: مِن كَانَ معه أسير فليدافه! والمدافة الإجهاز عَلَيْهِ بالسيف، فأما بنو سليم فقتلوا مِن كَانَ فِي أيديهم – وكانت بين سليم وكنانة عداوة في الجاهلية، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم ولم يقتلوهم، فبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صنع خالد، فَقَالَ: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) معلقاً:
(إن هذا تصرف شخصي من خالد بن الوليد، فأمر النبي عليا أن يذهب إليهم ويؤدي عنهم (دية) ويعوضهم عن خسائرهم حتى ميلغة الكلب.
إن القتل غيلة مرفوض بأي شكل من الأشكال،
وهذا ما حصل مع مسلم بن عقيل الذي لم يقتل ابن زياد غيلة مما جعل البعض ينتقد مسلم لأنه لم يقتله، فلو قتله لم يُقتل الحسين عليه السلام،ولم تحدث معركة كربلاء حسب رؤاهم.
نزل مسلم بيت هانيء بن عروة لما وصل إلى الكوفة، ولما قدم ابن زياد جاء مع شريك بن الأعور الذي نزل بيت هانيء فالتقى بمسلم، ومرض شريك وجاء ابن زياد لعيادة شريك الذي خطط لقتل ابن زياد عندما جاء واتفق مع مسلم على كلمة سر عندما ينطقها يهرج مسلم من مخبئه ويقتل ابن زياد، وكرر شريك هذه الكلمة ولم يخرج مسلم لأنه لا يتقل غدراً
( الإيمان قيد الفتك).
وختم السليم حديثه:
(إذا كان لديك هدف مقدس فلا بد أن تكون الوسيلة مقدسة، فالغاية لا تبرر الوسيلة، وفي مثل هذه المواقف تظهر قيمة مباديء الإنسان، كما قرر مسلم مقابلهم رجل لرجل، وهذا ما حدث معه شوارع الكوفة).