ثلمة أخرى تفت عضد الأمة برحيل الصعيليك
رباب النمر: الأحساء
ولم تنتهِ الثلمات في جسد الدين برحيل ممثليه من العلماء الأفاضل وسدنة الشريعة والأمناء عليها. ففي صبيحة يوم أمس خيم الحزن على الأحساء عامة وقرية الجبيل خاصة، فارتدت ثياب الحداد ورفعت رايات السواد مع شيوع خبر مفاجيء وثلمة جديدة تمثلت برحيل سماحة الشيخ الخطيب حبيب الصعيليك بعد سكتة قلبية مفاجئة.
وتداول محبيه مقطع لآخر مجلس بحسينية الإمام الحجة عليه السلام بالمبرز، يوم السبت الماضي كما تحدث عدد من رواد مواقع التواصل عن تكريم الفقيد للآباء وبعض الكوادر المتطوعين في جامع السيدة الزهراء عليها السلام، وتسليمهم الشهادات بعد صلاة الظهرين يوم السبت كذلك.
وأبدى محبيه صدمة استغراب لسرعة وقوع الحدث المفاحيء، وعلقت إحدى مستمعات خطبته ليلة البارحة بقولها: لم يبدُ لي من وجهه ليلة البارحة أو صوته أنه كان يعاني من شي، بل كان مشرقاً، وكان موضوعه عن الحقوق، وأجاد فيه.
وضجت على إثره وسائل التواصل الاجتماعي بعدد كبير من رسائل التعزية التي تشيد بمكانة الراحل، ومنزلته في الحوزة العلمية، وقصة كفاحه في الحياة، وتبنيه خط إصلاح جيل الشباب، وإخلاصه في القيام بدوره خطيباً وإماماً ومربياً وأستاذاً في الحوزة العلمية.
وكتب الشيخ يوسف العيد معزياً: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لقد فقدت الجبيل اليوم شيخاً مربياً فاضلاً من خيرة أبنائها، وأماماً راتباً من الصالحين، وخطيباً مفوّهاً أخلص للحسين عليه السلام ولمنبره، وأستاذاً قديراً من أساتذة الحوزة العلمية بالأحساء. كان رحمه الله من العاملين المجدين في بلدته الجبيل، بذل شطراً كبيراً من حياته في صناعة جيل متدين. إن الحزن اليوم سرمد، واليل مُسَهّد، برحيل هذا العلم الخافق على رؤوس المؤمنين الموالين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
وكتب جعفر الياسين في الفقيد: هذا الشيخ تغمده الله بواسع رحمته، درسنا عنده كتاب قطر الندى وبل الصدى، وجزءاً من الألفية في اللغة العربيه .. أنا والشيخ عبدالعليم العطية، والأستاذ محمد الدخلان في بيته بالجبيل، وكان ذا أخلاق عالية وابتسامة دائمة، رحمه الله تعالى رحمة الأبرار وأسكنه الفردوس الاعلى مع محمد وآل محمد عليهم السلام.
وقد قال عنه هود العمراني: ( للشيخ حبيب الصعيليك رحمه قصة ملهمة في حياته، فقد دخل أرامكو، واستمر فيها زمناً قصيراً، ثُم فضّل الدراسة الدينية. وخرج من شركة النفط وانتقل لقم المقدسة حتى يدرس العلوم الدينية. وهو الطالب المجتهد والمتفوق دراسياً وعملياً.
إن هذا الموقف جعل جميع أهل البلدة يُكبِروه حيث عانى قليلاً في دراسته وبعد رجوعه من قلة الإعالة.
التزم تدريس النحو واللغة العربية في حوزة الأحساء ولازال حتى توفاه الله)
وعلق سلمان الجبارة حين بلغة النبأ الحزين: رحمة الله عليه.آخر عهد به يوم العاشر، فكان الخطيب الذي قرأ المقتل وهو مكلوم ومحزون بمصيبة الحسين عليه السلام، حيث غادر ونزل من المنبر دون أن يختم كما يفعل على عادته إذ ترك المستمعين وهم منفعلين، بل لم يشعر به أحد. رحمه الله نحتسبه في ركب الحسين حيث كرس حياته ناصراً لسيد الشهداء بلسانه ناعياً وسيرته العطرة، سائراً على طريق الصلاح والإصلاح تأسياً بالحسين سلام الله عليه.
كما رثى السيد عبدالأمير السلمان سماحة الخطيب الشيخ حبيب الصعيليك -رحمه الله-بقصيدة يقول فيها:
فقدت أخي فالصبح كالليل مظلمُ
وعاد الشجی کالسهم في القلب يؤلمُ
فقدت صديقأ بل حبيباً ومخلصاً
وشخصأ وفيأ طالما كان يكرمُ
تذكرتهُ في مجلس العلم سابقاً
يحاورني طورا وطورا يُعلّمُ
وكان دقيقاً كلما قال جملةً
ورامَ على الأوراق للبحث پرسمُ
وكان قريب من محبيه طيباً
وكم كان في الأعماق للوجد یکتمُ
ستفقده الأعواد من بعد موته
وتبكي جُبيلُ الخير حُزناً وتلطمُ
من الصعب أن أرثيه في مجلس العزا
وأكتب شعرا في رثاه وأنظمُ
ولكنها الأقدار لا تبقي واحداً
وهيهات شيء من يد الموت يعصمُ
سنمضي وتبقى الدار في كف وارثٍ
يقيم بها دهراً طويلاً وينعمُ
هذا والجدير بالذكر أن الشيخ كتب بقلمه حول تاريخ عائلته (الصعيليك) وحول سلسلته النسبية، وذكر بأنه هو حبيب بن علي بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد الصعيليك الاحسائي (ابن العليين الجبيلي)، وذكر أن
الصعيليك لها عدة معانٍ في لغة العرب، ومنها الفقير ولعل جده -رحمه الله- لقب بهذت اللقب (الصعيليك) لأنه قدم فقيراً من قبيلة (عنزة) إحدى القبائل العربية الشهيرة التي كانت تعيش في شمال الجزيرة العربية، وسكن أول عهده في قرية (جليجلة) إحدى قرى الأحساء ( بالرغم أن عائلة الصعيليك الآن من أغنى العوائل في جليجلة وقد تغير لقبها من الصعيليك إلى الحسن)، وبعد أن تكاثرت عائلة الصعيليك في جليجلة انتقل واحد منهم وهو جده (محمد) رحمه الله إلى قرية الجبيل وسكن بها وبقي محتفظاً بهذا اللقب (الصعيليك) وكون بها عائلة تعد اليوم من أكبر العوائل في الجبيل.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله أن جده الأول (علي) كان من أعمدة البلد وكبارها، وقد شهد حرب العجمان على الأحساء، وأصيب بطلقة من طلقاتهم في كتفه بحرب كنزان، وكان لا يعيش له إلا البنات (أربع بنات) بينما يموت الذكور وهم أطفال رضع، ولهذا السبب سمى ولده الوحيد باسمه (علي) لأن الاعتقاد السائد في ذلك الزمان أن الإنسان إذا سمى ولده باسمه فإنه لا يموت. وفعلاً قدر الله لوالده علي أن يعيش حتى مات جده عام 1359هـ تقريباً، وكان عمره عند وفاة الجد تسعة أعوام تقريباً، ولهذا فإن جده جعل لزوج عمته الولاية على والده، وعلى مزرعته التى أوقفها لله تعالى على إطعام في يوم عاشوراء، وقراءة ختمة من القرآن الكريم في شهر رمضان، وأضحية.
وأصاف الشيخ الفقيد: “كبر والدي وتزوج من امرأة لم يعش معها طويلاً فلقد ماتت مريضة دون أن يكون لوالدي أي ولد منها، وبعد ذلك تزوج من والدتي -رحمها الله- وكانت هي أصغر بنت لجدي المرحوم قاسم (جاسم) بن محمد الحسن رحمه الله، وقد كان أبي شيخ الفلاحين في زمانه بشهادة أقرانه. وقد تزوج من والدتي وعاشت معه أحلى أيام حياتها ورزقه الله منها أربعة أولاد وبنتاً واحدة وهم :
1 – أحمد وقد مات مريضاً وهو رضيع
2 – حبيب (وهو أنا)
3 – حسين وقد مات مريضاً وهو رضيع
4 – طاهر (وهو يصغرني بخمس سنوات تقريباً )
5 – بتلاء وقد ماتت مريضة وهي رضيعة.