حوارية (٨٠) هل الفتوى المعاصرة مثل الفتوى التي نعيشها بالأمس أم ينبغي أن نخطو بها إلى الأمام؟
زاهر العبدالله
-السائل: سلام عليكم ورحمة الله أستاذي ..
سمعنا مقطعًا وقد أثار عندنا تساؤلات عدة، نريد أن تجيبونا عليها لكي نفهم، وهي عند منابع المرجعية اليوم في استخراج الفتوى هل هي بمقاييس الأمس أم يجب أن تخضع لمقاييس اليوم في ظل التطور والتقنية الحديثة؟
*الجواب:
باسمه تعالى وله الحمد.
إذا أردنا أن نجيب المختصين في الحوزات العلمية فإن لهم جوابا خاصا، لأنهم يعرفون تفاصيل البحث وأدواته، ومفاتيح العلم، فهل بينكم طالب علم أم كلكم شباب من غير طلبة العلم؟
-السائل: بل كلنا شباب، ولا نريد لغة المختصين في الحوزة، بل نريد جوابا يتناسب معنا، ونفهمه بسهولة ويسر.
*الجواب:
هل مصادر الفتوى تغيرت حتى تتغير الفتوى بتغير المصادر؟ أي: هل القرآن الكريم والعترة الطاهرة والعقل والإجماع – على تفصيل في قبوله، ورده موكول لمحله – هي مصادر التشريع؟
-السائل: حسب الظاهر لم تتغير لكن لعل فهم الدليل قد تغيّر من المصادر؟
*الجواب: جميل إشكالك في فهم الدليل، فقد يتغير ما كان يُفهم أنه خاص في زمان النص فيفهمه الفقيه المجتهد اليوم نصا عاما، ويمكن إسقاطه على تكاليف الناس، ولكن ليس لأي أحد أن يدعي لنفسه الفقاهة ونأخذ بكلامه، بل لابدّ من الرجوع إلى الجامعة التي تخرج منها وهي الحوزة العلمية، ونرى نتاجه العلمي وتزكية العلماء المعروفين المشهورين له بالفضل، وكذلك تزكية زملائه أو نتائج طلابه الذين استفادوا من درسه وأخرجوه بشكل تقريرات متينة يمكن نشرها في الأوساط العلمية فتكون تحت مشرط التحقيق والنظر والتدقيق وتسجيل الملاحظات عليها.
-السائل: صدقت، فليس كل متحدث نصغي إليه. بل علينا أن نعرف مكانته العلمية بالطرق التي بينتها ولكن لا يمنع أن نأخذ تساؤلات أي شخص لنجيب عليها ، فسؤالي لكم الآن هل فتاوى مراجعنا اليوم تلامس الواقع اليوم ولغة العصر؟
*الجواب: من قال غير ذلك؟ وهل دوام المذهب من الغيبة الصغرى حتى هذا اليوم إلا بالبحث العلمي في الآيات والروايات ومناشىء العقل؟
وقد استفاد اليوم مراجع الطائفة من الوسائل الحديثة، فالعقل لا يمنع من أن يستعين الفقيه بالتقنية الحديثة للوصول إلى استنباط الحكم الشرعي إذا لزم ذلك.
-السائل: فهل السيد السيستاني (حفظه الله) يستعمل أو يستعين بالتقنية الحديثة في فتواه المعاصرة؟
*الجواب: وكيف يصل السؤال اليوم إلى سماحة السيد السيستاني (حفظه الله) وكيف يُجاب عليه؟
أليس عن طريق الوسائل الحديثة؟!
السيد السيستاني (حفظه الله) عرفه الغرب وعندهم أعلى درجات التقنية والتقدم حتى أن كثيراً من رموزهم يقف متعلماً أو مستفيداً على باب المرجع، ودونك الواقع فإن أغلب مراجعنا عندهم مركز دراسات في مواقعهم الإلكترونية واستفتاءات وبحوث استدلالالية مبذولة لطلاب العلم المختصين ويحيطون بقضايا الساحة أولاً بأول، بل جل وقتهم في ذلك لعظيم المسؤولية على أعناقهم وعواتقهم.
ولا تحتاج عناء بحث سوى أن تكتب ماتريد على محركات البحث ويصل لك كل ماذكرت.
-السائل: هل المرجع اليوم حين يريد الإفتاء لا يوجد عنده سوى أربعة أو خمسة كتب يعتمد عليها في استدلاله الفقهي؟
*الجواب: المرجع لله !
إذا اتفقنا سابقا على أن مصادر التشريع هي القرآن الكريم والعترة الطاهرة والعقل والإجماع على تفصيل بين الفقهاء، فأنت تدرك معنى القرآن الكريم والعترة الطاهرة؟
ألم تقرأ قوله تعالى في حق القرآن الكريم: ﴿وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ﴾ [النحل: ٨٩]
أترى من الحكمة أن يترك الله تعالى الأمة دون هاد لخلقه يَدلّهم على حلاله وحرامه؟
ألم تسمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(١)؟
وحين غاب عنا مولانا صاحب العصر والزمان (عليه السلام) هل تركَنا أم ترك لنا طريقاً يهتدي الناس من خلاله وهم مراجعنا العظام؟
ففي الرواية:
( عن إسحاق بن يعقوب قال:
سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أُشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك – إلى أن قال: – وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي) (٢)
وهل مراجعنا العظام بمنأى عن القرآن الكريم والعترة الطاهرة وهل خزائن الله في كتابه العزيز تنفد وكلام النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفد؟
أخي العزيز تلك شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع على طول الخط ومراجعنا العظام يعيشون المرحلة ومتطلبات العصر ويواكبون العلم والعقل ولم يتخلفوا طرفة عين عن ذلك، ولم تكن الجدران منازلهم الصغيرة تحجبهم عن العلوم العقلية والنقلية وكما أشار السيد منير الخباز (حفظه الله تعالى) من أن السيد السيستاني (حفظه الله) رجل مثقف جدا جدا في صنوف العلوم والمعارف ونتاجه العلمي والمعرفي مبذول لطلاب العلم، وكذا بقية المراجع العظام (حفظهم الله تعالى) المعروفين في الأوساط العلمية دون استثناء.
-السائل: ولكن المرجع السيد السيستاني (حفظه الله) حبيس داره لا يخرج فكيف يحيط بمن حوله؟
*الجواب: يبدو أنك بعيد عن المشهد المرجعي، فمتى كانت الجدران التي يجلس بينها الفقيه حاجزا أمام العلوم والمعارف ومشاكل العصر والساحة الثقافية والمعرفية بل هناك من ألف داخل السجون أمثال المرجع آية الله السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره) ألا ترى السيد السيستاني (حفظه الله ورعاه) حاضراً بخطاباته في العتبة الحسينية يخاطب المرحلة بواسطة وكلائه؟
ألا ترى موقعه الزاخر بالعلوم والمعارف؟
ألا ترى رعايته الدائمة للفقراء والأيامى والمحتاجين والمعوزين وطلاب العلم والصروح الثقافية وبناء المستشفيات من خلال مؤسسة عين للرعاية الإجتماعية؟ (٣)
وكذلك أنشطة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية.
ثم هل جدران بيته الصغير حجبته عن العالم من حوله في فتوى الدستور والانتخابات والجهاد الكفائي ودحر الدواعش وزيارة كبار ساسة العالم ومفكريه وأديانه كالبابا عند أعتاب داره الصغير؟!
مالكم كيف تحكمون؟
من أشكل المشكلات توضيح الواضحات ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأعانك الله يامولاي ياصاحب الزمان وعجل الله فرجك.
-السائل: أستاذي: أليس فقهاء اليوم أعلى علما ومعرفة من فقهاء الأمس خصوصاً وأن وسائل البحث تطورت جدا عما كانت عليه بالأمس، فالحوزة مثلها مثل التخصصات الأخرى كالتعليم والطب، فكل زمان أفضل من الذي سبقه لنكن واقعيين أستاذي؟
*الجواب: لو لم يقدم المتقدمون إلا تأسيس العلوم وتأصيل الفقه وجمع الروايات للباحثين والدارسين وتربية العلماء والمجتهدين وتركوا بعض كتبهم الدراسية التي عليها مدار البحث حتى يومنا الحاضر لكفاهم شرفا وتقديرا ورفعة، نعم علماء وفقهاء اليوم هم امتداد لتلك الشجرة الطيبة من المتقدمين، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فمراجع اليوم لولا جهود من سبقهم من العلماء لما وصل علم الفقه والأصول وعلوم القرآن الكريم وكل علم ذي علاقة مباشرة وغير مباشرة إلى ما وصل من تقدم يبهر الباحثين والدارسين على مستوى العالم فضلاً عن البيت الإسلامي.
ثم هل من الأدب أن نقابل جهود علمائنا السابقين بتعبيرات توحي بإهانتهم ؟!
ألم يقل الحق سبحانه:
﴿هَل جَزاءُ الإِحسانِ إِلّا الإِحسانُ﴾ [الرحمن: ٦٠]
-السائل: يكفي أستاذي.. ظهر لنا أننا نحن الذين فكرهم ضيق وحبيسو إثارات لا تغني ولا تسمن من جوع.
أستغفر الله ربي وأتوب إليه، ونسأل الله العظيم أن يحفظ مراجعنا العظام وأشكرك على التوضيح.
الجواب: الشكر لله وحده ونسأل من الله القبول وحسن العاقبة وسلم على الشباب وأعطني انطباعهم بعد هذا الحوار وشكراً.
-السائل: بإذن الله تعالى أفعل إن شاء الله……
المصادر:
(١) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي ج ٢٧ ص ٣٤.
(٢)المصدر السابق ج ٢٧ ص ١٤٠.
(٣)( مؤسس عين للرعاية الاجتماعية)
https://www.aynyateem.com/about.php