(كيف نحمي أطفالنا من المرض النفسي) محاضرة بجامع الإمام الحسن للدكتور الشبعان
رباب حسين النمر: الأحساء
ضمن نشاطها في الجامع، استضافت اللجنة الإعلامية في جامع الإمام الحسن عليه السلام بحي الأندلس الدكتور مصطفى الشبعان للحديث حول حماية الأطفال من المرض النفسي.
بدأ الشبعان حديثه بتوجيه شكر لإدارة الجامع كونها أتاحت له فرصة إلقاء هذا الخطاب يوم الجمعة وهو أكثر أيام الأسبوع ازدحاماً بالجمهور. ثم عرّف الجمهور بعنوان محاضرته (حماية الأطفال من الاضطرابات النفسية)
وبدأ الشبعان المحاضرة بقوله:
“زاد الاهتمام بصحة الأطفال في السنتين الأخيرتين بسبب جائحة كورونا، وكذلك صحة البالغين”
ثم تناول مصطلح
(صحة الأطفال النفسية) ببيانه:
“أن يكون سلوك الطفل وتفكيره ومشاعره متوافقة مع العمر الزمني للطفل.
فهناك سلوكيات مقبولة حسب العمر، فالطفل الرضيع يضحك ويتفاعل، وفي عمر الرابعة يتقن الكلام، وفي سن السادسة يدخل إلى المدرسة وينسجم مع الأطفال الآخرين، ويبدأ مشواره التعليمي”
وأضاف الشبعان:
“ولا تعني الصحة النفسية خلوه من الأمراض فقط، بل يراد أن تكون طفولته سعيدة، وإيجابية، ويتعلم مهارات مختلفة، ويبني شخصيته، ويكبر ويعمل، ثم يتزوج ويكون أباً في المستقبل. وتبدأ هذه الأمور السوية من الطفولة. فإذا كانت طفولته سليمة نفسياً فإنه سيكون إنساناً صالحاً، وفاعلاً في مجتمعه حينما يكبر بمشيئة الله”
ولفت الشبعان إلى أن
الأمراض النفسية عند الأطفال تحدث حينما يكون هناك خلل واضح ومستمر يسبب المعاناة للطفل ولوالديه في النواحي الثلاثة:
*السلوك* ( مثل الاضطراب
المشهور فرط الحركة، والعناد والمشاكسة)، *والتفكير* ( مثل التأخر دراسيا ولغويا) ، *والمشاعر* ( مثل الخوف والقلق والاكتئاب والعزلة).
وأشار إلى أن الأمراض النفسية تنتشر عند الأطفال نوعاً ما، فهي حسب الإحصائية العالمية تشير إلى نسبة طفل واحد من بين ستة أطفال يشكو من مشكلة نفسية أو سلوكية، وتتدرج من بسيطة إلى متوسطة، إلى شديدة تحتاج إلى تدخل المختص.
وبعد بسط المشكلة، تطرق الشبعان إلى عدة توصيات ونصائح يسديها للأهل بخصوص:
*كيف نحمي الأطفال من الأمراض النفسية*
فطرح الدكتور الشبعان عدداً من الطرق والنصائح التي لخصها فيما يلي:
(أولاً:
الاهتمام بالعامل الوراثي، حيث تتأثر الأمراض النفسية بالعامل الوراثي كما تتأثر الأمراض العضوية، فزواج المصاب بمرض نفسي من المصابة بمرض نفسي يزيد نسبة احتمال إصابة الأطفال بمشاكل نفسية. ولذلك يجب الحذر من هذا الموضوع عند الاقتران حماية للطفل المستقبلي.
عندما كنت متدرباً في مدينة الرياض
خرج من عيادة طب نفس الأطفال رجل كان يبكي، وكانت الاستشارية تطمئنه. فتساءلت مع مجموعة من الزملاء عن سبب بكاء الرجل.
فأخبرتنا أن له طلباً غريباً وهو عملية قطع النسل عن أخيه المصاب بتخلف عقلي، الذي تزوج من امرأة مصابة بتخلف عقلي، ونتج عن هذا الزواج أربعة أبناء، شُخِّص منهم ثلاثة بالتخلف العقلي، وألقي العبء على عم الأطفال، بسبب التخلف العقلي لوالديهم، والأم حامل للمرة الخامسة، ولم تلتزم بوسائل منع الحمل، ولذا هو يطلب تدخل الطب لإجراء عملية قطع النسل عن أخيه. وهذا الإجراء بالطبع غير متاح بسهولة. وكان الأولى هو الحذر قبل الزواج من العامل الوراثي.
ومن اللطيف أن تجد في روايات أهل البيت عليهم السلام ما يشير إلى هذا المعنى، يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله: ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)، وروي عن أمير المؤمنين:(إياكم وتزويج الحمقاء فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع)
لذلك من المهم الالتفات لهذا الجانب.
ثانياً:
تثقيف النفس في مجال الحاجات النفسية للطفل في فترة الحمل إلى جانب تجهيز ملابس الطفل وسريره ومتطلباته، وذلك بقراءة الكتب، والاستماع إلى المحاضرات العربية على يوتيوب، وبحضور دورات تهيئة الآباء والأمهات لاستقبال الطفل وتربيته لأن الأمر قد يتعقد ويحتاج إلى تدخل مختصين. لذا يهيء الإنسان نفسه قبل أن يواجه تحديات لدى الطفل، ويعرف الأخطاء الشائعة، فقد يُتهم الطفل بالعناد على سبيل المثال وهذا ليس عناداً فلا يحتاج إلى مقابلته بالقسوة، بل يمر الطفل بمرحلة استقلال الذات ولذلك دائماً يقول(لا) حينما يدعى لتناول الطعام أو للاستحمام أو ارتداء الملابس. هذا ليس عناداً، وهناك طرق لطيفة للتعامل مع الطفل في هذه المرحلة.
وتعد فترة الحمل مناسبة لتهيئة النفس بالتثقيف، ثم التطبيق العملي بعد استقبال المولود.
ثالثاً:
قضاء وقت مع الأطفال، ومشاركه اللعب من عمر صغير، أو تقرأ له قصة، أو تعلمه مهارة جديدة، أو تشاهد معه برامجه المفضلة على يوتيوب أو مختلف القنوات الإلكترونية.
وقد أثبت علمياً أن تواجد الأب مع الطفل يؤدي إلى صحة نفسية في الكبر.
والعكس صحيح حيث تنشأ الأمراض النفسية المتعددة بسبب غياب الوالدين أو أحدهما عن حياة الطفل، مثل غياب الوالد بسبب اليتم أو الطلاق أو بسبب إهمال من أحد الوالدين، وهذا الغياب يزيد خطورة الإصابة بمرض نفسي، ومن وسائل الحماية أن تتواجد مع طفلك وتخصص وقتاً يومياً لقضائه معه. ونجد ما يشير إلى هذا المعنى في روايات أهل البيت عليهم السلام، فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: (جلوس المرء إلى عياله أحب إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام:(من كان عنده صبي فليتصاب له).
رابعاً:
تثقيف الأطفال حول المحرمات الاخلاقية، ولا سيما التحرش بالأطفال وحماية أنفسهم، وكيف يتصرفون في مثل هذه المواقف. فقد أكدت الدراسات أن من يتعرض في طفولته للتحرش، قد يصاب بالاكتئاب المزمن والاضطرابات الشخصية والقلق عندما يكبر.
ولذلك من الضروري تهيئة الأطفال لهذا الموضوع.
ولا نمتلك إحصاءات عن مدى وجوده في مجتمعنا، ولكن نصادف بعض الحالات في العيادات، ولذا من المفيد تثقيف الطفل في هذا الجانب، فالجهل به قد يعرض الطفل للتحرش.
وهناك مختصون في هذا المجال ينبغي الإفادة من تعليماتهم.
ووجدت في روايات أهل البيت عليهم السلام ما يدعم هذا المعنى، مثل الروايات التي تدعو إلى التفريق في المضاجع بين الصبي والصبية، والصبية والصبية. وفي رواية أن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام وسأله عن جارية بلغت ست سنوات ليس بينه وبينها رحم، فقال له الإمام (فلا تقبلها ولا تضعها في حجرك) وهذا يشير إلى وجوب تعليم الطفل على الحدود والحشمة من عمر صغير.
خامساً:
الامتناع عن تعنيف الأطفال، فالصراخ على الطفل وإحراجه أمام أقرانه، أو إهانته لفظياً أو جسدياً تضر بصحته النفسية.
وهناك ذريعة متكررة لمن يعنف أطفاله حيث يعزو ذلك إلى العصبية، وعدم قدرته على ضبط النفس. وهذا حقيقة ليس عذراً مقبولاً، فالعصبي يحتاج إلى علاج.
وقد تعلمت من أحد أستاذتي معنى لطيفاً، فقد دخل إلى عيادته شخص كان يضرب زوجته وأطفاله، ولما سأله الطبيب عن السبب، وطلب منه أن يتحكم بأعصابه، قال: أنا عصبي! وعندما أعصب لا أرى من أمامي.
فخاطبه الطبيب بذكاء. قائلاً له: إذا كنت في حالة عصبية هل تضرب والدتك؟ فقال: لا. مستحيل.
هل تضرب مديرك في العمل؟
هل تضرب الشرطي؟
هل تقتل أحداً في حالة العصبية؟
كل الإجابات كانت (لا)
فعلق الطبيب: إذن أنت قادر على ضبط أعصابك مع من هم أقوى منك، ومع الأضعف وهم الزوجة والأبناء تقوم بضربهم لأنك لا تخاف شيئاً.
فالمفترض أن تخاف لأن هذا الأمر محرم شرعاً، وفيه ديات، ومُجَرَّم قانونياً. فإذا شك الأطباء في حالة تعنيف من واجبهم إبلاغ السلطات لحماية الأطفال الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم.
ولذلك من المهم أن يمتنع الإنسان عن العنف. وهناك طرق أفضل لتربية الأطفال من استخدام القوة والضرب والإهانة. وإذا كان الطفل متعِباً جداَ وخارجاً عن السيطرة قد يكون محتاجاً للعلاج والتدخل الطبي من مختص لتفادي السلوكيات التي تستفز الوالدين أو لتعلم طريقة التعامل معها.
سادساً:
تنمية هوايات الأطفال، وتشجيعهم على تطويرها. وهذا الأمر مهم وله فوائد عديدة،ومن ناحية نفسية يحميه عندما يكبر من الإدمان بشتى صوره. فعندما يستمتع بممارسة هوايته المفضلة ويقضي بها وقته، فهو يلجأ إليها عندما يشعر بمشاعر سلبية. لأن من مداخل الإدمان عند الكبار الشعور بألم (قهر. خوف. توتر. غضب) ويريد إزاحة هذا الألم فيقوم باستخدام المادة المخدرة، أو الإدمان السلوكي بالإدمان على الأجهزة مثلاً لعدة ساعات، أو يشعر بالحزن والخوف والألم فيكثر من الأكل اللذيذ والحلويات حتى يبعد المشاعر السلبية.
ولكن إذا كان الانسان معتاداً منذ صغره على ممارسة هواية يستمتع بها، وهي صحية وليست ضارة فسوف تحميه من هذه المخاطر والسلوكيات والعادات السلبية)..
وختم الشبعان حديثه بقوله:
(وتبقى هذه النصائح عوامل تحمي من الخطر، وليست حتمية. ولو أصيب الطفل بمرض نفسي لا سمح الله علينا أن نلجأ للمختصين)
الجدير بالذكر أن الدكتور
مصطفى عبد المنعم الشبعان حاصل على الزمالة السعودية في الطب النفسي، ومتخرج من جامعة الدمام، ويعمل حالياً في مستشفى الصحة النفسية بالهفوف.