دور الرضاعة الطبيعية في تنمية جوانب الذكاء لدى الأطفال
د. غنيمة علي الزاهر*
لو نظرنا إلى محيط رأس الإنسان الطبيعي لوجدناه ينمو بمعدل ٣٥سم عند الولادة، ليصل إلى معدل ٤٩ سم عند عمر السنتين وإلى معدل ٥٧ سم فقط عندما يكون بالغاً، مع مراعاة الجنس والعرق في هذه المعدلات.
ولو دققنا في هذه المعدلات لوجدنا أن محيط الرأس ينمو تقريباً ١٤ سم خلال السنتين الأوليتين من العمر، وبالخصوص خلال ستة الأشهر الأولى، إذ يزيد ٩ سم، وهذا أكثر ما يزيده من عمر السنتين حتى البلوغ ٨سم، فلماذا؟
السبب هو أن عقل الإنسان ينمو بسرعة كبيرة خلال السنتين الأوليتين من العمر، وخاصة ستة الأشهر الأولى، وليس التغير في حجم العقل فقط بل في تركيبته وعمله واستيعابه وذكائه أيضاً.
وهنا تضح حكمة الخالق سبحانه وتعالى حيث وهب الأم حليباً ترضعه ابنها، خلال هذه الفترة المهمة لنمو العقل.
لقد أوضحت الكثير من الدراسات التي أجريت حول العالم، أن الأطفال الذين يرضعون حليب أمهاتهم يحصلون على نسب ذكاء أعلى بكثير من أولئك الذين يرضعون الحليب الصناعي، كما أثبتت هذه الدراسات أن نسبة الذكاء تتناسب طردياً مع مدة الرضاعة الطبيعية، خاصة إذا زادت عن السنة؛ وكان السؤال الذي أثار فضول الكثير من العلماء ما سبب هذا؟؟؟
قسم العلماء تأثير الرضاعة الطبيعية في الذكاء إلى قسمين: أولهما تأثير قرب الطفل من أمه أثناء الرضاعة، وكيف ينعكس هذا القرب وتلامس جلدها لجلده إيجاباً على وعيه وإدراكه. وينبغي التأكيد على أن هرمون تدفق الحليب -الأوكسيتوسين- هو نفسه هرمون الحب، أو كما يسميه بعض العلماء الهرمون المضاد للضغط، الذي يفرز من مخ الأم والطفل في آن واحد أثناء الرضاعة ليكون تفاعلهما مع بعضهما متبادلاً، وهذا يزيد من مدارك الطفل وإحساسه بالطمأنينة والثقة، وبالتالي يؤدي إلى زيادة ذكائه.
ولكن هذا ليس هو السبب الوحيد، فبتحليل الدراسات التي عملت لمقارنة الأطفال الخدج الذين يحصلون على الحليب عن طريق الأنبوب وجد العلماء أن نسبة ذكاء الأطفال الذين يتغذون خلال الشهر الأول من العمر على حليب آدمي – سواء من أمهاتهم أو من أمهات أخريات – أكثر بكثير من أولئك الذين يتغذون على الحليب الصناعي، ظوهنا جاء دور علماء الكيمياء الحيوية ليكشفوا عن مركبات كثيرة توجد في حليب الام كالأوميغا ٣ (DHA) والأوميغا ٦ (AA) وحمض السياليك (Sialic acid ) وهذه كلها مواد تحفز نمو العقل بصورة كبيرة.
إن شركات الحليب الصناعي تسعى جاهدة لإضافة هذه المواد إلى منتجاتها، إلا أنها تعجز عن إيصالها إلى المستوى المناسب تماماً للأطفال، وهنا تتجلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى، حيث يضع في حليب الأم الكمية المناسبة تماماً التي يحتاجها ابنها لينمو عقله بالطريقة الصحيحة، فكمية هذه المواد تختلف في حليب الأم لتناسب عمر الطفل واحتياجه،
وأما عامل النمو فهو بروتين معقد موجود في الحليب الآدمي، ولم تتمكن شركات الحليب من تصنيعه حتى الان، وهو يساعد على نمو جميع أعضاء الجسم وخاصة عقله، وأما مالم ولن تستطيع شركات الحليب تصنيعه فهي الخلايا الجذعية التي تنتج جميع خلايا الجسم وترمم ما يتلف منها، فبالتاكيد أن هذه الخلايا لها تأثير كبير في نمو عقل الطفل وذكائه.
فسبحانك اللهم وبحمدك وصدق الله العظيم إذ يقول (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ).
…….
استشارية طب حديثي الولادة والخدج، واستشارية الرضاعة الطبيعية بمستشفى القطيف المركزي