أقلام

التطوير الأداري للجمعيات الخيرية ترف أم حاجة

الدكتور موسى صالح

أصبحت الأدارة الجيدة أكثر إلحاحاً ًفي عصرنا الحالي لما تمثلة بيئة الأعمال من تغيراتٍ متسارعة ٍفي شتى المجالات الاقتصادية، والأجتماعية، والسياسية، والتحديات التي أفرزتها العولمة و التسارع التقني الذي يطلق علية بالجيل الرابع.

ومن أجل ذلك كانت الهندسة الأدارية كعلم يواكب هذه التغيرات، وما يعرف أختصاراً ًب (الهندرة) أكثر ألحاحاًً في تسيير الأعمال الأدارية وتطبيقاتها في القطاع الثالث.

تعتبر الهندسة الأدارية، اوما يعرف أختصاراً ًب (الهندرة) كأحد المفاهيم الأدارية الحديثة التي تمزج بين المفاهيم الهندسية و الأساليب الأدارية في أعادة رسم مفهوم أداء الأعمال. وتتضح أهميتها في العمل الخيري أو ما يعرف بالقطاع الثالث في أعادة تشكيل وتصميم مجموعة الخدمات التي يقدمها القطاع الثالث، سعيا ًلتقديم أفضل و أجود الخدمات التي تقدم للمستفيدين بأقل التكاليف و أسرع أنجازاً وأكثر جودةًً. كما وتجعل الجمعيات الخيرية أكثر تركيزاًً على العملاء، وأشباع حاجاتهم وتطوير أشكال الرقابة و تحقيق التحسينات الجوهرية في بيئة العمل مما يخلق قيمة مضافة ( جودة وسرعة أداء العمليات).

وتعرف الهندرة بأنها “إعادة تصميم جذري، سريع للعمليات الأسترايجية والتي لها قيمة مضافة، وكذلك إعادة التصميم الجذري، والسريع للنظم و السياسات و الهياكل التنظيمية التي تساعد على أنجاز متقن للعمليات وكل ذلك للوصول الى أنسياب العمل بكفاءة عالية، وفق معايير الجودة العالمية.

وللهندرة تعاريف عدة، تختلف في الألفاظ و تتفق في المضمون، حيث يتمحور المضمون حول أربع مفاهيم هي:
1- أساسية الهندرة لبيئة الأعمال
2- أن الهندرة عملية جذرية
3- أن الهندرة عملية شاملة لكل العمليات
4- تشمل هندرة العمليات الأستراتيجية

وتهدف أعادة هندسة العميات الأدارية إلى تحسين العميات الأدارية غير الفعالة، وتحسين المنتج ( الخدمة المقدمة الى المستفيد) ، والقدرة على مواجهة وزيادة المنافسة الأيجابية بين العاملين لخلق بيئة عمل قادرة على بعث الطاقات الكامنة لدى العاملين و تسخيرها في كفاءة الأداء و الأنجاز،وتحسين الأتصالات بينيـهم، وتقليل الوقت الضائع في العميات الأدارية.

وحتى تؤدي أعادة هندسة العميات الأدارية ( الهندرة) غايتها لابد من تحديد الأهداف التي تصبو اليها من تغيير جذري في مفهوم أداء الأعمال، والتركيز على مفهوم العمليات، وكون العميل محور التحسين في أعادة رسم تدفق العمليات، وتوحيد ودمج العمليات و الأستغناء عن العمليات التي لا تعطي قيمة مضافة الى العميل.

لقد جبلت النفس البشرية السليمة منذ بدأ الخليقة على البذل و العطاء. ويتركز هذا المفهوم ( العطاء) لدى المسلمين لما حث عليه القرءان الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة. تأتي الجمعيات الخيرية لتلعب الدور الأهم في المجتمعات الأسلامية لتكون حلقة وصل بين يد معطاءة باذلة ويد عفيفة بلاها الله بالحاجة.

كما تعتبر الجمعيات الخيرية أحد أوجه التكافل المجتمعي الذي يعتبر أساسًا في نهضة المجتمعات وبالأخص المجتمع المسلم.

تعرف الجمعيَّة الخيرية او المنظمات الخيريَّة (Charity) بأنها مؤسسةٌ أو منظمة غير ربحيّة تركز بشكل رئيسي على القيام بكافة الأعمال ،و الأنشطة الغير ربحية من أجل إصلاح المجتمعات ، ويأتي دعمها قائم بشكٍل رئيسي على التبرعات سواًء من الأفراد او من شركات المُجتمع المحلي الربحيَّة.

وللجمعيات الخيريَّة أهداف سامية عدة ليس أقلها سد العوز للمستفيدين. من هنا تأتي الحاجة لهندرة الأعمال الأدارية الخاضعة تحت مظلة الجمعيات الخيرية لتجويد أعمالها وديمومة عطاءتها.

تتركز هندرة عمليات الجمعيات الخيرية على ثلاث مرتكزات:
1- الحوكمة: حوكمة الجمعيات الخيرية
2- الجودة: تطبيق أنظمة الجودة العالمية
3- التميز: التميز في الأداء للجمعيات الخيرية

سنتناول هذه المرتكزات بشكل مبسط وسريع بغرض تسليط الضوء على أهمية هذه المرتكزات في جودة أداء أعمال الجمعيات الخيرية وديمومة بقاءها في خدمة المجتمعات.

المرتكز الأول : الحوكمة
قام مجلس الوزراء لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، بتطوير نظام حوكمة متكامل، لضمان مأسسة العمل ورفع كفاءته وتسهيل تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، بما يمكّن المجلس من المتابعة الفاعلة”
الجمعيات الخيرية هي حلقة وصل أمينة بين أيادي باذلة كريمة وبين أيادي محتاجة عفيفة. وتأتي حوكمة الجمعيات الخيرية لأستمرارية الأداء الفعال لأعمالها وديمومة رسالتها النبيلة.

وتعرف الحوكمة على أنها مجموعة من القواعد و المعايير و الأجراءات اللازم تطبيقها في أي منشأة كانت لضمان درجة عالية من الشفافية و الأفصاح المالي و الأداري و المشاركة في أتخاذ القرارات و المحاسبة و المتابعة وضوحا تاماً في الصلاحيات و الحقوق و الواجبات.
وتهدف هذه القواعد الى تعزيز قيم العدالة و النزاهة، ونظم المساءلة، ومبادىء الشفافية في الجمعيات الخيرية. ويمكن تلخيص الأهداف الى التالي:
1- تحسين الصورة الذهنية للقطاع الخيري
2- تحسين عملية صنع القرار
3- تحسن درجة الألتزام و الأفصاح و الشفافية و المساءلة
4- زيادة ثقة الجمهور

المرتكز الثاني: الجودة

أصبحت الجودة مطلب أساسي في أداء الأعمال، ولقد أسس الرسول الكريم عليه الصلاة و السلاة لأتقان العمل، حيث قال (ص) ” إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ “. و السؤال الجوهري ما هو الأطار الأمثل الذي يضمن أتقان العمل. يأتي نظام الجودة العالمي الأيزو 9001 ليقدم أطاراً عالمياً متقن يمكن تطبيقه على اي نوع من المنشأت والنشاطات بغض النظر عن حجم المنشأة او طبيعة عملها، وهي تشمل القيادة و الأداء و الرقابة و التوثيق وكذلك التحسين المستمر.

المرتكز الثالث: التميز

يعرف التميز على انه حالة من الإبداع والتفوق المؤسسي تحقق مستويات عالية غير عادية من الأداء وتنفيذ العمليات الإنتاجية والتسويقية والمالية وغيرها في المؤسسة بما ينتج عنها نتائج وإنجازات ترضى عنها الفئة المستهدفة وأصحاب المصلحة كافة في المؤسسة.

كما يمكن تعريفه على أنه حالة من التفوق في النظام الشامل للأداء المؤسسي والممارسات التطبيقية لهذا النظام وتحقيق النتائج المتميزة للمعنيين، وهي مرحلة متقدمة من تطور أعمال الجودة في المنشآت، حيث المنظمة المتميزة هي التي تسعى إلى تحقيق مستويات أعلى مما يرغبه المعنيين من خلال ما تحققه من إنجازات.

ويهدف التميز في أداء الأعمال الى عدة أهداف منها:

 تطبق المؤسسة رسالتها ورؤيتها عبر استراتيجية واضحة مرتبطة بالخطط والأهداف والغايات والإنتاج والعمل على تطويرها ونشر ثقافة التميز بالمؤسسة
 الحرص الدائم على تحقيق رضا المستفيدين وأصحاب العلاقة ضمن أستراتيجية وأهداف و مؤشرات أداء واضحة.
 أستمرار ديمومة المؤسسة من خلال أبتكار منتوجات جديدة بأستمرار

ولقياس التميز المؤسسي للجمعيات الخيرية، و ضعت جائزة السبيعي للعمل الخيري عدة معايير تقاس على أساسها وهي كالتالي:

1- بناء الشراكات
2-تحقيق نتائج متوازنة
3-رعاية الإبداع والابتكار
4-تحمل المسؤولية لمستقبل مستدام

نستخلص مما سبق، نظراً ً لكون الجمعيات الخيرية جسماًً أصيلاً ًمن المجتمع لما يخدم من شريحة أبتلاها الله بالعوز و الحاجة، فأن ديمومة هذه المؤسسات أمرٍلا يمكن الأستغناء عنه. وعليه كان لزاماًً على القائمين على هذه المؤسسات الخيرية السعي الحثيث في تطوير أعمالها و أتقانها بل و تميزها بما يضمن الأداء المتقن و الشفاف. وفي هذا المقال أقترحنا ثلاث مرتكزات يتم من خلالها التطوير الأداري لسير الأعمال داخل هذه المؤسسات الخيرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى